دوار باريس.. المسمى غربي والهوى أردني


الأنباط- خاص

شهد دوار باريس ليلة أمس الأول حفلة هجينة لأربعة شباب جنوبيين على ما أعتقد، حيث بدأت الحفلة دون ترتيب، فكانوا يتشاورون فيما بينهم من بلهجة بدت عليها نكهة البداوة، وذلك لإقامة حفل هجيني بسيط داخل الدوار، وهذا ما جرى فعلا.

قاموا من مقاعدهم، وتشبّثوا ببعضهم البعض جيّدًا، وقسّموا بعضهم إلى فريقين، كل فريق مكوّن من شخصين، وبدأ الفريق الأول بمقطع من الهجينة الأردنية المعروفة "ملعون أبو إلي ضرب ساميّة وبكّاها يستأهل الذبح فوق الذبح قطع إيده"، فرد عليهم الفريق الثاني بذات المقطع، وذلك لغايات الحفاظ على الإيقاع الموسيقي.

الكل هناك كان يعيش في صمت دامس، والمشاركة معهم كانت خجولة جدًا، لأن معظم الجالسين هناك لا يعرفون ساميّة، ولا العنف بمختلف أنواعه، ولا حتى اللعنة بكامل مفرداتها.

لم يُثنِ هذا الخجل من المشاركة الشبّان الأربعة، فأكملوا هجينهم بعزيمة وقوّة، ليبدأ التدخل الجماهيري بالظهور تدريجيًا، وكانت من خلال امرأة خمسينية تمسك في يدها كلبًا ناعمًا ودودًا، وأكاد أجزم بشرف قلمي هذا أنه لا يعرف ساميّة، ولا حتى الذي ضربها، فبدأت المرأة بالهمس مع الشباب بما يقولون، فكانت "تطعج" بمشاركتها حرف الباء، وتكسر أنف الخاء، و"تمردخ" النون، وتطأ على رأس الظاد" لكنّها سعيدة، ونحن سعداء، وحتى الكلب الذي بدأ يقفز عاليًا بطريقة لولبية، وبدأ على نباحه الفرح والسعادة.

هذه المرأة شجّعت من حولها من الحضور للمشاركة في الهجينة، حيث بدأ المتواجدون يشاركون، كلٌّ بلغته، فتسمع اللهجة السورية، والسودانية واليمينة، والمصرية، والعراقية، كلهم يغنون الهجينة، رجالٌ ونساءٌ وأطفال.

ما يقرب على النصف ساعة، والجميع يهتف لـ"ساميّة"، وأنا أناظر من بعيد هذا الهتاف الذي جمع العديد من الأشقاء العرب داخل دوار لا تتجاوز مساحته 50 مترًا، هاربون من بلادهم بسبب الحرب والفقر، ومستعدّون، وهم يضحكون لمعاقبة من ضرب "ساميّة".

نجح دوار باريس، رغم صغر حجمه، باحتضان عروبة حقيقية، دون التعاقد مع مؤثرين بآلاف الدنانير، ورسم التأثير على وجوه المارّة والمركبات دون أن يتّفق معهم، وخلق نصف ساعة من الإيجابية والترويج لمنطقة اللويبدة عبر هواتف مواطنين بسطاء، دون رقص أو "عهر فكري"، ليبقى في صدارة الدواوير الأردنية الناجحة التي لم تشهد ازدحام مؤثرين حتى هذه اللحظة