قصص جرشية : "علي الخواجة" يروض ألياف الزمن في صناعة البشت

الأنباط-عمرالكعابنة 
تصوير:رامز التميمي 

علي الخواجة، الرجل الذي أشبع قلوب الجماهير بإبداعه الفني، كان يمثل دولة قطر بفخر في مهرجان جرش الرائع للثقافة والفنون، عندما تذكرنا بالحرفية القطرية في صناعة البشوت، لا يمكن إلا أن نفكر في فن حرفي خالص، وهو فن حياكة وتصنيع البشوت والعباءات، التي تشكل رمزاً معروفاً في العالم العربي والإسلامي.

عاشت هذه الحرفة لسنين عديدة، تمتد جذورها حتى أيام الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث كانت تشكل جزءًا من الزي التقليدي الذي يرتديه الناس في مختلف المناسبات والأوقات.

استطاع "علي الخواجة" الحفاظ على هذه الحرفة القديمة ونقلها من جيل إلى جيل. كان يتقن حرفة حياكة البشوت والعباءات ببراعة، وكان يستخدم مجموعة متنوعة من الأقمشة، بدءًا من القطن الخفيف للاستخدام اليومي إلى الصوف الثقيل لمواجهة برودة الشتاء.

وكان لديه شغف خاص بالبشت النجفي، الذي يصنع من خيوط من شعر الجمل، حيث يُظهر هذا النوع من البشت الفخامة والتميز.، تعلم "علي الخواجة" كيفية حياكة هذا البشت بأنامله الماهرة، ولطالما حملها من جيل إلى جيل،  كان يتعلم من أسلافه وينقل هذه المهارات القيمة إلى أبنائه، حيث أصبحت الحرفة تمثل رمزًا للوحدة العائلية والتواصل بين الأجيال.

مع تطور العالم وازدهار التكنولوجيا، بدأت صناعة البشوت تشهد تحولات جذرية. ظهرت آلات صناعية تجمع بين التقنية والحرفية، مما أدى إلى تسريع وتسهيل عملية الإنتاج. وبالرغم من هذه التحولات، استمر "علي الخواجة" في الاعتزاز بحرفيته وتفرّغ للبشت اليدوي التقليدي.

وفي ظل هذه التحولات، نجحت حرفية "علي الخواجة" في الحفاظ على توازن متناغم بين الحداثة والتقليد، حيث تمكن من تقديم تصاميم مبتكرة تجمع بين الأصالة والجمال العصري. بينما ازدهرت صناعة البشوت الصناعية في دول أخرى، استمر "علي الخواجة" في صناعته اليدوية الرائعة، محققًا توازنًا رائعًا بين الجودة والفن.

وهكذا، استمر "علي الخواجة" في ترويض ألياف الزمن ونسج تراثه في كل قطعة يصنعها. بينما قد يكون التكنولوجيا قد حدثت تغييرات في عالم الحرفيات، لم يترك "علي" طريق الحرفة اليدوية التي يعتز بها، ومع كل بشت يُصنع بأيديه الخبيرة، يحمل "علي" شغفه وإرثه، وتستمر قصته في نسج أواصر التراث والحضارة.

في دولة قطر، يتجلى تراثها الغني وثقافتها الفريدة من خلال لباسهم التقليدي، البشت. يعكس البشت القيم والتقاليد العربية، حيث يتشابه الشيخ والمواطن على ارتدائه. يحمل البشت معاني عميقة ترتبط بالانتماء والوحدة بين أبناء القبائل. يظهر هذا اللباس بشكل خاص في المناسبات الخاصة، حيث يتميز باللون الأسود الرمزي للأناقة وحل الخلافات.

في الأعراس، يلعب البشت دوراً أساسياً، حيث يعبر عن أصالة الثقافة والروح المشتركة بين أفراد المجتمع. يستخدم البشت أيضاً في المناسبات الرسمية، حيث يرتديه الشيوخ والوزراء أثناء استقبال الضيوف وزياراتهم للدول الأخرى.


يشعر علي بفخر كبير بالارتباط بتراثه وحمل هذا اللباس الرمزي. يعبر بتصميمه ورغبته في الاحتفاظ بالتقاليد عن الانتماء العميق لثقافته وجذوره. يفتخر بالمكانة التي حققها البشت في الأحداث الكبرى، مثل تتويج منتخب الأرجنتين بكأس العالم ورؤية نجمهم ميسي يرتدي البشت.
يحمل الخواجا  تراثًا غنيًا من البشوت، حيث يقدم مجموعة متنوعة منها بأنماط يدوية متميزة. يُعتبر البشت النجفي والزري الألماني والحياكة اليدوية درجة أولى من هذه الصناعة، والتي يتميز بأناقتها وجودتها العالية. ومع أنها تعد أغلى أنواع البشوت، إذ يصل سعر القطعة الواحدة منها إلى 1200 دينار، إلا أنها تجذب عشاق الفخامة والتميز.

تتواجد طبقات مختلفة من البشوت، حيث يأتي البشت الخليجي بعد الأنواع الأولى، ويمكن الحصول على قطعه وتأتي بعدها الأنواع المشغولة بالمكائن، والتي تقدم بتصاميم وأسعار متفاوتة.

يقول علي الخواجا : "تطورت صناعة البشوت مع مرور السنين، حيث بدأنا بالخياطة اليدوية ثم انتقلنا إلى استخدام المكائن، لكن البشوت اليدوية لها مكانة خاصة بالقلوب". تستغرق عملية صنع البشوت اليدوية ما يصل إلى ست مراحل متتالية، وتتضمن تفصيل وتطريز يدوي دقيق، مما يجعل كل قطعة تحمل تفاصيلها الفريدة.

وأضاف، تجربة مهرجان جرش الثقافي التراثي كانت مميزة بالنسبة لـ الخواجا ، حيث تم استضافتهم لعرض منتجاتهم ومشاركة تاريخهم في هذا المهرجان الفخم، متابعاً "إن مشاركتنا في مهرجان جرش كانت تجربة رائعة، ونأمل أن تكون بداية لمشاركات مستقبلية في هذا المهرجان الرائع".