ملتقى النخبة: الجار الجديد صفحة بيضاء ولا يجوز نبش ماضيه


الانباط – مريم القاسم

ناقش ملتقى (النخبة-elite) واقع آداب الجوار والمأمول منه، لما له من أهمية دينية واجتماعية ، حيث سلّط الضوء على حسن الجوار، فالجار القريب هو من وصّى الله تعالى به في قوله:(وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ)، في الوقت الذي أصبح هنالك تقارب في البيوت، وخاصة الإسكانات ، وما فيها من تجاور أناس لا يعرفون بعضهم البعض ، أو قد يستغلون بيوتهم لشقق مفروشة بين العائلات، وما يتبع ذلك من مشاكل أخلاقية.
وبيّن الدكتور عديل الشرمان أن هناك أسباب كثيرة أسهمت في ضعف علاقة الجيران بعضهم ببعض، منها عدم وجود الثقة، إضافة إلى أن هناك بعض الجيران غير مؤتمنين على أسرار جيرانهم، وانتشار الحسد والغيرة بين بعض الجيران، مؤكدًا أن علاقة الجيران فيما بينهم هي جزء من منظومة مجتمعية متكاملة.
وأشار حاتم مسامرة إلى أن الحل الأمثل لتنظيم العلاقة بين السكان في العمارة الواحدة هو مرجعية القانون في المقام الأول ، موضحًا أنه لتجنب المشاكل التي قد تحدث فإنه يجب تضمين القانون من خلال إلزام جمعية أصحاب العقار(السكان) على التعاقد مع شركة مرخصة لإدارة العقار، حيث تكون مهمتها بالتعاون مع ممثلي جمعية أصحاب العقار اتخاذ القرارات وإجراء الصيانة اللازمة، وتحصيل مبلغ الاشتراك الشهري من مالكي الشقق ، وإعداد خطة سنوية لإجراء الصيانة الضرورية ، وإجراء تفقد وتفتيش سنوي للشقق في العقار، وذلك لضمان عدم تعديل على العقار الذي قد يؤثر على بقية المالكين.
بدوره، قال مهنا نافع إن المنزل الجديد يعتبر صفحة بيضاء وفرصة لبداية جديدة ، فلا يجوز التحري عن ماضي الجار الجديد ولا داعي لحب الفضول الذي يستحوذ على البعض من الناس بأن يدفعهم إلى معرفة أدق التفاصيل حوله، مضيفًا انه طالما أظهر لنا الجار الجديد الجانب الجيد، فلا داعي للخوض بالتحليل بأعماق شخصيته لمعرفة أي جانب آخر حرص على إخفائه.
من جهته، ذكر ياسر الشمالي أن علاقة الجوار مبنية على الذوق والشهامة ومراعاة ذمة الجار وحقه والحفاظ على عرضه، وهي أخلاق كانت في العرب قبل الإسلام ، وقد كان من عرف وعادة اللصوص أن لا يسرقوا من جيرانهم، واليوم انعكست الآية فأصبحوا يتغنون بابنة الجيران وقد ساعد على ذلك عدم التحفظ وعدم التستر .
ولفت الدكتور خالد الجايح أنه عندما انتقل الناس من القرى والأحياء التي كان الجميع يعرفون بعضهم فيها، وانتقلوا إلى استقلالية كل فرد من العائلة إلى أحياء لا يعرفون أهلها، كما أنهم غير معروفين فيها، حينها بدأت المشاكل الاجتماعية تظهر بشكل تلقائي، موضحًا أن الساكن الجديد يخجل من السؤال عن تفاصيل جاره في الشقة ، فيعرفه ب"أبو فلان" فقط ، وما دامت المعرفة سطحية فلا يجد له حق بأن يتدخل لو وجد ابن جاره يخطئ أو أي أحد في بيت جاره.
وبيّن هاني الصليبي الفاعوري أن ارتفاع أسعار الأراضي وزيادة تكلفة البناء ساهم بشكل كبير في انتشار البناء العامودي المتمثل في بنايات الشقق ومشاريع الإسكان ذات الطوابق المتعددة وصولا إلى الأبراج السكنية ، مشيرا إلى أن تعدد أصول ومنابت سكان هذه البنايات وما يتبع ذلك من تعدد العادات والتقاليد ولقائهم دون سابق معرفة في كيان سكني واحد أثر، في قلة اندماجهم مع بعض.
وجزم الدكتور علي القضاة أنه لا يمكن أن تجد 15 عائلة متجانسة، حتى لو كانوا أشقاء، مضيفا انه إذا كان الجار لا يعرف الأخلاق أو المبادئ؛ فستكون الحياة أشبه بالجحيم، مضيفًا أن حارس البناية اصبح حلقة الوصل بين سكان البنايات.
وقال المهندس احمد العدوان إن الشقق السكنية فرضت علينا واقع لم نكن نتقبله ولكنه مفروض علينا الآن ، وقوانين باتت تُعطي صاحب الشقق المفروشة حق تأجيرها حتى أصبحت بعض الشقق تُستعمل لغايات غير شريفة، دون حول ولا قوة من سكان العمارة لفعل اي شيء حيال ذلك.
بدوره، بيّن الدكتور عبد الكريم الشطناوي أن الإنسان لا يستطيع العيش لوحده ، فلا بد من أسرة تحتويه ويحتويها، وذلك من أجل الشعور بالأنس والمودة ، وكذلك ليكونوا سندا لبعضهم، ولا بُدّ من تواجد جيران يقضون على الوحشة من جهة، ويتكاتفون فيما بينهم ليوفروا أجواء اجتماعيا تسودها المحبة والمودة والتعاون، موضحًا أن حراسة العمارات أصبحت مهنة لمن لا مهنة له ،وهي مهنة رابحة ذات نفوذ واسع وتلعب دورًا هامًا إما أن يكون إيجابا أو سلبا.
من جهته، أكد المهندس غازي المعايطة أن الأعراف ولا التقاليد قادرة على التحكم بنوع الجيرة ، فيما لا يحكم القانون إدارة الإسكانات إلا في حال كان الجيران متفقين ومتفاهمين، مضيفًا أن أكثر شيء قد يؤذي الجار هو التصرفات الغريبة مثل اللباس غير المحتشم من قبل الرجال، وجلوسهم على الشرفات، ونزول الأطفال أمام السكن ، واللعب لساعات طويلة قد تصل إلى منتصف الليل.
وذكر المهندس عبدالله عبيدات أن من الأمور المؤثرة في العلاقات هي عدم كفاية الخدمات للجميع، فمثلا هنالك أحياء لا تصلها المياه إلا ساعات محدودة ؛ مما يؤدي إلى مشاكل بين الجيران بسبب استخدام المضخات على العدادات مباشرة ، مضيفًا أن هناك مشاكل كثيرة متعلقة بعدم كفاية مواقف السيارات في الشارع لكل قاطني العمارة.
وقال موسى مشاعره أن هنالك بعض الحقوق التي ينبغي أن يتمتع بها الجار في ضوء التعاليم الإسلامية وهي، الاحترام المتبادل، والتعاون ، وحماية الخصوصية ، والتفضل بالهدايا والطعام ، وتقديم النصيحة ، والصبر على الأذى ، والدعاء له ، وزيارة المريض ، وتقديم التعازي ، وحسن المعاملة .
ولفت ابراهيم ابو حويله أن لا أحد يطلع على خفايا بيتك ومتى تدخل ومتى تخرج ومن يبقى في البيت ومن يغيب وطبيعة علاقة أهل البيت ببعضهم مثل الجار، فهو مُطّلع على الخلافات والحيثيات وحتى على التفاصيل الدقيقة التي تحدث، وإذا كانت هناك علاقة بين النساء أو الأطفال أو الرجال فإن حجم المعلومات المتوفرة لديه ستكون كبيرة .
وأكد محمود ملكاوي أنه يجب مراعاة أمور عدة في علاقتنا مع الجيران منها احترام فترات الراحة، وعدم إثارة الفوضى والضجيج والإزعاج خلالها، واحترام مناسبات الجار والوقوف إلى جانبه خلالها ، وعدم إثارة الفوضى ، والسؤال عن الجار بشكل دائم، ومساعدته في حاجاته إن أمكن، واحترام حرمة منزله، وعدم خرق خصوصياته أو التدخل في شؤونه ، والتعاون والتعامل بإيجابية مع جميع الجيران لتحقيق الأهداف المشتركة التي فيها صالح الجميع .
وأضاف محمد الغزو أن حقوق الجار كثيرة وأكدت عليها تعاليم الدين الإسلامي، فقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يأمن جاره بوائقه)، مؤكدا الغزو على ضرورة الحفاظ على خصوصية الجار وعدم التدخل فيها ،وعدم الاعتداء على حدوده بالأرض، ومشاركته لجاره في أفراحه وأتراحه بصدق.
وبينت الدكتورة فاطمة عطيات أن هناك متغيرات عدة وضعت الأردنيين أمام خيارات جديدة لا بد لهم من التعامل معها مثل موجات الغلاء وارتفاع الأسعار بحكم الهجرات المتتالية التي تجرعها الأردن والاردنيون، وبذلك افتتاح سوق العقار والإسكان أبوابه بأسعار خيالية مرتفعة، خصوصا بعد هجرات العراقيين، واستثمار أموالهم خلال الاحتلال الاستعماري الأمريكي للعراق في عام 2003 ، مقارنة بحالات الاقتصاد المتدني للأردنيين ، مما دفع بالأردنيين عنوة إلى اللجوء للبنوك والقطاع المالي الربوي لاقتراض وتأمين سكن للعائلة ، بعدما كان الناس يبنون بيوتهم بجهود فردية دون مساعدة البنوك وجهات الاقتراض