علي زعتري يكتب.. ملاحظات رمضانية


 
بعد أيام يأتينا شهر رمضان المبارك الذي ننتظرهُ طوال العام و ما أن نصلهُ حتى نبدأَ عَدَّ ساعاته و دقائقه و أيامه. إنه أكثر الشهور ترقباً و عدَّاً لأيامهِ و أفضلها تنظيماً لليوم ففيهِ تذكيرٌ مقدس لقيمة الدقيقة في حياتنا، نحن الذين نسينا قيمة دقة المواعيد و صدقها. كما تبدأُ معه سلسلةٌ لا تنتهي من الاستفسارات المتكررة حول مبطلات الصيام. تظنُ أننا صرنا نعلم ما ينقض الصوم لكن البعض لا يزال في دائرةِ الشك. تفقيه النفس بالدين واجب لكن السؤال الخفيف الوزن عن ما يبطل الصوم لم يعد سؤالاً مقبولاً أو مرغوباً في زمانِ المعلومةِ المتوفرة و لا يحتاج لفتوى إذاعية و ترديد ما قد قيلَ آلاف المرَّات. نعيشُ وقتاً تحول فيه الصيام من ترويض النفس لعمليةٍ آليةٍ والأسئلة كذلك. نسألُ ما الذي يفسد الآلة و ليس ما الذي يسوء و يُفسِدُ النفس؟ أهو قطرةٌ العين أم الغش و التدليس؟ لن يقترب الناس لله بالممتنعَ عنهُ الجسدي و حسب لكن بمنطق التقوى و التسامي عن الخطأ والتسامح مع المخطئ. الصيامُ هو النظام المفيد للسيطرة علي العقل والجسد و هو الذي يمنعُ الانجراف و لو لساعاتٍ معدودةٍ و هو ليس مسألةً صعبةَ الفهم. لذلك أدعو السائلين بالبحث عن أجوبةٍ لنواقض الصيام بمراجعةِ النفوس. وكذلك بالقراءة عنها بمواقع ومراجع معروفة ومتاحة. الإجابة علي الأغلب هي أقرب للعقل من المجاهرةِ بالسؤال مما نتوقع.
 
و بمناسبةِ الشهر الفضيل تبدأ إعلانات الحث علي الصدقات و توفير طرود المواد الغذائية للمحتاجين. التذكير بالصدقات مطلوب. لكن البعض يخلط بين ترويجٍ و ترويجٍ. أحدهم تكلم عن توفير "بكج" غذائية. كان عليَّ قراءة الكلمة مرةً ثانيةً لأدرك أن "بكج" ليست الكلمة العربية "بُقجة" لكنها الكلمة الإنجليزية منها و أنها أُقحمِتْ بإعلانٍ عن الشهر الفضيل الذي نزل فيه القرآن باللغةِ العربيةِ الكريمة. استخدام كلماتٍ غير عربية صارَ آفةَ المجتمع الذي يستغني عن هويته وعن استخدام لغته الأصيلة في حياتهِ اليومية فما بالك بإعلانٍ لأَثَرَةٍ في الشهر الفضيل؟  كما أن الصدقات والزكوات هي من عملِ الخير الذي لا يجب ترويجه تجارياً و إعلانياً لكن السائد اليوم هو هذا الذي يسوق بضاعته ليجعلها عُمْلةً زكويةً. لا تُتْبِعوا صدقاتكم مَنَّاً و لا أذىً. و احترموا لغتكم التي نزل بها القرآن و أنزلوها أنتم منزلها السامي في رمضان و كل الشهور و الأيام.  
 
كما نرجو أن لا يتجول بين بيوتنا في ليالي الشهر الفضيل من تطوع لإيقاظنا رغماً عن إرادتنا. المسحراتي لم يعد مطلوباً و لا إزعاج طبلتهِ، بصراحة! هناك ما يكفي وزيادة من الوسائل ليوقظنا و ينبهنا لوقت السحور مما هو أفضل من سماعِ الطبلة المزعجة. ثم لو افترضنا أحقيةَ المسحراتي في أن يجولَ الشوارع، دون طلبٍ من أحد أو إذنٍ من مسؤول، وعلي عكس الماضي حين المسافات كانت ضئيلةً، فمتى يبدأ جولة التسحير؟ بعضهم يبدأ قبل السحور بساعتين أو أكثر ليغطي مسافاتٍ طويلة و هو ينادي و يطبل! ومن قال أن الجميع يود الصحو بهذه الساعة و ليس قبل موعد الأذان مباشرةً ليتسحر؟ بالطبع المريض و الطفل و غيرها من حالاتٍ لن تقوم للسحور لأنها لن تصوم أصلاً، فلماذا الإصرار علي إيقاظها غصباً في عادةٍ حَلَّ مكانها عاداتٌ و وسائل أجدى؟ و لو كان هذا الإصرار في محله لطلبنا أن يصعد المؤذن درجات المئذنة و يقف أعلاها ليؤذن لكنه اليوم لا يفعل بوجود الميكروفون و السماعات. بنفس المقياس، ليس للمسحراتي من دور إلا في الفولكلور التمثيلي.    
 
و نعرج علي لهفةِ أم هي "فجعةِ" التسوق الزائد و الاستعجال و السهرِ المبالغِ فيه. عاداتٌ يتسربُ من خلالها الصيام و يتسلل مكانها الحرمان المُتخيل. لا وجود لهذه اللهفة و الفجعة إلا لمن احتسب الصوم امتناعاً عن إشباع الجسد لا ترويضاً لملكةِ الصبر فالصوم راحة من صخب و ضجيج الدنيا و سكينة يحتاجها العقل و الجسد  و تأمل في الذات لا انغماسٌ في ما تريد  و صبرٌ علي شديدٍ في يومٍ قد يطول. الصوم آدابٌ و أخلاق. و الصومُ لله. ليس فَماً ينفتح ليبلع بلا حدود و لا جيباً مثقوباً و لا عُجالةً مسروقةً. الصوم هو التريثُ و الوقار. و الإستثمار فيه لا يخيب.
 
نسأل الله للجميع صياماً حقيقياً يهذب النفس و يعيدها ولو لشهرٍ قصير للنقاء الذي تستحق، لتستحق المغفرة والقبول.
 
علي الزعتري
الأردن
شعبان ١٤٤٤/ مارس  ٢٠٢٣