تدني الأجور والضغط النفسي وساعات العمل الطويلة من أسباب الأخطاء الطبية

تدني الأجور والضغط النفسي وساعات العمل الطويلة من أسباب الأخطاء الطبية
الأخطاء تسيء لسمعة القطاع الصحي وأطباء يتعدون على تخصصات غيرهم
د. الزعبي: 94 شكوى ب2022 ومن الضروري التركيز على الانجازات
د. عكروش: هناك أطباء دون أجور وآخرين يتسربون من القطاع
د. الحموري: تأخر تشكيل اللجان سبب تراكم القضايا
د. الهروط: اللجنة تبدي رأي طبي فني والحكم ل القضاء
الأنباط -  زينة البربور
بالحديث عن الطب الأردني يتفاخر العديد بمستواه الرفيع بين دول العالم، لكن قد تكون قضية الأخطاء الطبية التي تضج بها مواقع التواصل الاجتماعي بين حين لآخر بدايةٌ لجعل هذا القطاع على المحك، ما قد يهدد سمعة القطاع الطبي عامة ويضعف بدوره السياحة العلاجية التي تسعى الحكومة جاهدة لتقويتها. 
فالسؤال الذي يبقى دوماً على طاولة الأطباء، لماذا يقع الطبيب في خطأ طبي؟ هل يشير ذلك إلى وجود خلل في مخرجات التعليم الجامعي الطبي؟ أم أن الخبرة العملية له لم تكتمل؟ ام انها حالة فوضى تتوغل عقول الأطباء إثر تدني الأجور المادية؟ وهل كان للعلاقات الشخصية أثرها في تعيين البعض منهم بمكان لا يليق به؟
أسئلة كثيرة تداولها مواطنون بالحديث مع " الأنباط " لمعرفة الأسباب الحقيقية التي تقف وراء الأخطاء الفادحة التي يقع فيها البعض من الأطباء وتودي إما بحياة المريض او تسبب له إصابات دائمة طيلة حياته.

السياحة العلاجية في خطر..
في السياق ذاته تواصلت " الأنباط " مع نقابة الأطباء الأردنية حيث أكد الدكتور زياد الزعبي أن كلمة خطأ تعني خطأ مقصود لكن ما يحدث من أخطاء طبية وحدها اللجنة الفنية من تحدد نوعه إن كان خطأ مقصود او نتيجة لمضاعفات العمل الجراحي، لافتا أن غالبية الدعاوى التي ترفع بحق الأطباء تكون على أساس انها خطأ وتأخذ سنوات عدة في المحاكم الا ان غالبيتها تكون نتيجة لمضاعفات.
وأكد ان قانون المسؤولية الطبية الصحية أتاح للمريض الذي يعتقد ان هناك احتمالية حدوث مضاعفات لعمله الجراحي ان يتوجه اما لنقابة الأطباء او لوزارة الصحة كي يتقدم بشكواه مشيرا الى ان اللجنة الفنية هي من تحدد نوع الخطأ.
وبين أن عدد القضايا التي تقدم بحق الأطباء ستكون عامل رئيسي يضعف من أهمية السياحة العلاجية في الأردن خاصة مع التهويل الكبير الذي يحدث على وسائل الاعلام، مضيفا انه يجب القاء الضوء على نقاط القوة التي يملكها أطباؤنا في الأردن وانجازاتهم في عدة اختصاصات بغاية الأهمية.
وتابع ان الأردن كان السباق في إصدار قانون المسؤولية الطبية حرصا على تنظيم العلاقة بين المريض والطبيب على عكس الكثير من الدول المجاورة، وذكر ان المادة 8 من القانون نصت على تشكل لجنة فنية عليا منذ عام 2019 وتعرض عليها شكاوى المرضى التي يكون فيها احتمالية وجود أخطاء طبية.
وأضاف أنه هناك مادة أخرى تنص على تشكيل لجنة بوضع المعايير الطبية وتقوم بعملها الآن  بإعداد المعايير المتعلقة ببيئة العمل ذات المواصفات المحددة واشتراط أن يكون مقدم الخدمة اختصاصي معترف به من قبل المجلس الطبي الأردني ونقابة الأطباء إضافة الى الإجراءات التي يجب ان يقوم بها المريض قبل وخلال وبعد العملية، لافتا ان هذه المعايير ستستند عليها اللجنة الفنية العليا في تقييم الشكاوى المقدمة بحق الأطباء.
وحول عدد الشكاوي المقدمة لنقابة الأطباء لعام 2022 فقد بين الزعبي انها بلغت 94 شكوى منها 17 تتعلق بالاجور و77 شكوى تتعلق بادعاء أخطاء طبية، لافتا وجود 10 قضايا لا زالت تحت الدراسة، مشيرا إلى ان هناك 4 شكاوى فقط ادين بها الطبيب الى مجلس التأديب اما باقي الشكاوى فقد سجلت لصالح الطبيب.
وأوضح ان عدد الأخطاء الطبية ازدادت بعد اصدار قانون المسؤولية الطبية عازيا ذلك لازدياد الوعي لدى المواطن لتقديم الشكوى في حال حدوث الخطأ بالتوجه الى ثلاث جهات إما وزارة الصحة، أو نقابة الأطباء أو القضاء مباشرة.
ودعا الزعبي الى تشكيل لجنة في المستشفيات الأردنية التابعة لوزارة الصحة كما في دول أخرى كالإمارات تدعى " لجنة الوفيات والمضاعفات " التي تدرس ملف كل مريض يفارق الحياة لمعرفة سبب الوفاة كما يتم متابعة اقامته في المستشفى والبحث باحتمالية وجود خطأ طبي ام لا ليتم عرض النتائج على لجنة الاستشاريين داخل المستشفى والبحث بالنتائج.

تسرب الكوادر الطبية إلى مهن أخرى.. 
من جانبها استهلت الدكتورة ميسم عكروش حديثها لـ " الأنباط " أنه ليس هناك طبيب على وجه الأرض يحب أن يؤذي انسان فكيف عندما يكون هذا الانسان مريضه ومسؤول منه.
وحول قانون المسؤولية الطبية اكدت أنه لم يكن له أي دور في تقليل نسبة الأخطاء الطبية في الأردن عازية ذلك لعدم إنجازه بالطريقة الموضوعية والحيادية المثلى حتى الآن وعدم إشراف أصحاب اختصاص عليه، وأضافت أن هناك بعض القرارت الخاطئة والظالمة التي احيلت للنقابة سابقا من قبل اللجنة القديمة عندما كانت عضو في مجلس النقابة وأعيد النظر فيها بالتنسيق مع لجان فنية عادلة منتقاة واكاديمية، لافتة أن الحكم كان يختلف تماما عما حكم به من قبل لجنة المساءلة وبينت أنه تم حاليا تشكيل لجنة جديدة داعية ان تكون على قدر من الثقة والموضوعية.
وذكرت أنه وجب التنويه أن هناك نسبة مضاعفات طبية تحصل بعد أي إجراء طبي وهناك فرق شاسع بينها وبين كلمة خطأ طبي، مشيرة إلى انه ليس كل شيء سلبي يحصل مع المريض بعد أي إجراء طبي هو خطأ، لان هناك مضاعفات تحصل بنسب معينة وفقا لدراسات معروفة عالميا في الأدب الطبي، ومازال حصولها في إطار هذه النسب وقام بالأجراء الشخص المناسب في المكان المناسب هنا يبقى على المريض الموافقة بان يتم هذا الاجراء عليه.
وأكدت ان هناك ثلاثة معايير يجب توفرهم للقيام بالإجراء الطبي، فأن يكون الطبيب صاحب تخصص وان يقوم بالأجراء في المكان والبيئة المناسبة وان تكون ظروف الطبيب نفسه مهيئة للعمل ويملك الخبرة الكافية، مشيرة الى وجود أخطاء إدارية تتعلق بكيفية تعيين أطباء في أماكن محددة دون مراعاة مدى خبرتهم خاصة بما يتعلق بالخريجين، مبينة أنه ليدعى خطأ طبي يجب عدم توفر أحد الشروط الثلاثة التي تم ذكرها. 
وأكدت ان الحكمة في اختيار الحالات التي يجب ان يقع عليها الاجراء الطبي تعد عنصرا مهما لتفادي الأخطاء المحتملة وأن تكون بيد الاختصاصي الماهر في المكان المهيء إضافة الى ضرورة استشارة كل من سيساعد لضمان أن يكون المريض بأمان بحيث يحقق دوما الاجراء الطبي عمل الفريق المبرمج.
وأشارت الى ان التعدي بين التخصصات يعد سببا رئيسيا للوقوع في خطأ، وضعف برامج التدريب وعدم موضوعية الامتحان، مبينة ان عدم كفاية الإجراءات التي يقوم بها الطبيب خلال فترة التدريب للتخصص تجعله غير كفؤ بالقدر الكافي عند حصوله على شهادة التخصص لذلك يجب امتلاك الطبيب المهارة العملية الكافية.
ودعت الى وجوب ان تكون المحاسبة رادعة لكل من يتعدى على تخصص غيره والفصل بين المضاعفات والخطأ لحماية سمعة الأطباء المهرة، إضافة الى ضرورة ان يكون الطبيب مدفوع الاجر خلال فترة التدريب حتى يستطيع القيام بالتدرب والتعلم والعمل الصحيح وهو مهيء نفسيا.
وأكدت عكروش انه في كل اعراف العالم لا يجوز ان يعمل الطبيب المتدرب من دون اجر مادي لانه يعد ذلك انتهاك لحقوق الانسان، مطالبة بضرورة رفع المستوى الاجتماعي والاقتصادي والمالي والتدريبي للأطباء ومستوى الشفافية والوعي لدى المواطن، إضافة الى تحديد منصة الكترونية واضحة المعالم سهلة الاستخدام من قبل متلقي الخدمة تحتوي على لائحة جمعيات الاختصاص باسماء منتسبيها المرخصين للممارسة وتحديد الاجراءات المسموحة لهم وفقا للمجلس الطبي الاردني مع تسعيرة كل اجراء لحماية مقدم الخدمة كما متلقيها.
وأشارت إلى ان هناك العديد من الأطباء المتخصصين يعملون بمبدأ " السخرة " أي دون تقاضيهم رواتب ما يجبرهم للعمل بأكثر من مكان ليستطيعوا ان يكملوا شهرهم، ما يؤدي الى تسرب الكوادر من القطاع العام والقطاع الخاص للعمل بمهن أخرى وهذا بدوره يقلل كفاءة العمل بالقطاعات التي يعملون فيها بشكل رسمي وبالتالي المتضرر الاول هو المواطن، لافتة أن هناك من يلجأ منهم لمهن أخرى بعيدة كل البعد عن الطب.
وختمت ان الضغط النفسي والمادي وساعات العمل الطويلة في عدة جهات قد يكون سببا في تشويش عقل الطبيب ليقع في أحد الأخطاء الطبية، مبينة أن المهنة بحاجة الى تنظيم ورقابة وتدريب والوطن يحتاج الى مؤسسة صحية تعليمية رقابية.

تأخر تشكيل اللجان راكم القضايا..
وفي السياق ذاته أكد رئيس جمعية المستشفيات الخاصة الدكتور فوزي الحموري 
أن قانون المسؤولية الصحية تم دراسته من قبل جميع الجهات المعنية لافتاً مشاركة الجمعية في عدة اجتماعات في مجلس النواب.
وذكر أنه تم تعديل كثير من مواد القانون بناء على هذه الاجتماعات وشاركت جميع النقابات الصحية فيها، عازياً ذلك إلى أن القانون ينطبق على جميع المهن الصحية وليس فقط الأطباء. 
وأضاف أنه يشمل ايضا اماكن تقديم الخدمة الصحية والمستشفيات والمراكز الطبية والصيدليات والمختبرات، مبيناً انه تم تشكيل عدة لجان بناء على نصوص القانون وتعد الجمعية ممثلة في هذه اللجان. 
وأبدى الحموري رأيه الإيجابي بقانون المسؤولية بشكل عام الا أنه أكد أن عملية تشكيل اللجان تأخرت ما سبب تراكم للقضايا لدى اللجان. 
وختم حديثه لـ " الأنباط " أن جميع الشكاوى التي تقدم من المرضى تحول الى اللجنة الفنية العليا ومقرها في وزارة الصحة.

معلوما سرية لم تكشف..
بدوره قال رئيس اللجنة العليا للأخطاء الطبية الدكتور محمد الهررط ان اللجنة لا تصدر حكم بالشكاوى التي تصلها انما تبدي رأي طبي فني بناء على الخبرة الفنية التي تملكها، لافتا أن الحكم يعود للقضاء.
 وأكد وجود عدة لجان فرعية تقدم الخبرة بالقضايا التي تصلها من وزارة الصحة او نقابة الأطباء أو المحكمة، مبيناً أن اللجنة لا تستقبل أي شكوى ولا تلتقي بالمشتكين بل ترشدهم للتوجه الى الجهات المعنية بتلقي الشكاوى.
ورفض الهروط التصريح بمعلومات تتعلق بعدد الشكاوى المقدمة للجنة بما يخص الأخطاء الطبية في عام 2023 والتي تحولت للمحكمة، إضافة إلى عدد الوفيات والاصابات الناتجة عن هذه الأخطاء عازيا ذلك الى عدم صلاحيته بالاقرار بها لانها معلومات سرية وفقا لقانون المسؤولية الطبية.
وقامت " الأنباط "  بطلب معلومات من وزارة العدل تتعلق بعدد القضايا المسجلة فيها بما يخص الأخطاء الطبية إلا انها لم تتكمن من تحصيل أي معلومات.

القانون ولد الحذر..
كما أوضح الدكتور محمد العبادي ان قانون المسؤولية الطبية يساهم في تقليل عدد الأخطاء الطبية لانها تردع الطبيب من ممارسته أحد الإجراءات الطبية غير المسموح بها خاصة ان كان بغير تخصصه او برنامجه التدريبي أي يتولد لديه الحذر الدائم تجاه أي اجراء طبي.
 وأكد ان الطبيب يتوجب عليه اتقان عمله بكل نزاهة بغض النظر عن الاجر المادي الذي يتقاضاه بناء على اليمين الذي اقسمه في بداية مسيرته الطبية.

الضغط النفسي أكبر مسبب..
وبالرد على تساؤل العديد حول انعكاس الحالة النفسية للطبيب على أداء عمله أكد الطبيب النفسي عبد الرحمن مزهر ان ضغط العمل الكبير قد يؤثر على عمل الطبيب وادائه بشكل عام، خاصة ان هناك أطباء يعملون على مدار 5 مناوبات خلال يومين متواصلين، لافتا انه في هذه الحالة تكون نسبة الخطأ اعلى.
واكد ان ضغط العمل بحد ذاته على الطبيب يعد اكبر مسبب عالميا للأخطاء الطبية، مبينا ان تركيز الانسان بالتأكيد سيكون ضعيف بعد عمل وجهد يتجاوز 24 ساعة، مشيراً إلى وجود دراسات تؤكد ان الضغوطات النفسية تنعكس على الطبيب وغير الطبيب.
وبين ان نسبة الأخطاء تزيد في القطاعات الحكومية بكل انحاء العالم على القطاعات الخاصة عازيا ذلك الى المناوبات الطويلة المضافة الى عمل الطبيب الأساسي، وبالتالي عطاؤه وتركيزه من المستحيل ان يكون في الوضع الطبيعي.
مقارنة عالمية ..
وفي مقارنة لمستوى الأخطاء الطبية الأردنية مع بعض من دول العالم فإنه وفقا لتقرير أصدرته منظمة الصحة العالمية لعام 2019 فيُصاب ملايين المرضى بالأذى كل عام نتيجة عدم مأمونية الرعاية الصحية في مختلف أنحاء العالم، مما يسفر عن وفاة 2.6 مليون شخص سنويًا في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل وحدها، علما أن معظم هذه الوفيات يمكن تجنبها.
كما تمثل الأخطاء الطبية السبب الثالث للوفيات في الولايات المتحدة بعد الأمراض القلبية الوعائية والسرطان، إذ تحصد أرواح نحو 250 ألف شخص سنوياً، وخلص الباحث مارتن مكاري إلى إن الأخطاء الطبية تمثل "السبب الثالث للوفيات في الولايات المتحدة" مشيراً إلى أن المشكلة ليست محصورة في هذا البلد بل هي منتشرة في سائر أنحاء العالم،
كما أن الناس قد يموتون جراء أخطاء في التشخيص وجرعات زائدة من الأدوية وتجزئة الرعاية الطبية ومشكلات تواصل ومضاعفات يمكن تفاديها.
و أكد تقرير في ألمانيا، أن هناك تزايداً في أعداد المرضى الذين يموتون نتيجة أخطاء طبية، ووفق إحصائيات الأخطاء التي أعدتها الجهات الطبية المعنية لعام 2016، فإن لجان التقارير المتخصصة وجهات فض النزاعات اتخذت 7639 قراراً على مستوى ألمانيا بشأن أخطاء ارتكبت أثناء معالجة المرضى وتم إثبات 2245 حالة أخطاء علاجية بالفعل.