هل أصبح التعاون مع "النقد الدولي" قدراً؟

عايش: الاتفاق مع "النقد الدولي" يبقي بوابة الديون مستمرة


دية: المباحثات الجديدة مع الصندوق ستزيد من أعباء الاردنيين

الأنباط- سبأ السكر


فيما ارتفع الدين العام بنسبة 114% من الناتج المحلي الإجمالي لنهاية شهر ‏حزيران من العام الحالي، وفقًا لبيانات وزارة المالية، نشهد ارتفاعًا مستمرًا لا مفر ‏منه يبقينا في وضع اقتصادي صعب، وبينما ينتهي العمل في برنامج التسهيل ‏الممتد الحالي مع صندوق النقد الدولي في شهر آذار لعام 2024؛ تجري الحكومة ‏مفاوضات على برنامج إصلاح اقتصادي جديد، ليبقى النقاش مثار عن استطاعة ‏الأردن الخروج من هذا الموقف‎.‎
بدوره، أشار الخبير الاقتصادي منير دية إلى أنه من المتوقع أن يصل الدين العام ‏إلى 116% من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية العام الحالي، وقد تصل في عام ‏‏2024 إلى 118% من الناتج المحلي الإجمالي، مبينًا أن تواصل ارتفاع المديونية ‏تشكل المزيد من الأعباء، أي المزيد من فوائد وخدمة الدين والتي "ستلقي بظلالها ‏على موازنات العام الحالي والقادم"، ويبقى هناك أعباء إضافية ملقا على ميزانية ‏الدولة في ظل ارتفاع المديونية المتواصل، و اقتراض الحكومة الداخلي والخارجي ‏وبالتالي فإن ارتفاع المديونية معضلة كبيرة تواجه الأردن خلال السنوات الماضية ‏والقادمة‎.‎

وتابع، "من أهم أسباب ارتفاع هذا الدين وصوله لهذه النسبة المقلقة، ما تعرضت له ‏شركتي الكهرباء الوطنية والمياه من خسائر التي بلغت للآن ما يقارب 8 مليار ‏دينار ما أدى إلى زيادة إجمالي الدين العام لوجود خلل كبير في العقود الموقعة من ‏قبل شركات الكهرباء مع شركات التزويد، والخسائر المترتبة عليها لفترات قادمة ‏لذا ستبقى المديونية لقطاع الكهرباء والمياه تتحملها الموازنة العامة"، مشيرًا إلى ‏أسباب أخرى كارتفاع أسعار الفائدة عالمياً، ما ادى إلى ارتفاعها في البلاد عدة ‏مرات متتالية خلال العام الفائت والحالي، في حين أسهم ارتفاع أسعار الفائدة ‏بزيادة كلف الاقتراض على الحكومة وأعباء على خدمة الدين العام، والتي تشكل ‏عبء إضافي على المديونية وبالتالي ستبقى بازدياد مع ارتفاع أسعار الفائدة التي ‏تشكل تحدي كبير قادم للدين العام واعبائه‎. ‎

وبين دية، أن اعتماد الحكومة على الاقتراض المستمر لتمويل النفقات الجارية ‏سيعمل دائما على زيادة المديونية باستمرار؛ لأنه لم تبحث عن حلول جدري ‏لمعالجة العبء، أو زيادة إيراداتها من خلال الاستثمار، أو فتح آفاق للاستثمار ‏الخارجي وزيادته، بل شهدت البلاد تراجع في تدفقات الاستثمارات الخارجية ‏المباشرة خلال نصف الأول من العام الحالي بنسبة 30%، مبينًا أنه "خطر جديد"، ‏إذ على الحكومة الاعتماد على الاستثمار خاصة في قطاع السياحة والخدمات ‏والقطاعات حيوية ورئيسية في الأردن، وجب عليها أن تركز بجذب الاستثمارات ‏الخارجية لزيادة معدلات النمو والناتج المحلي الإجمالي، ما يؤدي إلى زيادة ‏إيراداتها، بالإضافة إلى البحث عن حلول للاقتراض الحكومة لدفع الرواتب أو ‏خدمة الدين والذي لن يولد فرص عمل ومشاريع جديدة بل سيعمل على ارتفاع ‏المديونية خلال الفترات القادمة‎.‎

وأضاف أن حلول معالجة ارتفاع المديونية العامة؛ التوجه للاستثمارات الخارجية ‏وجذبه، من خلال التسهيلات ومراجعة "حقيقية" القوانين والأنظمة التي تتعلق ‏بالاستثمار وتعديل جميع الإجراءات على الأرض لجلب الاستثمارات وتخفيض ‏كلفتها على المستثمرين؛ لنصبح دولة منافسة أقليمياً وزيادة معدل تدفق الاستثمارات ‏الخارجية لفتح الآفاق أمام القطاعات الخاصة وتخفيف وتسهيل عملها وتوسعه ‏لزيادة نمو الناتج المحلي الإجمالي وزيادة إيرادات الدولة‎.‎

وأوضح دية، فيما أوعز به رئيس الوزراء والدخول في مباحثات جديدة مع صندوق ‏النقد الدولي لبرنامج جديد أنه ينتظر الأردنيين خلال الفترة القادمة المزيد من ‏الأعباء وغلاء الأسعار سواء في أسعار المحروقات، الكهرباء أو المياه وغيرها من ‏السلع التي ستشهد زيادة لتمويل العجز في الموازنة، وبالتالي مزيد من الأعباء ‏‏"والاعتماد على جيب المواطن مجددا لأننا هكذا تعودنا من صندوق النقد الدولي ‏وفي كل برامج الإصلاحية السابقة، بينما الأصل أن لا نعود دائماً لصندوق النقد ‏وانما نعود بإجراءات حقيقية على الأرض"، حتى تشهد الأردن نمو اقتصادي ‏حقيقي واقعي وعدم الوصول لمرحلة العجز في سداد الديون سواء محلياً أو ‏خارجياً‎.‎

قال الخبير الاقتصادي حسام عايش لـ"الأنباط" إن التحدي الاقتصادي كبير وارتفاع ‏الدين العام والاقتراض مستمرة دائماً، وفي سياق تصاعد المديونية العامة وتخطيها ‏مستويات حرجة عن 114-115% من الناتج المحلي الإجمالي أي إجمالي ‏المديونية العامة، والحديث عن وصول مديونية الضمان الإجتماعي للحكومة إلى ‏‏8.5 مليار دينار ما يشكل 60% من إجمالي موجوداته، مبينًا أن المديونية شكلت ‏‏95% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2019، ووصولها إلى 114% في ‏منتصف العام الحالي، …الخ، ليصل الدين العام إلى 39,695 مليار دينار، فأن ‏هذه الأرقام مفزعة جدًا‎.‎

وأشار إلى أنها أصبحت مسألة الحصول على الديون لسداد التزامات مستحق موعد ‏سدادها إلى الدين باعتباره يمثل جزءا من الصورة العامة الثقة بالاقتصاد ما يعني ‏أصبح الدين هو شكل من أشكال الثقة بالاقتصاد، مبينًا أنه يجب النظر لهذه الثقة من ‏زوايا أخرى؛ بسبب أبعاده السياسية وليس أبعاد إقتصادية، بالأبعاد الاقتصادية وفق ‏حالة الموازنة العامة التي تعاني من عجز يكاد يكون مزمنًا، فإن أي دولة تذهب ‏لأخذ قرض من الصندوق، وموازنته لا تحقق فائض فإنه يرفض تقديم أو إعطائه ‏أي قرض، بهذا المعنى إذا أقدم على تقديم قرض له وفق هذه الموازنة التي نتحدث ‏عنها فإنه يكون له حسابات أخرى، لذا على هذا الأساس يُفترض أن لا يُغرِينا أو ‏يخدعنا أننا قادرين على أن نذهب للأسواق الدولية والحصول على قروض ‏المساعدات الأمريكية التي هي عامل ثقة للمُقرِضين‎.‎

وتابع عايش، الأولويات التي تُقدِّمها الحكومة الأردنية في سداد الفوائد والقروض ‏حتى لو كان ذلك على حساب النمو والتنمية في الدولة هي محل اعتبار في تقديم ‏هذه القروض، إذن الكلفة مرتفعة جداً سياسياً واقتصادياً ومعايشياً واجتماعياً في ‏الحصول على هذه القروض، موضحًا أن الإشكالية إن النموذج الاقتصاد الحالي من ‏الواضح أنه برعاية صندوق النقد الدولي مدعوماً والبنك الدولي ومؤسسات مالية ‏وتجارية مصرفية دولية لا تمانع ببقائه موجودًا بشرط أن تكون الأولوية دائماً لسداد ‏الفوائد والأقساط المترتبة على الحكومة جراء هذه المديونية المرتفعة والتي 2023 ‏تتجاوز فوائدها الـ 1.6 مليار دينار في العام وهي أعلى من أي مخصصات للنفقات ‏الاستثمارية أو أي مخصصات لأي وزارة خدمية بما في ذلك أعلى الوزارات ‏تخصيصاً للنفقات لها التربية والتعليم والتي تفوقها نحو الأربعمائة مليون دينار، ‏ذلك يعني أن هذه الفوائد وحدها، أي يعني على المديونية لعام الواحد تساوي ‏استثمارات ما يقارب 3 سنوات من الاستثمارات الأجنبية، "أي ما نجنيه بيد ننفقه ‏بيدًا أخرى من خلال الآلية التمويل المعتمدة الموازنة والإنفاق على المتطلبات ‏المختلفة‎".‎

وتابع، أن كثيراً من هذه المنح والمساعدات، إن لم يكون معظمها أو جميعها ‏تقريباً، هي شكل من أشكال الديون إما بشروط ميسرة أو بفائدة منخفضة أو ‏لسنوات سداد طويلة وتعتبر شكل من أشكال المساعدات، وهي مساعدات ربما ‏يحصل عليها الأردن حتى بأكثر مما تحصل عليها الدول الأخرى، "بهذا المعنى ‏ينظر إليها كمساعدات لكن بالمعنى الحقيقي هي ديون مستحقة على الأردن"، ‏متسائلاً ن قدرة حكومات الدول الأخرى بسداد والانتاجية من ديونها تم تمويلها بها، ‏بينما في الأردن لا يتم السداد، ندير هذه العلاقة مع المديونية في حلقة مفرغة، ‏والنتيجة أنها في العام 2023 يفترض أن نستدين نحو 2.3 مليار دينار وحتى ‏نصف الأول كانت الاستدانة نحو من 1.3 مليار دينار‎.‎

وأشار عايش إلى أن أصبحت المديونية بهذه الآلية همًا اقتصاديًا كبيرًا ولا بد أن ‏نبحث الأسباب التي تؤدي إليها أن النفقات تزيد عن الإيرادات وهذا سبب جوهري، ‏لكن ما هي هذه النفقات؟ هذه هي الإشكالية هناك نفقات بالإمكان ضبطها أو تقليلها ‏أو تخفيضها أو وقفها، لكن أن في الأحيان الموازنة تلعب دوراً اجتماعياً، معتقدًا أن ‏هذا القطاع العام الكبير الذي لا ينتج إلا عجزاً في الموازنة؛ يحتاج إلى مراجعة ‏سواء على مستوى العدد أو الهيئات والوزارات أو المؤسسات وخاصة المؤسسات ‏المستقلة التي يُفترض أن نتخلص من 80% منها إذا أردنا أن نخرج من منطق ‏العجز‎. ‎

وأضاف هذه المؤسسات التي لم تعد تلعب دوراً إلا توظيف براتب خارج سياق ‏المعدل العام للرواتب في الأردن والتي يبدو أنها مخصصة لفئات من الناس، من ‏العلاقات، أي أصحاب المصالح وبالتالي لم نعد بالإمكان التعايش مع هذا الوضع ‏لأن نتائجه أن المواطنين يدفعون الثمن، من جانب آخر يتعلق بتحسين الإنتاجية، أو ‏زيادة الإنتاجية، ويجب على الوزارات أن تتحول إلى وحدات إنتاج وليس مجرد ‏وحدات إنفاق، مبينًا أن الوزارات والهيئات يفترض أن تبرر هذه النفقات أو ‏المخصصات التي تحصل عليها، يجب أن يكون العائد إما مستوى أرفع من ‏الخدمات وأداء أفضل من القيمة المضافة للأنظمة والسياسات الاقتصادية ‏والاجتماعية. وأن يكون هناك تجويداً في مخرجات عمل هذه المؤسسات والوزارة ‏وتبرر هذه النفقات التي لا يجوز أن تستهلك رواتبهم وأجورهم ما يصل إلى أكثر ‏من 90% من إجمالي مخصصات، أي لا يمكن أن يستمر بهذه الآلية حتى أن كانت ‏الظروف الحالية تسمح لنا بالاقتراض‎.‎

‎ ‎وبين عايش، أنه آن الأوان لتحديث الإداري يتصل بالأهداف التي نسعى لتحقيقها ‏وبأعداد الموظفين الذين ربما نحتاجها من أجل الوصول إلى ذلك وليس تحديثاً لدمج ‏هذه المؤسسة مع تلك وتغيير مسميات هذه المؤسسات..الخ، وإنما التحديث يهدف ‏إلى أن نكون هناك أداءاً أعلى جودة وأعلى إنتاجية من خلال مراجعة كاملة لجميع ‏الأسباب التي تعيق ذلك، ومن ضمنها هذا القطاع العام كبير والواسع الذي يُثقِل ‏كاهل الاقتصاد والمؤشرات الاقتصادية وخاصة المديونية بالكثير من الأعباء دون ‏أن يكون هناك عائدًا يُبرِّر هذا الحجم كبير له، أو إنتاجية يمكن الاعتدال بها؛ ‏لتحويل القطاع العام إلى إضافة للناتج المحلي الإجمالي عندها يمكن أن نقول إن ‏الديون ربما تبرر أو الإنتاجية تبرر هذه الديون للإنفاق عليها حتى وقت محدد، ‏وبغير ذلك تصبح ديون من أجل الديون وهذه مشكلة كبيرة‎.‎

‎ ‎وأوضح أن الاتفاق مع صندوق النقد الدولي هو أيضاً لإبقاء وتيرة بوابة الديون ‏مستمرة ويقدم البنك الدولي ضمانات للمقترضين بحسن الأداء الإقراضي لحكومة، ‏والأولوية هي لسداد الالتزامات المديونية، وبالتالي يعطي انطباع مباشرة أن وتيرة ‏المديونية مستمرة، وأن الحكومة بحاجة إلى هذا الصندوق؛ ليكون مظلةً لمزيد من ‏المراجعات للاتفاق بينه وبين الحكومة بما يؤدي إلى تزكية الحكومة دائمًا لأسواق ‏المال الدولية للحصول على مزيد من القروض، وأيضاً لكي تحصل على قرض من ‏صندوق النقد الدولي نفسه، مشيرًا إلى أنه ربما أصبح هذا بحد ذاته نجاحاً، علماً ‏بأن النتائج المترتبة على التعامل مع الصندوق يُفترض في هذا البرنامج الجديد أن ‏تكون مُتسقاً مع أهداف اجتماعية، اقتصادية عامة، وتحسين معدلات النمو، ‏ومعدلات دخل الفرد، وزيادة وتحسين مستويات المعيشة، تقليل الأعباء الضريبية ‏وغيرها على الكاهل المواطنين والقطاعات الاقتصادية، مبينًا أنه بغير ذلك الحقيقة ‏يصبح أي نشاط في هذا المجال هو استمرار لأكثر من 30 سنة من العلاقة مع ‏الصندوق، والنتائج كما هي مبينه ارتفاع مديونية، وبطالة تزيد عن 20% ونسبة ‏الفقر حسب البنك الدولي يصل إلى 35%، وعجز متواصل يكاد يكون بنفس النسب ‏تقريباً يعني في كل عام، ونسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي وميزان مدفوعات ‏يتراوح بمكانه، قد يتحسن أحياناً، فيما أن العجز في الميزان التجاري يظل مستمراً ‏حتى مع تحسن وزيادة الصادرات‎.‎

وتسأل عايش عن ما هي الأهداف التي يسعى إليها اتفاق مع صندوق النقد، إذا لم ‏يكن لتحسين جميع هذه المؤشرات، بينما أن هذه العلاقة المستمرة مع الصندوق "لم ‏تفلح" في هذا التحسين إذن هناك مشكلة فيما تعلق بالعلاقة مع الصندوق ونتائج هذه ‏العلاقة على العملية الاقتصادية والاجتماعية، مضيفًا أنه من الصعوبة أن يكون ‏هناك تبرير لهذه العلاقة كمدخل للحصول على مزيد من الديون أو المحافظة على ‏التصنيف الائتماني أوعلى احتياطي العملات الأجنبية أو على استقرار سعر صرف ‏في الدينار، "هذه بديهيات لا تحتاج إلى علاقة مع الصندوق ولكن من الواضح أننا ‏نستخدمها من أجل أن تكون وسيلة لتعويض هذا العجز في الإيرادات المحلية مقابل ‏النفقات التي تزداد باستمرار من خلال حصول على مزيد من الديون‎"‎

وتابع، أنه في الواقع إن هذه الديون لا يمكن المجتمع الدولي أن يتسامح ببقائها ‏بنفس المستويات الحالية إذا لم يدرك أن هناك أيضاً قدرة على الاعتماد على الذات، ‏أي يعني لماذا تقرضنا الدول الأخرى؟ اذا كنا غير قادرين على إحداث نقلة نوعية ‏في العملية الاقتصادية وتحسين إرادتنا المحلية واستقطاب الاستثمارات وزيادة ‏تحسين مستويات الإنتاجية وتقليل الهدر والفساد وغيرها من المؤشرات التي ‏يُفترض أن تكون لنا مصلح المباشرة في أن يتم التركيز عليها سواء كان هناك ‏برامج مع الصندوق أو لا‎.‎