إبراهيم أبو حويله يكتب : الأب والقانون


قيل مرة أن الإبن لن يدرك ما يفعله والده ، إلا عندما يصبح والدا ، عندها فقط يدرك ما يقوم به الأب ، بين دور ودور يفقه الإنسان حقيقة ما يحدث ولكن قد يكون هذا الفقه متأخرا .

إن إساءة إستغلال الموقع تعود دائما على المستغل بالخسارة ، وكأنها سنة آلهية بأن يدفع الطرف المتجاوز ، ولا أريد أن أقول الظالم ثمن تجاوزه .

فخذ مثلا قانون المالكين والمستأجرين ، في فترة كان فيها المستأجر مالكا ، فالقانون يحميه ويحمي تجاوزه وظلمه للمالك ، ولكن ما حدث ان الامر انقلب تماما ، نعم هذه التغيرات أثرت على الإقتصاد بمجمله .

فلم يعد من المجدي أن تستأجر محلا في شارع مزدهر وتنفق ثروة في تجهيزه وإعداده ، لأن المؤجر في لحظة يرفع عليك الأجرة ، وإذا شعر بأنك مستفيد بشكل كبير سيرفع عليك الأجرة .

وهكذا تعطلت مصالح وتجارة وإقتصاد ، هل كان السبب تغول المستأجر في المرحلة الأولى؟ بإعتقادي نعم ، فلو كان هناك عدالة بين المستأجر والمالك لما أضطر المشّرع إلى إعادة صياغة القانون بما يحقق العدالة للطرف المتضرر ، ولكن المستأجر إستغل الوضع وظلم المالك ، والأن إنقلب السحر على الساحر .

وهذا تماما ما حدث في تعديلات قانون السير الأخير ، فلا يصح بحال أن يكون الحق كاملا على السائق فهو بشر ومن يسير في الشارع بشر أيضا ، وكلاهما مسؤول عن تصرفه.

فلا يصح ان تتحمل جهة المسؤولية كاملة وتعفى الأخرى ، وهذا ما أدى في النهاية إلى التعديل المطلوب لإحقاق الحق وإعادة العدالة إلى الشارع ، ونحن جميعا نعلم حجم التجاوزات التي حدثت ، وكيف دفع الكثير ظلما وزورا ثمن هذه التجاوزات .

الأن يتحمل المواطن تبعات قراره سواء كان هو الذي يقطع الشارع أو حتى من يعولهم ، وكفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول ، فعليك أن تنتبه إلى تصرفاتك وتصرفات أطفالك وتتحمل أنت المسؤولية عن أخطائهم وليس السائق طبعا وهذا ما أراه عدلا .

ولكن متى يجب ان نعي أن الحدود لم توضع للتطبيق ولكن وضعت للردع ، والقوانين برأيي يجب أن توضع للردع ، ويجب أن يدرك المواطن ذلك .

القانون وضع للفئة التي تخالف ولم يوضع لكل المواطنين ، ولذلك رد عمر رضي الله عنه القضاء لإبي بكر ، فهؤلاء أي الصحابة قد وعوا تماما ما لهم وما عليهم ، والحدود بينهم وبين الأخر واضحة ومعلومة ، والكل يسعى للحفاظ عليها ، بل يزيد للآخر على حسابه خوفا من أن يقع في الظلم فليسوا بحاجة إلى قضاء .

يجب أن ندرك تماما كلفة تطبيق القانون ، حتى نعلم بأن هذه المبالغ تقتطع في الحقيقة من فاتورة التعليم والصحة والتطور لتساهم في صناعة الأمن ، والمفروض أن كل مواطن هو مسؤول عن هذا الأمن ، فهو يعنيه أولا ، ويمس حياته وحياة من يحب ، ولذلك يجب أن يكون حريصا على تطبيقه بدون وسائل إجبار .

ما نقوم به اليوم كمواطنين هو للإسف منظومة تعيق الحركة والتقدم والتطور وصناعة الحضارة وبناء الإنسان والسعي للخروج من هذه الحالة الراهنة ، والتي نحن جميعا بشكل مباشر مسؤولين عنها .

متى إحتاج الموظف إلى مراقبة والمراقب إلى رقيب ، والإستاذ إلى محاسبة ، والطالب إلى مجموعة من المراقبين والمفتشين حتى نمنعه من الغش ، والسائق إلى كميرات ورقباء سير وووووووو

نحن الأن تختلف أشكالنا ولا يختلف جوهرنا للأسف إلا من رحم ، اذا نظرت فإذا رجل الدين يخالف متى شعر بعدم الرقابة ، والإستاذ متى غابت الرقابة لا يشرح درسه ، والموظف يستغل الفرصة ليهرب من وظيفته أو يعطل مصالح المواطنين حتى لا يقوم بواجبه.

وإذا أردت أن أكمل فأنا بحاجة إلى دليل مهني وصناعي وزراعي وتجاري حتى أستطيع أن أحدد أن الإستاذ الذي لا يدرس طلابه يضطر في نهاية الأمر أن يصلح سيارته عند واحد من طلابه مستقبلا ، وعندها فلا عتب إن كان الإصلاح فاشلا وأنتهى الإستاذ مقعدا .

ولا أعمم طبعا ولكني أقول إن الأمر بحاجة إلى وقفة جادة ليعود المجتمع كاملا إلى جادة الصواب.

وإلا فنحن جميعا ندفع الثمن ...