أزبكية عمان تسطع من جديد في سماء الأردن

"إعادة إحياء الموتى على الرفوف" ,,,

الأنباط – خليل النظامي

ذهبت بـ الأمس برفقة الزميل والأخ الصحفي عبد الرحمن ابو حاكمة "ابو الحكم"، الى أزبكية عمان لـ البحث عن بعض الكتب غير الموجودة عبر الأنترنت، وكنت قد إنقطعت عنها فترة لا بأس بها، خاصة أنني كنت معتادا على زيارتها كل يوم جمعة خلال جولتي في وسط البلد، نظرا للظروف التي اتعرض لها في العمل والدراسة.
وصدقا أصبت بـ الذهول منذ اللحظة الأولى التي وطأت فيها قدماي باب الأزبكية في مطرحها الجديد الذي إنتقلت إليه مؤخرا، لما شاهدته وسمعته في أول دقائق لي في زواياها من روادها وزوارها، وما أذهلني بحق ؛ هو حجم الزوار الذي لم أكن أتوقعه، سواء العائلات أو طلبة المدارس أو طلبة الجامعات خاصة طلبة التخصصات العلمية، اضافة الى هواة الروايات وبعض الشباب والشابات الجدد ممن لديهم شغف في القراءة والاطلاع على المواريث العلمية والتاريخية والادبية والفكرية.
الذهول الذي عشته طيلة الساعة ونصف التي أمضيتها في الأزبكية وانا أتجول بين زواياها، تحول إلى سعادة كبيرة وطمأنينة أكبر ؛ أن أبناء وشباب وشابات وطني ما زالوا يعشقون الكتاب ويبحثون عنه، في الوقت الذي تتسع فيه رقعة الضحالة الفكرية والاسهال الثقافي والدعارة الرقمية.
ومن المعروف عادة أن زوار المكتبات محددون بشريحة المثقفين والكتاب والصحفيين، إلا أن ما يميز "ازبكية" عمان عن غيرها من حواضن المعرفة أنها تتمتع بتنوع هائل من كافة الشرائح البشرية الاجتماعية والسياسسية والافتصادية والتعلمية من مختلف الفئات العمرية، فمثلا تجد طالب العلم يتجول بين أروقتها يبحث عن كتب تخصصه العلمي، وبالمقابل يجلس السياسي المحنك في ركن خاص على كرسي عتيق يطالع آخر إصدارات الفلسفة الماركسية، وعلى رائحة سرديات شكسبير وروايات كويلو، مرورا بـ أطلال طه حسين ومحفوظ تجد الشباب والفتيات يتعطرون بروائح العشقق الإلهي وروحانيات المشاعر النبيلة.
ولا أحدثكم عن جمال وعفوية مشاكسة الأطفال الصغار وهم يعبثون بالقصص والحكاوى المرتبة على رفوفها العتيقة، فـ كل ما ترونه من طقوس تدعو إلى إشعال الغرائز الذهنية والفكرية والثقافية في العقل البشري في مشهد لا يستلذ بطعمه الا من يعش تفاصيله الدقيقة في زوايا هذه الازبكية.
وبـ الحديث عن محتوياتها، فـ الازبكية تنفرد بفلسفة بناء قائمة على النوعية لا على الكمية، فـ بمجرد التجول بين اروقتها تكتشف أن نوعية الكتب والمؤلفات والمجلات المرتبة في رفوفها منتقاه بـ عناية فائقة، وهذا ان دل على شيء فإنما يدل على حرص صاحبها برفد المعرفة والعلوم التي تحمل الفائدة التنويرية لطالبيها بشكل جاد.
ولا يتوقف الأمر على هذا التميز فقط، بل يمتد إلى شعور صاحبها بـ الأوضاع الاقتصادية والاحوال المعيشية التي تمر بها كافة الشرائح المجتمعية، فتجد أن سعر الكتاب الواحد لا يتجاوز سعر علبة السجائر التي نحقن فيها أجسادنا بالسموم، الأمر الذي يعمل على تمكين كل طالب معرفة من الحصول عليها بأسعار رمزية.
ومن على رف آخر تجدون ان من جمالية هذه المؤسسة ان العائلات والمكتبات الذاتية والخاصة بـ السياسيين والمثقفين والكتاب من أهم مصادر تزويدها بـ المؤلفات والكتب، وبغير مقابل مادي، علاوة على المصادر الأخرى التي ترفدها بالمؤلفات كمصر وفلسطين والعراق وعدد من المصادر النوعية المختلفة، ومن أجمل القصص التي وجدناها في هذه الزاوية تبرع فتاة تبلغ من العمر ست سنوات بحوالي 300 كتاب من مكتبتها الخاصة متنوعة ما بين القصص والألعاب ودفاتر الرسوم الملونة لتخلد في هذا الإهداء عظمة علاقة العشق الازلية بين الإنسان العربي والكتاب.
ما هو موجود على الرفوف لم يمت كما يقولون وإنما تم إحياءه من جديد، وهذا بفضل مبادرات الثقافة التي يطلقها أصحاب العلم والثقافة والفكر في وطني أمثال الحبيب الغالي حسين ياسين صاحب الأزبكية، وما يبذل من جهود في سبيل نشر المعرفة والفكر بين ابناء الوطن، وبفضل أبناء وشباب وشابات وطني الحبيب وما لديهم من شغف وحب في البحث عن المعرفة والثقافة والفكر.