النخبة تناقش الجاهات وطلبة العرائس بين الاصل والابتداع

الأنباط – مريم القاسم
ناقش ملتقى (النخبة -elite ) مظاهر الجاهات وطلبة العرائس والتي تعتبر في نظر البعض ساهمت بتغيير العرف المجتمعي، وأصبحت تتصف بالمغالاة بسبب التكاليف الزائدة عن الحد ، فيما يرى البعض الآخر أنها من العادات الحميدة ، حيث أن الأصل في الجاهة هو تحقيق أمور مثل تكريم العروس، وبيان قيمة المرأة ، وتكريم أهلها وتقديرهم واحترامهم، ناهيك عن الضغط على والد العروس أو ولي أمرها ليستجيب في تزويج الفتاة لمن يرغب بها.
ويرى ابرهيم أبو حويله أن في الجاهات أعباءًا على الناس ، حيث يشترط في بعض الأحيان أن يكون فيها شخصًا معينًا لطلب العروس، شريطة أن تتضمن عددًا معينًا ، وهذه تكاليف إضافية ، مبينًا أن الهدف من الجاهة هو الإشهار الذي من الممكن أن يتحقق اليوم بترويج خبر على مواقع التواصل بدنانير محددة، أما إذا كان الهدف هو التفاخر الاجتماعي، فإنه من غير المقبول أن تكون في هذه الفئة وما تحتضنها من أصحاب علم وقدر واحترام، من يبحث عن تغطية نقص يسعى لتغطيته من خلال هذه السلوكيات الإجتماعية.
وبيّن الدكتور بسام روبين أن الجاهة تعد شكلا من أشكال إشهار النكاح، وفيها أيضا نوعًا من التكريم لذوي العروس ، ولكن الأمور ومنذ فتره بدأت تنحرف عن مسارها الصحيح، بعدما تعرضت لأمراض اجتماعية أدخلت الجاهة في حقول الطبقية الاجتماعية ، فأصبحت تشكل عبئًا وحرجًا على بعض الناس.
وقال الدكتور عديل الشرمان إن الجاهة عادة من شأنها تقوية الروابط الاجتماعية بين الناس، وهي نوع من التكريم للمرأة ولأهل العروس وتقديرًا لهم ولمنزلتهم ، وهي تعمق الإحساس بالمسؤولية لدى العريس وتضعه أمام التزام المحافظة على الرابطة الزوجية ، لكن المبالغة في هذه العادة أفرغها من بعض مضامينها، حيث أصبحت نوعًا من التفاخر والتباهي، واختلطت بالبذخ والإنفاق الزائد حد الإسراف والتبذير الذي في غير محله.
وأشار الدكتور مصطفى التل إلى أن الجاهة تُعد نوعًا من أنواع التعاون على البر والتقوى وذلك من خلال المساعدة على تأسيس أسرة حسب الشرع والسنة ، وذلك عن طريق التكريم للمرأة والرجل على حد سواء، فهما عماد الأسرة التي ستحقق الاستخلاف في الأرض وعمارتها ، والإسلام وإن كان قد أقرها ، فإنه في الوقت ذاته نهى عن الإسراف فيها وفي مظاهرها ، فهي تصنف في عموم النهي عن الإسراف والخيلاء .
وذكر عصام الشواقفة أن الجاهة في الماضي كانت معقولة من حيث العدد والغرض، حيث كان الناس يأتون ويطلبون العروس بعد ذكر محاسن الشاب وأهله ويقرأون الفاتحة ، موضحًا أنه غالبًا ما كان حضور الجاهة سابقًا لتسوية أمر عالق مثل رفض أهل العروس لهذا الرجل، فتتدخل حينها الجاهة عبر وجوه كبارها لإقناع الأب ، أو حتى للضغط عليه لتيسير الزواج ، أما في وقتنا الحاضر فقد أخذت معنى آخر وأصبحت تحصيل حاصل.
بدوره، لفت موسى مشاعره أنه يجب أن تكون هناك ضوابط للجاهات ،وخاصة لذوي الدخول المتوسطة والمتدنية من حلال تحديد عدد الجاهة ،وأن يكون في منزل والد العروس، وأن يعود للجاهة مكانتها الاجتماعية من خلال مطالبة أهل العروس بتخفيض المهر اقتداء بحديث رسولنا الكريم:" أقلكن مهورًا أكثركن بركة" ، لأن ذلك يزيد المودة والتراحم بين الأنسباء ، علمًا أن هناك الكثير من الرجال الذين يقدرون ظروف الناس، فيترفقوا بهم وخاصة فيما يخص عدد الجاهة والمهور والتكاليف.
من جهته، يرى المهندس عبد الله عبيدات أنه لغاية الحد من الآثار السلبية للجاهة فإنه لا بد أن نكون عمليين ، موضحًا أنه لا بد للمجتمع من وقفة جادة تنظم هذا الأمر بحيث لا يندثر من المجتمع وتبقى رمزيته قائمة ، وهذا يتطلب تفهمًا مجتمعيًا لتصغير حجم الجاهة، وتخفيف ما يرافقها من تكاليف مادية ، مؤيدًا ضرورة نشر هذا التغيير إعلاميا ، وسوف يبدأ حينها التغيير ، مضيفًا أن هناك فئة مهمة لديها الحل أيضا وهي النساء اللاتي يلعبن دورا مهما في المباهاة .
وقال محمد زكي السعودي إن الجاهة من العادات الحميدة التي يجب الحفاظ عليها ، لكنها تطورت وأخذت منحى آخر، فيه من المفاخرة الاجتماعية أكثر مما يجب ، حيث تم تكبيد العريس وأهله اكثر مما يجب ، حيث أن الكثير من الجاهات والطلب يكون بعد كتب الكتاب ، وهذا بحد ذاته نفاق اجتماعي يجب التخلص منه ، لأننا أمام ظاهرة خطيرة من الكذب، وهذا مذموم ، مؤكدًا أنه قد آن الأوان لوضع معايير وضوابط نحافظ بها على عادات طيبة وننزع كل ما دخل عليها من مظاهر اجتماعية كاذبة.
وبيّن أيمن الحنيطي أنه لا خلاف في أهمية الجاهة لإظهار المصاهرة بين الناس، وهذا من ديننا الحنيف، وتكريمًا للمراة وأهلها ، وتبجيلًا للشرف والعفة، ولكن ما نشهده في مجتمعنا في الآونة الأخيرة من جاهات يتقدمها أصحاب المقامات من رؤساء وزارات سابقين ونواب واعيان ووجهاء وغيرهم ، إنما هي حالة سلبية ومرض اجتماعي، لا سيّما تزامنًا وما نعانيه اليوم من ظروف اقتصادية صعبة ، حيث يختار البعض التباهي في تكاليف مادية زائدة عن الحاجة .
وأشارت الدكتورة فاطمة عطيات أنه فيما يخص الناحية الاجتماعية فإنه لم يعد هناك وظيفة اجتماعية للجاهات في منظومة الزواج الحديث ، حيث فقدت هذه الوظيفة أصالتها وروحها ومنظومة قيمها وحضورها وألقها الاجتماعي ، ولم تبق منها سوى المظاهر الفارغة من مضامينها الأخلاقية ، وأصبحت مجرد استعراضات لمظاهر القوة الفردية والعشائرية الزائفة وغير الحقيقية .
بدوره، بيّن المهندس أحمد العدوان أن هناك أناس مقتدرون على تلبية متطلبات الجاهة وتكاليفها، بسبب إمكانياتهم المالية ونفوذهم في المجتمع ، لكن غالبية الشعب الأردني لديه إمكانياته محدودة ، موضحًا أن هذه الجاهات تشكل ثقلًا معنويًا وماليًا على العريس ، لذلك فإن الأصل أن تكون الجاهة قليلة العدد ، وسط ضرورة أن نرجع بها إلى عاداتنا الأردنية القديمة الجميلة ، وعلى من يتكلم بها أن يتحدث بمفهوم شرعية الزواج التي أحلها الله لنا دون التطرق إلى امور أخرى كالسياسة، وبعيدًا عن الإطالة في الخطبة .
من جهته، ذكر الدكتور هايل الدعجة أن الجاهات أصبحت من المناسبات الاجتماعية التي يلتقي بها الناس ويجتمعون ويتحدثون، بغض النظر عن مستوياتهم الفكرية والثقافية والتعليمية والاجتماعية ، وذلك بعد أن بتنا نفتقر غلى هذه النقطة الايجابية ؛ بسبب الأعمال والاشغال وثورة الاتصالات بأدواتها الإعلامية التي غزت مجتمعنا ، محدثة خرقًا في منظومة الاتصال والتواصل الاجتماعي المعهود.
وقال الدكتور عبد الكريم الشطناوي إن الجاهة من قيمنا التي نعتز بها والتي توارثناها عن الأجداد ، وهي دليل على قيمة الزواج الذي شرعه الله، ومن سنن الأنبياء والمرسلين ، ولو نظرنا بشكل نقدي إلى ما كان وما هو كائن ، لقلنا إن الماضي كان يمتاز بعفوية وصدق وشفافية ، وبأقل الكلمات وابلغها تكتمل الجاهة ، أما اليوم؛ فقد صار أشبه بسوق عكاظ للتباهي والمدح الزائد ، وبكلف باهظة ، حيث كانت الجاهات تستقبل في بيت المعزب والقهوة من قهوته ، أما اليوم فالصالة مستأجرة والقهوة قهوتها .
ولفت الدكتور عيد ابو دلبوح أن أصل الجاهة كان من أجل تلبية رغبة شاب خلوق للزواج من آنسة لا تعرفه ، وتكون بمثابة حلقة وصل ما بين الطرفين ، وأهمها إقناع الفتاة بهذا الشاب وأنهم يحملون مسؤولية ما جاؤوا من أجله مما يسهم ذلك في إنزال الطمأنينة لدى الفتاة ، ولكن جاهات اليوم الكبيرة فهي مثل ختم البنك على صحة التوقيع، ولا يتحمل أي مسؤولية عند محتوى نص الكتاب ، حيث أن هنالك شيء عجيب وبعيد عن شيمنا الأردنية وهو أن الجاهة ذاهبة إلى أهل العروس، فبأي حق تحمل جاهة العريس متطلبات الضيافة، فهنا يتبيّن لنا تفكير من لا يفهم ولا يعي معنى الجاهة، وتكريمها سواء كانت مستقبلة أو طالبة.
وبيّن محمود ملكاوي أن من التطورات التي حدثت على تفاصيل الجاهة ، هو مكانها الذي لم يعد شرطًا وجوده في بيت أهل العروس ، فقد يكون في قاعة احتفالات كبيرة ، وذلك بسبب أن بعض الجاهات ،ومن باب الاستعراض والتفاخر والإشعار بأهمية العروس المطلوبة وقيمة أهلها ، فإنّ عدد المشاركين فيها يفوق بضع مئات ، حيث يتقدمهم رؤساء وزراء سابقون، ووزراء واعيان ونواب وأكاديميون وشيوخ عشائر ، وما إلى ذلك ، فالأصل في الجاهة أنّها تهدف لتكريم العروس ، وبيان قيمة المرأة ، وإكراماً لأهلها وتقديراً لهم.
وذكر الدكتور زيد الدباس أن الجاهات خرجت عن المألوف، وأصبحت للتظاهر والتباهي ، مستغربًا استجابة علية القوم لترؤس الجاهات ، حيث تحتوي على كلام مكرّر تفوح منه رائحة النفاق والتملّق ، حيث تتضمن انطلاق سيارات فارهة تجوب الدنيا لطلب شيء متفق عليه مسبقًا، آملًا من رؤساء الحكومات الترفع عن قيادة الجاهات، والتفكير في مشاكل الوطن ومستقبل الأجيال.