الإستثمار في "المغتربين" بين التوطين والتهجير ‏

يارا بادوسي


يسعى الأردن دوما لجذب استثمارات جديدة ونوعية وتتلائم مع ‏القطاعات التي ‏من شأنها أن تدفع بالعجلة الاقتصادية ، وتعمل على ‏متابعة الدور الذي يلعبه الاستثمار في الحلبة ‏الاقتصادية ، خاصة في ‏الآونة الأخيرة مع بدء العمل بالرؤية الاقتصادية الجديدة‎ 2033 ‎‏ ،  ‏ولضمان مواصلة ‏السير في الاتجاه الصحيح نحو تنمية اقتصادية كبيرة ‏ورفع مستوى الأردن بمؤشر الإزدهار عالمياً.‏

‏ لا بد ‏من النظر إلى جميع السبل التي تجلب استثمارات له ، ولكن ‏التحدي الأقوى يكمن في كيفية جذبها ، فعلى المستوى العملي شهد ‏الأردن سعياً مستمراً ‏ومتابعة متتالية للبيئة الاستثمارية فيه وتحسين آلية ‏جذب الاستثمارات إليه ،   وهنا تتجه الأنظار نحو المغتربين الأردنيين ، ‏ودورهم في دعم ‏الاقتصاد الوطني ، ووضع الأردن ضمن أولوياتهم ‏بالاستثمار ، وخلق نوع من الثقة لديهم وجعلهم بيئة ‏جاذبة وحاضنة لهم ‏‏.‏

وفي سياق ذلك، أكد خبير الأعمال والاستثمار محمد القريوتي ، أن ‏استراتيجية توطين استثمارات المغتربين ‏واحدة من الأساسيات المهمة ‏التي يجب أن يتم وضع خطة عمل لها  وبرنامج تنفيذي واضح ومحكم ‏‏بالقياس والأثر ، وبين أن هذه الاستراتيجية تعتبر من أهم الركائز التي بني ‏عليها قانون الاستثمار والبرنامج ‏التنفيذي ،  لافتاً أن قضية توطين هذه ‏الاستثمارات تحمل في طياتها الكثير من الفوائد على مستوى اقتصاد ‏‏الأردن والعائد الاستثماري والمنظومة البيئية كاملة. ‏

وأضاف، أن هذه الاستثمارات سترد الى الأردن بدون تكلفة على قاعدة ‏الأصول بمعنى أنها لن تستهلك من ‏الأصول المختلفة في المكون ‏الاقتصادي والتنموي والبيئي والمالي على حد سواء ،  وستعمل على تعزيز ‏‏السيولة الأجنبية وتعظيم الاحتياطيات النقدية من العملة الأجنبية و ‏مساهمتها  في التنمية ، لافتا إلى ‏الدور الذي تلعبه هذه الاستثمارات ‏بطرحه مثالا قائلا: " لو كان هناك مشروع صناعي يراد أن يقام في ‏الأردن ‏من مستثمرين مقيمين في الأردن، فستكون بداية مصادر التمويل لهذا ‏المشروع من قاعدة الأصول ‏المالية في الأردن سواء من الأموال المتاحة ‏لمالكي المشروع في الأردن وموجوداته والسيولة النقدية من ‏الأموال ‏المقترضة من القطاع المصرفي ، ولكن لو كان هذا الاستثمار ممول من ‏خارج الأردن من أموال ‏هؤلاء المستثمرين المغتربين، سيتوفر الكثير مما ‏يمكن أن يستهلك من قاعدة الأصول المحلية و ‏سيحدث تنمية الإضافية ‏التي ستنشأ من استقطاب هؤلاء المغتربين والخبرات المنوعة التي ستورد ‏للأردن ‏وشبكة العلاقات الدولية التي ستصاحب استقطابهم. ‏


ومن جهة أخرى، أوضح القريوتي أن المستثمر يبحث أن أفضل الامتيازات ‏والمقومات لنجاح استثماره ‏وليعود عليه بالمنفعة الكبيرة و يضمن له ‏استمرارية استثماره ، مشير إلا أن ذلك يتطلب من أصحاب القرار ‏عمل ‏الموائمة بين الكلفة والعائد للمنظومة الاقتصادية كافة ، مشددا على ‏أهمية عدم شعور ‏المستثمر المغترب بأي من أنواع التعطل أو ‏البيروقراطية تحّول التوجه إلى بيئات اقتصادية محفزة أخرى ‏في دول ‏مختلفة، خاصة  أن جميع الدول وتحديدا المحيطة بنا تسعى لجلب ‏الاستثمارات وبتسارع كبير ، ‏فلا بد من معرفة تسيير هؤلاء المستثمرين ‏الأردنيين نحو الاتجاه الصحيح لأن المستثمر الذي  نفقده لن ‏يعود لأنه ‏سيتجه إلى مكان آخر بحسب تعبيره .‏
ومن هذا المنطلق نوه أن جاذبية الاستثمار المحفزة للمستثمر المغترب ‏يجب أن تكون مهنية بحتة ‏ومحكمة بخطواتها وتشريعاتها وامتيازاتها ‏وليست عاطفية لان الاستثمار لا يتعامل مع العواطف ‏بمعادلته واضحة ‏‏" كلفة لقاء عائد"، مؤكدا أن الأردن  يمتلك الكثير من المقومات التي ‏تشجع المغتربين ‏على الاستثمار فيها ولا بد من التوجه الى استقطاب ‏المغتربين الذين يحدثون تنمية بكافة تشعباتها ‏قطاعيا وماليا وبيئيا والاهم ‏بشريا ، وتعود بالنفع عليه وعلى الدولة وعلى المجتمع على حد سواء ، ‏وهذا ‏ما يمتلكه المغترب الأردني في الخارج ، فهو يعشق وطنه ولن يتوانى ‏عن القدوم والاستثمار ولكن أن لا ‏يضيع تعب عمره في القدوم وبعدها ‏يفقد ما استهلك من عمره الكثير في بيئة استثمارية لا تتوائم ‏والطموحات ‏التي كان يسعى لها . ‏
وتحدث عن ضرورة بناء قاعدة معلومات دقيقة ومحدثة عن المغتربين ‏وقدراتهم على ‏الاستثمار ، وميولهم والأهم وجود تصنيف قطاعي لهم ‏وتوائمه مع التصنيف القطاعي المستهدف في ‏رؤية التحديث الاقتصادي، ‏ودراسة دقيقة للدول والأسواق التي يعيشون بها حاليا لخلق الميزة ‏التنافسية ‏التي تجذبهم للاستثمار في وطنهم ، وبعدها نذهب إليهم ‏بخلطة سحرية تنعش رغبتهم وتسرع وتيرة ‏ميولهم. ‏
في الختام ، أكد القرويتي في حديثه لـ الأنباط" أن الأردن لا يحتاج أن ‏يذهب لمواطنيه المغتربين ليبرر رغبته لاستقطابهم، فهم ‏على دراية كافية ‏بهذا الأمر وأكثر،  لكن يجب نصب جسور تواصل لضمان عودة  آمنه ‏للمستثمر المغترب ‏إلى بلده ليكون قراره بلا تردد و بجرأة مطلقة بأنه يريد ‏أن يستثمر في وطنه .‏