د. حسين البناء يكتب :مشاريع تركيا-إيران-إسرائيل للشرق الأوسط


تَستحوذ على منطقة الشرق الأوسط اليوم -وخاصةً بعد تداعيات الربيع العربي- ثلاثة مشاريع إقليمية كبرى، المشروع التركي، والمشروع الإيراني، والمشروع الإسرائيلي، وهذه المشاريع جاءت لسد الفراغ الحاصل في المنطقة بعد تراجع دور "الثالوث العربي" التقليدي، مصر وسوريا والعراق، كنتيجة للحروب والأزمات التي تلت حرب الخليج وغزو العراق، وتلت الثورة السورية وما وقع من دمار هناك، وتلت ثورة يناير والأزمة الاقتصادية في مصر.

قانون "الفيزياء السياسي" ينص على أن الفراغ يستجلب تدافع القوى الخارجية لشغل الشغور الحاصل في المراكز المفرغة من طاقتها، وبالتالي تدافعت على المشرق العربي القوة التركية والإيرانية والإسرائيلية لشغل الفراغ الحاصل مِن انكفاء دور مصر وسوريا والعراق بسبب الظروف آنفة الذكر. 
لا يمكن أن يتقدم أي مشروعٍ من تلك الثلاثة (التركي، الإيراني، الإسرائيلي) إلا بعد تحييد وإضعاف وتفكيك الدول الثلاث (العراق، سوريا، مصر)...وأهم ما يمكن ملاحظته هو استخدام "حرب المياه" كأبرز أدوات تلك المشاريع!

المشروع التركي:
مع صعود حزب العدالة بقيادة إردوغان وتحييده لسطوة الجيش هناك، وتحقيق نجاح اقتصادي وتنموي ملحوظ، تم تمهيد الأرضية لتمدد المشروع  الأتاتوركي تحت مسوغات حماية اللاجئين وبناء السدود وكبح الكرد. فكان بناء 22 سدًا ضمن مشروع GAP العملاق لحجز مياه نهري دجلة والفرات مما يهدد تدفق المياه لسوريا والعراق، وتم احتلال الشمال السوري لتمكين ميليشيات الثوار، وتم ضرب الكرد في شمال العراق وشرق سوريا.
كل ذلك هو إعلان صريح لسطوة تركيا وهيمنتها في المنطقة على حساب سوريا والعراق تحت غطاء من الديمقراطية والسنيّة ودراما أرطغرل وانبعاث الحلم العثماني الجديد.

المشروع الإيراني:
بعد خروج الأمريكان من العراق، وانتهاء حكم البعث والسنة، واندفاع الميليشيات الإيرانية لتحرير شمال وغرب العراق مِن سطوة تنظيم الدولة/داعش، أصبح العراق "حديقة خلفية" لطهران، وبحكم التوظيف المذهبي الطائفي الكثيف هناك فقد ترسخت التبعية لقُم أكثر منها لبغداد. في غضون ذلك تم حجز مياه روافد السيول والمجاري المائية المتجهة للعراق تحت مسوغات الري والشح المطري، وتم ضرب الكرد المتاخمين لأكراد إيران منعًا لعدوى التجربة.
بذات الوقت كان الدعم المستمر للحوثيين في اليمن، وحزب الله في لبنان، وتدفق المجاهدين لسوريا دعمًا لدمشق في مواجهة (داعش) وميليشيات الثوار هناك، حتى وصلت قواتهم لمشارف درعا جنوبًا.

المشروع الإسرائيلي:
تسارعت وتيرة التطبيع مع تل أبيب بشكلٍ غير مسبوق لتشمل أقطارًا عربية عدة في بضع سنوات، تزامن ذلك مع تعطّل المفاوضات مع الفلسطينيين بسبب المستوطنات وجدار الضفة العازل، وانتهاك المقدسات في القدس الشرقية، وضعف سيطرة السلطة الفلسطينية، وتنامي تأثير حركتي (حماس) والجهاد الإسلامي في غزة خاصةً.
كل ذلك تزامن مع أزمة المنطقة بعد ثورات الربيع العربي التي أخرجت (مصر وسوريا والعراق) من دائرة التأثير لتتقدم تل أبيب بعرضها الإحلالي في المنطقة مدعومًا بقبول عربي ودفع دولي وأمريكي واسع بعد منح إدارة (ترمب) الجولان لإسرائيل وقرار نقل السفارة إلى القدس.

جاء بناء سد النهضة الإثيوبي لاستكمال حلقات (التعطيش وحرب المياه) التي تمتد لدجلة والفرات، في إشارة واضحة لترابط المشاريع معًا واستخدامها أدوات متشابهة للمنطقة واستهدافها الموحد للأمة!

التطورات الموضوعية لما بعد الربيع العربي هيأت المنطقة لتدافع وإحلال خطيرين، حيث تنكفيء بغداد ودمشق والقاهرة عن دورها التاريخي التقليدي القيادي، لتتقدم طهران وأنقرة وتل أبيب ... في ظل فقدان الأمة العربية للتوازن الاستراتيجي والدور الحيوي الفاعل، وغياب مشروع عربي حقيقي بديل قادر على إعادة الأمور لطبيعتها واستحقاقها الشرعي والتاريخي.