تطورات السياسات المالية والنقدية بعد الحرب العالمية الثانية والأزمات الملازمة لها
د. علي اشتيان المدادحه
3 ـ أزمة الذهب والنظام النقدي العالمي :
اشتدت الرغبة في اذار 1968 في تحويل الدولار الى ذهب وتهافت المضاربون على أسواق الذهب يشترون منه مقادير جسيمة غير عادية وكأنهم يتوقعون أن يحل بالدولار ما حل بثاني الاثنين في النظام النقدي العالمي وهو الباون الأسترليني قبل بضعة أشهر عندما خفضت قيمته بنسبة 14,3 % . وعقد في واشنطن اجتماع يضم البنوك المركزسة المشتركة فيما يسمى بحوض الذهب Gold Pool وهي الولايات المتحدة , انقلترا , المانيا الغربية , ايطاليا , بلجيكا , هولندا , سويسرا . أما فرنسا فكانت فقد خرجت من هذا الحوض المشترك وصارت تدعوالى اصلاح النظام النقدي العالمي والعودة الى أساس الذهب الدولي . وانتهى الاجتماع المذكور باعلان النقاط الآتية :
1 ـ أن البنوك المركزية السبعة سوف لا تقدم الذهب الى أية سوق حرة .
2 ـ أن هذه البنوك المركزية لم تعد ترى من الضروري أن تشتري الذهب من السوق .
3 ـ أن هذه البنوك المركزية سوف لاتبيع الذهب الى السلطات النقدية للتعويض عن الذهب الذي تبيعه تلك السلطات الى السوق . وأنها تدعو البنوك المركزية الأخرى الى التعاون معها في هذه السياسات .
4 ـ أيد المؤتمر المذكور سياسة الحكومة الأمريكية في استمرارها على بيع الذهب وشرائه بثمن 35 دولارا لكل أونس في معاملاتها مع السلطات النقدية .
ويتبين من هذه النقاط أن قابلية تحويل الدولار الى ذهب بالسعر الرسمي وهو 35 دولارا لكل اونس , والتي كانت الأساس في نظام الصرف بالذهب قد اوقفت جزئيا . فقابلية التحويل للهيئات الخاصة قد قضي عليها بانتهاء حوض الذهب . كما أن السلطات النقدية سوف لا يكون في وسعها أن تحول دولاراتها الى ذهب على حساب الولايات المتحدة اذا حصل الشك في تصرفها باعادة بيع الذهب في السوق الخاصة . ويتراءى من خلال تلك النقاط أيضا أن البنوك المركزية الغربية الكبرى قد طلب اليها أن تتمسك بالدولار قدر المستطاع وأن لا تطلب الذهب في الأوقات غير المناسبة .
وعندما عقد مؤتمر ستوكهولم بعد فترة لمتابعة المناقشة في موضوع النظام النقدي العالمي من قبل الدول الصناعية الغربية الكبرى المسماة بجماعة الدول العشر Group of Ten أقر وجود سعرين للذهب أحدهما رسمي وهو 35 دولارا لكل أونس وبموجب هذا السعر سوف تستمر البنوك المركزية على تسوية الحسابات فيما بينها . وأما السعر الثاني فيترك تحديده لتقلبات السوق الحرة . ويذهب البعض الى أن ثمن الذهب المرتفع في السوق الحرة اذا ما استمر فأنه قد يؤدي في الأخير الى رفع ثمن الذهب الرسمي للاغراض النقدية .
-1-
وينبغي أن يلاحظ أن ثمن الذهب الرسمي للاغراض النقدية وهو 35 دولارا لكل أونس قد بقي ثابتا منذ سنة 1934 في حين أن أسعار معظم السلع الأخرى قد زادت أربع مرات خلال تلك الفترة . وقد يكون من المحتمل أن يخرج الذهب من الأغراض النقدية ويترك ثمنه يتغير كما يتغير الثمن لاي معدن آخر . ولكي يحصل مثل هذا الشيئ لابد من التوصل الى نظام نقدي دولي آخر يحل محله , ومن الاقتراحات التي قدمت التوسع في استعمال حقوق السحب الخاصة Special Drawing Rights في صندوق النقد الدولي .
ويرى البعض أن الثقة في النظام النقدي العالمي يمكن أن تعاد اذا ما اتخذت الاجراءات الممكنة للمحافظة على السعر الرسمي للذهب وهو 35 دولارا لكل أونس . ومن المؤمل النجاح في هذا المسعى اذا صار في الامكان أن يحقق هذان الشرطان :
1 ـ اذا استطاعت الولايات المتحدة وانقلترا , وهما الدولتان اللتان تستخدم عملتها كاحتياطي دولي , أن تقنعا الرأي العالمي بأنهما سوف يسيطران على العجز في ميزان المدفوعات لكل منهما .
2 ـ ان الخطة الموضوعة لحقوق السحب الخاصة في صندوق النقد الدولي تقبل من الدول الأخرى وتوضع موضع التطبيق بدون تأخير . وفي المقالة اللاحقة نتابع تطور النظام النقدي العالمي عن أساس الورق غير القابل للتحويل .
نائب رئيس جمعية المتقاعدين المدنيين