لماذا لا يعطي الطبيب الخبز لخبازه في إدارة المستشفيات؟

 زينة البربور 
عندما اتأمل مصطلح " إدارة المستشفيات " يجول في ذهني مقارنة بسيطة بين الطبيب والمدير، فالأول من البديهي أن يكون مكانه في عيادة اوغرفة عمليات ومهمته علاج المرضى أما الآخر فيحتويه مكتب يعمق خلاله تفكيره ويرسم خططه اليومية والشهرية لتنجح إدارة المكان الذي يشغله وكما يقال " اعطي الخبز لخبازه " الا ان الخباز في الاردن بات يعمل بمهام جديدة بعيدة كل البعد عن الخبز، فالطبيب أصبح ينشغل في غرفة الإدارة على كرسي ليس من حقه والإداري المتخصص ينتظر في بيته فرصة عمل تليق بشهادته المتواضعة.
وتابعت تأملي مطولا ليقع تركيزي مرة أخرى على ذات المصطلح أو بلغة أخرى على تخصص إدارة المستشفيات الذي يدرس في الجامعات الأردنية ويشغل سنوات من حياة ووقت الطالب في الدراسة والبحث لينتهي الامر به بشهادة يمعن النظر اليها منتظراً ان تتفرغ غرفة إدارة إحدى المستشفيات الحكومية او الخاصة ليزاول عمله الحقيقي بعد اعتقاده أن مهمته جاهزة هناك، غافلا أن الطبيب بات يحمل 3 بطيخات في يديه ليجرب قدرته في الإدارة وغفل عن عمله الحقيقي.
ولو تساءلنا كم عدد الخريجين من هذا الاختصاص يزاولون عملهم الإداري في المستشفيات هل يا ترى سنجد رقما يليق بعددهم الكلي؟ وان بحثنا في نسبة الأطباء الأردنيين المعنيين بإدارة القطاع الصحي والمستشفيات بشقيها الحكومي والخاص اعتقد ان نسبة 90% ليست رقماً مبالغ فيه لمثل هذه الظاهرة، وإن أمعنا التفكير قليلا سنجد مئات المشكلات تتغلغل محيط المستشفيات في الأردن على اختلافها وهنا يدفعنا الفضول بالتأكيد لمعرفة من يقف وراءها فهل الإدارة من تتحمل المسؤولية؟ ولو افترضنا ان اخصائي الإدارة كان يجلس على الكرسي بدلا من الطبيب هل كان سيقع في ذات الخطأ ام خبرته الإدارية ستجنبه مثل هذه الأخطاء؟؟؟؟ 
أسئلة كثيرة تجول تفكيري وفي الحقيقة إحداهم شغل تركيزي منذ بداية هذا التحليل، أنه هل حقاً مهمة إدارة المستشفيات في الأردن او حتى في أي دولة بالعالم تستوجب وجود طبيب حصرا؟؟ فقد أكون أخطأت برؤيتي للموضوع وحاولت اقناع نفسي مرارا أن سلامة وصحة المواطن مسؤولية بغاية الحساسية قد لا ينفع لغير الطبيب أن يتحملها خاصة بعد أن افنى سنوات عمره بالدراسة والبحث والتعلم المستمر، ولكن وجدت جوابا مختصر لسؤالي بسؤال اخر وهو أيعقل لدولة متطورة كالاردن ان تغفل عن هذه النقطة الحساسة عند فتحها تخصص إدارة المستشفيات؟  
وأكملت بحثي لمعرفة هل يتعلم طلاب هذا الاختصاص مواد تؤهلهم لشغل هذا المقعد في حياتهم فوجدت مواد تدرس في الجامعات الأردنية بغاية الأهمية والدقة حيث يعتبر هذا القسم مكاناً وحيداً وفريداً ومتميزاً في الأردن، ونجد العناية الفائقة في البحوث الأكاديمية، والتعليم العالي، والأعمال الاستشارية وبرامج التدريب المتخصص لتطوير الخدمات المقدمة من قبل مؤسسات الرعاية الصحية والمستشفيات وعلى الصعيدين المحلي والاقليمي.

ووفقا لجامعة فيلادلفيا كأحد الجامعات الأردنية الخاصة التي أسست قسم إدارة المستشفيات في عام 2000 كجزء من استراتيجية طويلة الأجل لإعداد مديري وقادة في مجال تقديم خدمات الرعاية الصحية، فإن هذا التخصص يركز على إكساب الطالب المهارات الإدارية اللازمة في المؤسسات الصحية، حيث يعتبر حلقة الوصل في الأمور الإدارية والأنشطة اليومية بين مقدمي ومتلقي الرعاية الصحية ونظراً للمتغيرات المتسارعة في العالم وانتشار الأوبئة ولمواجهة تحديات البيئة المعاصرة، وخصوصاً في القطاع الصحي، أصبحت الحاجة ماسة لإيجاد وظيفة متخصصة لإدارة الأنشطة اليومية في المستشفيات من إدارة قواعد البيانات الطبية، وإدارة العلاقات العامة وشؤون المرضى اضافة لإدارة الموارد البشرية وإدارة أقسام المستشفى الطبية وغير الطبية، وضرورة تحسين الجودة ومنع العدوى وسلامة المرضى.
وبعد اختياري هذا النموذج اعتقد أن هذا التخصص يستحق بجدارة ان يتخرج منه اداريون يمارسون عملهم في المكان الصحيح بدلا ان يكونوا جزءا من بطالة هذا المجتمع وكما يقال: " الرجل المناسب في المكان المناسب " فماذا لو انحصر دور الأطباء الأردنيين في عملهم اللامحدود بدلا ان يأخذوا فرصا ليست من حقهم؟ 
وبالتأكيد لن انكر ماهية العمل الإداري في المستشفيات التي تتطلب تعاون وتنسيق مشترك ومستمر مع الكوادر الطبية خطوة بخطوة لإتمام العملية الإدارية على أكمل وجه وذلك من ضرورات الإدارة الناجحة فنحن نتحدث عن مهنة جدارها حساس ولا يحتمل الخطأ أبداً فقد يكون ثمن أي خطأ بسيط هو حياة شخص ما لذا من الضروري تطبيق قواعد الفريق الواحد الشامل على عدة اختصاصات على رأسها الطبيب واخصائي الادراة، ولكن هذا لا يعني ان ينشغل الطبيب بمهام ادارية التي بدورها ستكون عائق لإتمام مهامه الطبية، والاصل أن يكون كل منهما قادرا على أداء عمله وفقاً لخلفيته النطرية والعملية، إضافة ان الإدارة قد تحرم المرضى من خبرات الطبيب ومعرفته خاصة إذا كان من ذوي الاختصاصات النادرة، فماذا لو سخر طبيب ما وقته لمهامه الطبية واسعة المدى بدلا ان يكون له يوم واحد في الأسبوع لتنفيذ عمل جراحي مثلا، فاعتقد ان سرير وجسد المريض بحاجة له اكثر من كرسي الإدارة.