د. أشرف الراعي يكتب : من أجل صحافة أفضل

هذه ثاني صحيفة يومية أردنية أكتب فيها مقالاً، وقد كنت قبلاً أسهمت في تأسيس العديد من المشروعات الإعلامية، من الإعلام المكتوب انطلاقاً من "الغد" اليومية، وليس انتهاء بقناة "المملكة" الرسمية، مروراً بعدد من المشاريع الإلكترونية داخل وخارج المملكة، والتي انطلقت لتواكب عالم التطور في الصحافة والإعلام، ولتجاري الإبداع الرقمي الذي أصبح اليوم يتسيد المشهد الصحافي، مع إيماني المطلق أن "الصحافة التقليدية" لم ولن تفقد رونقها؛ فلرائحة الورق عبق ما زلت أشتمه منذ 20 عاماً، وحتى اليوم.
وعلى أية حال، فإن خلاصة هذه الخبرة، كانت دوماً مقرونة، بأهمية الحفاظ وتقديم منتج صحافي "أخلاقي" ملتزم بأحكام القانون، سقف حريته السماء ومصلحة البلاد والعباد، وديدنه الحفاظ على مصالحهم ونقل همومهم؛ فلطالما كانت الصحافة هي لسان حال الناس، لكن الحال اليوم تغير، حيث نشهد إرهاصات فجة تفرضها الصحافة "غير المسؤولة" على الواقع، حتى بتنا نقلب كفاً بكف على واقع المهنة الصحافية الذي يهوي اليوم في قاع سحيق، من دون حلول آنية أو مستقبلية ومن دون خطط برامجية واضحة، لهذا القطاع المهم، الذي يبتدئ الحفاظ عليه من تجويد قوانينه وتحسين تشريعاته.
على أية حال، فالأردن بلد مستقر، ومن الضروري أن يعيش استقراره في الواقع كما هو في الإعلام. فالكيل طفح كلاماً فارغاً من مضمونه، وإضراراً بمصالح البلاد والناس؛ فمع كل قضية تحدث يساء إلى الأردن داخلياً وخارجياً من خلال تراشق إعلامي لا أحد يعرف أهدافه أو نتائجه؛ وهو ما يضع على الدولة ومؤسساتها – كل مؤسساتها – وفي مقدمتها نقابة الصحفيين الأردنيين ومجلس النواب والحكومة دوراً مضاعفاً بتنظيم المهنة وفق ضوابط تنظيمية وقانونية لا تحد من حرية التعبير بل تعززها لكنها في المقابل تعزز من التزام الصحافيين بالقانون، ومعاقبة من ينتحلون المهنة الصحافية، فيكون القانون هو الفيصل.. القانون الذي ننادي بسيادته دوماً.
يحتاج بلدنا صحافة حُرة مُحترفة مُستقلة تعبر عن رؤية جلالة الملك وإعلام ينتقد الخلل لكن مع الالتزام بالقانون. له الحرية في النقد بعيداً عن اختلاق الإشاعات والأكاذيب أو تغذية الاستقطابات السياسية وإثارة النعرات العنصرية أو الطائفية أو المذهبية.. إعلام ينتقد الخلل ولا يضخمه، ويشير إلى منجزات البلد الحضارية والثقافية والاجتماعية والسياسية، على ذات الصفحات التي ينتقد فيها أي خلل أو تراجع في أداء أي مؤسسة من المؤسسات الحكومية، أو عدم التزام المؤسسات الخاصة بالقانون.. إعلام يضع بين عينيه السعي إلى النقد من أجل تحسين أوضاع الأردنيين ليعيشوا بكرامة واستقرار.. عيشاً كريما يليق بهم وبتراثهم وتاريخهم العريق وقدراتهم العلمية، والعملية.
أما بالنسبة للانعكاسات التي تخلفها الصحافة والإعلام "غير المهني"، فهي كثيرة أبرزها ما نشهده اليوم من نشر للشائعات في مواقع التواصل الاجتماعي، استناداً إلى خبر منشور على موقع إخباري مغمور، أو صفحة على موقع من مواقع التواصل الاجتماعي أراد صاحبها أن يلبس لبوس الصحافيين المهنيين المحترفين، فيما لا إجراءات حكومية لمعالجة هذا الواقع، لا بل تقوم بدعم هؤلاء الذين لا يقدمون محتوىً أو مضموناً يمكن أن يؤثر إيجاباً في المشهد الصحافي والإعلامي برمته.
المشهد اليوم يبدو مُستفزاً وسلبياً، ففي ظل السباق المحموم في العالم للتطور، والتقدم، والاستثمار نجد أشخاصاً على مواقع التواصل الاجتماعي يهاجمون كل منجز، ويحاربون كل نجاح ولا تهمهم سوى مصالحهم، لا بل أن تقديمهم لكل ما هو جميل ومتطور في بلدنا يكون تقديماً يفتقر إلى العلم والمعلومة... لذا فإن مؤسسات الدولة اليوم – كلها كما أشرت - مطالبة بتعزيز الحرية الصحافية الحقيقية ودعم الصحافة والإعلام المتزن الباحث عن الحقيقة التي لم تكن يوماً في القشور واستقرت في حشاشة الموضوع ولُبه.