علي الزعتري يكتب: من يحكم الأقصى؟
لا بُدَّ من هذا السؤال لسببين. الأول هو ما صَرَّحَ به وزير
الخارجية السيد أيمن الصفدي أن سبعين حارساً لا يستطيعون الوقوف بوجه جيش. والثاني
قرار نتن ياهو بوقف الصهيوديين من الترحال للأقصى في العشر الأواخر لرمضان.
و لنتطرقَ لنتنِ ياهو أولاً. فهو يُقررُ أن لا صهيودي سيدخل
الأقصى في العشرة أيام الأواخر من شهر رمضان. و هذا معناهُ الوحيد أنه هو الذي
يُقَرر و ليس غيرَهُ من يدخل الأقصى و متى و أن الأقصى مكاناً و زماناً هو في
جُعبتهِ. فماذا لو غَيَّرَ نتن ياهو رأيهُ غداً فسمحَ للصهيوديين أن يدخلوا
الأقصى؟ سيدخلوه و لن يمنعهم أحدٌ حتى بمقاومةٍ مستبسلةٍ تنتهي غالباً باعتقالاتٍ
و اعتداءاتٍ على المقاومين و المسلمين المرابطين في المسجد. كما أن استمرار القوات
الصهيودية منع المسلمين من دخول الأقصى في كافةِ الأيام و لأوهى الأسباب ممارسةً
تؤكد السيطرةَ الكاملةَ على الأقصى. قرارَ نتن ياهو يعكسُ هامشيةَ قيمةَ الردَّ
الأردني عنده، بل عدم اكتراثهِ بهِ بما يخص الوصاية و القدس. أم أنهُ من زاويةٍ
تتردد يؤكد توصيات لاجتماعات العقبة و شرم الشيخ؟ فيما الأول بشأن الوصاية يبدو
معركةَ كَرٍّ و فَرٍّ بين قانونية الموقف الأردني و سطوة الصهيودية المكانية، فإن
انتشار الكلام بمواقع متعددة عن قرارات العقبة و شرم الشيخ المتعلقة بالأقصى تحتاج
توضيحاً حيثُ يقال أن المجتمعين أجازوا حظر الاعتكاف حسبما تريد الصهيودية. و هذا
كلامٌ لا يستوي و المواقف الأردنية لكنهُ يُتداول و يُعطي لقرارِ نتن ياهو شيئاً
من المصداقية علي حساب المستند الأردني.
أما السبعين بمواجهة الجيش فالتصريح بلا أدنى شك منطقيٌّ. كيف
لهم هؤلاء السدنة العُزَّل أن يقفوا بوجه قمعِ جيش. كما إنه جيشُ احتلالٍ له
عقيدتهُ الصهيودية التي تقول أن الأقصى لهُ وأنه سَيُهدَمْ لبناء المعبد. و
البديهي أنه لا يوقِفُ الجيش إلا جيشٌ مثله. لكننا عرباً ومسلمين بعيدين عن هذه المواجهة. بعيدون أردنياً لأننا ملتزمون
بمعاهدة سلامٍ مع الصهيودية، نحترمها و لا تحترمها هي. فهي لا تُلقي لها بالاً
فيما يخص أعطرَ أثرٍ قريبٍ لنا من إسلامنا بل تنفينا عنه و تعتدي عليه. و لا
تحترمها في مواد عديدة من المعاهدة كما يكتب المحللون و يكشف الخبراء الأردنيون و
هم يجادلون بها الحكومة، لكن بلا جدوى حقيقية، فالحكومة المتعاقبةُ منذ المعاهدة
مقتنعةٌ أنه بالمعاهدة و العلاقات السياسية يمكنها البقاء علي تواصلٍ فيهِ من التأثيرِ
علي الصهيودية ما يدرأُ الأعظمَ من شرورها. هذا بالإضافةِ لشراء الغاز و حصةِ
المياه و السياحة الصهيودية و عموم التبادل التجاري و هي منافعٌ ملموسةٌ و إن
كرهها المواطن و المسؤول. كلها قيودٌ كما تبدو للشارع الأردني و فُرَصٌ لا يمكن
التخلِّي عنها للحكومة. لهذا يبدو تصريح
الوزير الصفدي عن السبعين حارساً كمن يقول أن هذا في الوقت الحالي هو ما عندنا و
فقط. بينما يقول غيره، في مجلس النواب و الصحافة و رجالات العشائر و مسؤولين
سابقين، أن لدينا الكثير الذي يمكن أن يُرعبَ نتن و غفير والصهيودية برمتها.
فلماذا التقليل من السبعين إن بقلوبنا لا نفتأ نذكر "كم من فئةٍ قليلةٍ غلبت
فئةً كثيرةً"؟ فلو فَعَلّْناها هذه الآيةَ من مبدأ التحاور حول نقاط القوة
التي نتمكن منها لربما وجدنا ما يُعين عن الدفاعِ بشكلٍ أجدى و وبما حتى المبادرةَ
لاستعادة الحقوق؟ هذا نقاشٌ دائرٌ تعود الغلبةُ
فيهِ لحساباتِ الربح و الخسارة البالغة التعقيد و لا يحتملُ رميَّ الأمور علي
عواهنها و التقليل من تبعاتها. فإن أردنا تحديَّاً وجودياً للصهيودية فعلينا أن
نكون مثلها في كل مجالِ قوةٍ و مكرٍ و هذا أمرٌ شاقٌ و يقتربُ من الاستحالة في
ظروفنا التي نعيشها. و الاستنتاج هو الرضىٰ بما نحنُ فيه إلى أن يقضي اللهُ أمراً
كان مفعولاً.
لهذا فإن الواقع الحالي يؤكدُ أننا لا نملكُ زمانَ و مكانَ
الأقصى و لا يملكهما فلسطينيو القدس أو فلسطين و لا أصحاب بضعة مفرقعات رماها
مجهول وقيل أنها أخافت نتن ياهو و أركانهُ العسكريين. نفسهُ نتن ياهو هذا قال أنه
في الوقت الحالي لا يريدُ حرباً. فها هو يحدد الزمان للحرب. أما راميي المفرقعات
الذين ابتهجوا بالنصر فسرعان ما بترَهُ
لهم النتن ياهو بتحديدِ أين يضرب انتقاماً في غزة و سوريا، و متى و كيف يفتح
بوابات الأقصى و يقفلها و أين و متى و كيف يقتحم المدن و البيوت و يقتل و يعتقل. و
طالما كنا كما نحن فلا الزمان زماننا و لا المكان مكاننا و لو عشنا فيه، و لنعترف
أنهما للقويِّ الذي هو غيرنا. ليسَ يأساً من قِلَّةِ حيلةٍ، بل بؤساً من اختيارنا
قِلَّةِ الحيلةِ نهجَ حياة. فالله لا يُغَيِّرُ ما بقومٍ حتى يُغَيِّروا ما
بأنفسهم.
علي الزعتري
إبريل ٢٠٢٣
الأردن