قصص جرشية: "محمد السلطان" حارس التراث العربي لصناعة العقال السعودي

الأنباط-عمرالكعابنة  
بعيدًا عن ضوضاء العصر الحديث والتكنولوجيا الراهنة، يتواصل محمد السلطان مع تاريخه العريق ويحمل راية التراث العربي عبر صناعة العقال السعودي، بفخر يحكي السلطان عن مسيرته في هذه المهنة الرائدة، ويرثي فخرها وقيمتها للأجيال القادمة.

وُلد السلطان في عائلة متوارثة لصناعة العقال العربي، وعاش في عالم من التقاليد والقيم الأصيلة التي تربي عليها أجيال العائلة الواحدة بعد الأخرى،  بدأ محمد رحلته في صناعة العقال العربي منذ 22 عامًا، مع وراثة تاريخية للمهنة تمتد لأكثر من 1400 سنة، محملاً مسؤولية الاحتفاظ بتراث الأجداد والتمسك بالحرفية والجودة التي تميز هذه المهنة.

كان العقال في الجاهلية رمزًا للكرامة والهوية، وباقية تلك القيم حية في عقود جيل بعد جيل، وقد لاحظ محمد السلطان تدهور الحرفة في مجتمعه، فقرر أن يكون الحارس الوحيد لتلك الصناعة التقليدية الجميلة،  تذكر السلطان بكل فخر أنه علم والدته وزوجته وأبناءه، ليضمن استمرارية هذه المهنة الرمزية في مملكته العريقة.

تحكي الأدوات والمواد المستخدمة في صناعة العقال عن الحكاية الطويلة لتطويرها على مر العصور، تبدأ الحكاية بـ الصوف الطبيعي والزري المطلي بالفضة كمكونات أساسية للعقال التقليدي، ومن ثم تُضاف الأصباغ والتجميلات مثل المخمل والحرير وصوف الصناعي حسب رغبة الزبون والتصميم المطلوب.

ويشرح، السلطان عملية تصنيع العقال بالتفصيل، من الأدوات التقليدية مثل اللفة والقالب الخشبي، إلى التطريز والتلميع، كما يشير إلى تطور صناعة العقال بفضل الأدوات الحديثة، حيث أصبحت بعض المراحل مصنعة ، لكن مازالت الحرفية اليدوية تحتل نسبة كبيرة في العملية.

تنقل السلطان فخره بمشاركته في المهرجانات الجميلة، مثل مهرجان جرش التراثي الذي يضفي جمالًا ورونقًا خاصًا على هذه الحرفة الأصيلة، مثنياً على الدعم المادي والإعلامي لـ هيئة التراث السعودي صاحبة الدور الكبير في إحياء هذا التراث الغالي.

يعتبر العقال المقصب والشطفة من أشهر التصاميم العربية، وكان يتزين به لبس حكام المملكة السابقين مثل الملك عبدالعزيز والملك فيصل، وتعكف عائلة السلطان على صنع العقال بتلك التصاميم التقليدية حتى يظلوا وفاءً للتاريخ والتراث.



وتتنوع الأسعار للعقال حسب جودته ونوع الخامات المستخدمة. يؤكد السلطان أن العقال الذي يتم صناعته بشعر الطبيعي هو الأكثر قيمة وجودة، بينما يتراوح سعر العقال المختلط أو الصناعي بين المنخفض والمتوسط.

وبالرغم من التطور التقني، يبقى السلطان ملتزمًا بالحرفية اليدوية والتقاليد القديمة، مؤكدًا أن 90% من العقال لا يزال يتم تصنيعه يدوياً، وبفضله، تستمر صناعة العقال العربي السعودي بالتألق والازدهار، وتظل رمزًا حيًا للهوية والتراث الغالي، إنه بلا شك قصة ملهمة لمحافظة الإنسان على جماليات التاريخ والتقاليد في عالم يتغير باستمرار.

تختم قصة السلطان بثقة عميقة بمستقبل صناعة العقال العربي في بلاده،  يحمل الحرفة على عاتقه وعلى عاتق أجياله المقبلة، عازمًا على الاحتفاظ بجودة الصنع والتمسك بالتراث العربي القيم. 

يبقى محمد السلطان وحيدًا بين الحرفيين السعوديين في مجال العقال العربي التقليدي، وقد أصبح يعتبر رمزًا حيًا لهذه الحرفة الأصيلة التي تنبعث منها روح العراقة والفخر.