المسؤولية الاجتماعية ٠٠ أين دور اغنياء الأردن

الخزاعي: تبني رؤوس الأموال لإنشاء صندوق لدعم المحتاجين رد للجميل

مخامرة: مساهمة الاغنياء لا تذكر ودعمهم للطلبة والايتام محدود

الإفتاء: الإسلام أولى أهمية للمسؤولية الاجتماعية التي تعزز قيم التعاضد بالمجتمع

الأنباط – ميناس بني ياسين

يتم الحديث بين حين وآخر عن معدلات الفقر والبطالة بين الشباب وسط زيادة في معدلات الجريمة، وأن الأوضاع الاقتصادية هي السبب وراء ذلك كلّه، فيما تنتظر الحكومات المتعاقبة والشعب الأمل من الخروج من خندق هذه كابوس هذا الملف المجتمعي.

وفي الوقت الذي تتدارس فيه الجهات ذات العلاقة سبل إيجاد حلول ناجعة لهذه التحدي، فإن خبراء ومهتمون بالشأن المجتمعي والديني والاقتصادي يلحظون قلّة حضور أصحاب رؤوس الأموال من خلال المسؤولية الاجتماعية المترتبة عليهم اتجاه أبناء المجتمع المحلي من فقراء وطلبة علم وغيرهم من الفئات المجتمعية الأكثر حاجة لأي دعم.

إن الحديث عن هذا الملف يضع جملة من التساؤلات حول دور أغنياء الأردن، ومساهمتهم في هذه الظروف الصعبة، في الوقت الذي يتطلع فيه البعض إلى مبادرة من أصحاب رؤوس الأموال لإنشاء صندوق على مستوى وطني يدعمون فيه أبناء الأردن ، ويسهم في تقديم مختلف المساعدات المالية واللوجستية من باب المسؤولية الاجتماعية والاخلاقية والدينية، وما سيترتب عليه من آثار نفسية واجتماعية بسكل إيجابي على فئات المجتمع من طلبة ومتعثرين وعاطلين عن العمل وفقراء.

مبادرة أصحاب رؤوس الأموال ستكون بمثابة رد الجميل

بدوره، أكد الخبير الاجتماعي حسين الخزاعي أن وجود مثل هكذا مبادرات يتبناها أصحاب رؤوس الأموال في الدولة سيغير الكثير، فهي بمثابة رد الجميل لأبناء المجتمع الأردني، حيث إنهم سببٌ رئيسي في ثرائهم من خلال استهلاك المواطن لاستثماراتهم وصناعاتهم، إضافة إلى تعزيز روح التواصل والمحبة والتكاتف ما بين أبناء المجتمع، لأن هذه المبادرة ستحمل الكثير من العبء عن كاهل المحتاجين وبالتالي ستتغير نظرة الفقراء لأصحاب رؤوس الأموال وتكون نظرة إيجابية.

وأضاف الخزاعي أن مساهمة الأثرياء في دعم الفقراء والعاطلين عن العمل ستحدّ بشكل كبير من البطالة، وسيدعم الاقتصاد الأردني ويرفع معدل النمو الاقتصادي، إضافة لمساهمتها في تأمين أساسيات وضروريات الفقراء من المجتمع الأردني.

المبادرات الاغنياء على مستوى شخصي وبحاجة لتوعيتهم بأهمية مشاركتهم في النمو الاقتصادي

وفي الجانب الاقتصادي، أكد الخبير وجدي مخامرة أن مساهمة الأغنياء في المسؤولية الاجتماعية تكاد لا تُذكر، وهنالك تقصير واضح منهم، مُستذكرًا في حديثه صندوق الدعم الذي تم إنشاؤه في جائحة كورونا، ومؤكداً أن كل الدعم كان من الشركات والمساهمة العامة، ولم يكن هناك أي دعم شخصي من أصحاب رؤوس الأموال في الأردن.

وأوضح أن الدولة الأردنية لها الفضل الكبير عليهم، حيث إنها قدّمت لهم كل التسهيلات والامتيازات، ومع ذلك فإن معظم المحلّلين يشعرون بأن مسؤوليتهم دون المستوى المطلوب، مشيرا أن هناك العديد من الأغنياء يقومون بعمل صندوق لدعم طلبة الجامعات أو للأيتام ولكن هذا بشكل محدود وعلى المستوى الشخصي، بينما يحتاج المجتمع الأردني اليوم إلى صندوق على المستوى الوطني بأكمله لدعم ذوي الدخل المحدود وطلبة المنح والقروض والأطفال الأيتام والفقراء بدعم كامل من أصحاب رؤوس الأموال.

وقال مخامرة إن التقصير ربما بسبب عدم الضغط عليهم وعدم التوجيه الحكومي للتكاتف، لا سيّما وأن الأردن يعاني من أزمات اقتصادية حالت من إنصاف هذه الفئات ودعمها.

وأكد أن الأثر الاقتصادي العائد سيكون كبيرا إذا ما تمت هذه المبادرة وكان الصندوق على مستوى الوطن، حيث سيسهم في توفير السيولة وسيزيد الدعم من معدل الاستهلاك في القطاعات المختلفة، وبالتالي ارتفاع النمو الاقتصادي، مضيفا أنّ الصندوق سيُقدّم قروضًا ومنحًا لإقامة المشاريع مما سيسهم في توظيف الأيدي العاملة، وبالتالي الحد من معدلات الفقر والبطالة، وزيادة الاستهلاك على القطاعات.

وما يثبت ضرورة مثل هذه المبادرات والصناديق ما جاء وفق دائرة الإحصاءات العامة، والذي أكد ارتفاع معدل البطالة بين الأردنيين خلال الـ5 سنوات الماضية؛ أي من (2018- 2022) بنحو 4.2%، حيث ارتفع معدل البطالة منذ نهاية عام 2018 إلى 18.7%، إلى نحو 22.9% نهاية العام 2022، ناهيك عن معدلات الفقر التي قدّرها وزير التخطيط والتعاون الدولي السابق، ناصر الشريدة، في آب 2021، بنسبة 24% "مرحليا"، في ارتفاع بلغ حوالي 6% بسبب تداعيات فيروس كورونا.

وأشار آخر مسح رسمي خاص بدخل ونفقات الأسرة والذي نفذته دائرة الإحصاءات العامة (2017-2018)، إلى أن نسبة الفقر المطلق بين الأردنيين وصلت إلى 15.7%، وتمثل 1.069 مليون أردني، فيما بلغت نسبة فقر الجوع (المدقع) في الأردن 0.12%، أي ما يعادل 7993 فردا أردنيا.

ووفقاً لمستشار السياسات في منظمة "أوكسفام" بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن عدد الأثرياء الأردن يبلغ 930 شخصاً، وتصل ثرواتهم إلى 20 مليار دولار وبعضهم في قائمة أبرز 100 رجل أعمال في الشرق الأوسط، مما يعني أن على عاتقهم مسؤولية اجتماعية، واقتصادية ودينية وأخلاقية.

الإسلام نظَمَ دور الاغنياء في المجتمع وبيّن مسؤوليتهم الاجتماعية

وفي السياق ذاته، أوضح مدير العلاقات العامة لدائرة الإفتاء، مناف مريان، أن دور الأغنياء في المسؤولية الاجتماعية تجاه المجتمع مهم للغاية، وقد أولى الإسلام أهمية بالغة لهذه المسؤولية، حيث لم يقتصر هذا الدين على علاقة العبد بربه، بل كان أيضًا مشكاة تكافل مجتمعي، ورسالة رحمة الإنسان بالإنسان.

وأن أول هذه المحاور التكافلية هو الزكاة، فهي ركنٌ من أركان الإسلام، وفرضٌ من فروضه، وعبادة من أجَلِّ العبادات، والقصد منها تطهير مال المُزكّي، وتقوية أواصر الأخوة والمحبة بينه وبين الآخرين، وتخليصه من شحّ نفسه، وتكافله مع الفقراء من أبناء مجتمعه، كما أنها تسدّ حاجة المستحقّين لها، مما يؤمّن لهم العيش العفيف، حيث قال تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا).

أما ثاني هذه المحاور هو الوقف، وهو حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه، بقطع التصرف في رقبته على مصرف مباح موجود، كبناء المدارس والمستشفيات وحفر الآبار وغيرها، وهي الواردة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ: إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ) رواه مسلم.

أما المحور الثالث فهو الصدقات التطوعية كعلاج الفقراء وتعليمهم، فإعانة الفقراء والمساكين وإغاثة المحتاجين بكل ما يقضي حوائجهم ويفرج عنهم كرباتهم من أحب الأعمال إلى الله وأسمى مقاصد الإسلام، يقول الله سبحانه: (فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الروم: 38.

ويقول عليه الصلاة والسلام: (مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ) رواه مسلم.

وأكد الإسلام فضل المبادرة بالأعمال الخيرية وجعله من باب الثواب لكل من يبتكر الأفكار الرائدة في باب الخير؛ حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ) رواه مسلم.

وأخيراً تنمية الاقتصاد والمساهمة في تخفيف البطالة، وذلك من خلال تشغيل الأموال في مشاريع استثمارية، وعدم تجميدها كالمساهمة في فتح مشروع صناعة أو عمل وتشغيل الأيدي العاملة.

إن تطبيق هذه الأحكام والمظاهر في المجتمع، وقيام كل فرد بداء ما عليه من واجبات اجتماعية ،سيسهم في نشر الألفة بين فئات المجتمع، أفرادًا وجماعات، مما سيساعده على أن يكون متماسكاً قوياً كالبنيان.

ويظهر جلياً فيما سبق حاجة المجتمع بأطيافه المختلفة إلى الدعم والمساعدة في ظل ظروف اقتصادية قاهرة تؤكد على ضرورة تحرك أصحاب رؤوس الأموال نحو مسؤوليتهم الاجتماعية وليس من باب رد الجميل للدولة فقط وإنما كتعاضد أبناء شعب