الشرفات يكتب: الميثاق الوطني .. ولادة منضبطة بعبق الهوية
د.طلال طلب الشرفات
بالتأكيد لن يكون الميثاق حزباً ملائكياً، وهو كغيره يشهد تجاذبات مناطقية وشخصية في حدها الأدنى المعقول في تجاربه الأولى ومراجعات يومية ذاتية، وحالات غضب منهجية وممنهجة، ورؤى متشابكة في سبل الاستقطاب، والمكانة التي يجب أن يحتلها الحزب في تيار الوسط المحافظ، وضوابط التنافس مع أحزاب الوسط الأخرى، وسبل التعبير عن ثوابت الهوية الوطنية في خطاب الحزب. لكن كل هذه التجاذبات والمراجعات تجري ضمن سقف العصف الذهني المشروع، والحوار الداخلي المنضبط.
ليس صحيحاً أن الميثاق حزباً ذكورياً ونسبة الإناث تلامس الثلث من أعضائه، ومن قال أن قيادات الحزب خذلت الشباب إذا اعتبرنا أن قيادة الحزب لا تنحصر في الأمانة العامة وإنما في اللجان القطاعية والشبابية والإعلامية والتعبئة والتنظيم وغيرها، بل أن إشراك الشباب في قيادة العمل الحزبي يجب أن تكون متدرجة ووفق قواعد التأهيل القيادي التي تمكن الشباب من قيادة المستقبل المنظور بوعي وحكمة وإتقان.
فمن أبسط قواعد الانضباط الحزبي أن يصدع الكافَّة لقرارات المكتب السياسي والمجلس المركزي مهما كانت وجهات النظر متباينة حول أي قضية أو قرار؛ لأننا بدون ذلك نكون أمام رغائبية مقيتة، وفردية مقززة تناقض أدبيات الفكر السياسي، وقواعد الإنضباط الحزبي.
على المستوى الشخصي قد يكون لي ملاحظات مشروعة تجاه عضو أو أكثر من قيادة الحزب، لكن كل تلك الملاحظات تتلاشى أمام قرار المجلس المركزي
باختيارهم وبعكس ذلك أكون أمام حالة من احتكار الحقيقة التي تناقض أخلاقيات العمل الحزبي المنظم ، إذ لو كلفني أحدهم بمهمة حزبية سأصدع لها بكل التزام إن كنت مؤمناً بمفهوم العمل الحزبي.
أثق أن الميثاق سيشكل حالة في العمل الوطني بعد أن سجل ظاهرة تُحترم في الانضباط والحماس للعمل، سيَّما إذا أدركنا أن معظم خبرات الميثاق السياسية والفكرية والأعيان والنواب تكدست في المجلس الاستشاري الذي لا يملك عملياً أية صلاحيات فعلية، بل يقتصر دوره على تقديم النصح والإرشاد الذي لا يلزم الأطر القيادية بتنفيذها. وحتى أثناء عقد المؤتمر التأسيسي فقد تبعثر هؤلاء في كل أروقة المكان؛ لتوجيه رسالة أخلاقية في المساواة بين الأعضاء، وحتى لا يقال أن هذه النخب تتصدر الصفوف.
بصفتي عضو في الهيئة العامة أرى أن قيادة حزب الميثاق الوطني مدعوة بشكل عاجل إلى الحضور الفاعل، والاستقطاب النخبوي الفاعل في محافظات الجنوب، والمفرق، ومأدبا، والبوادي الثلاث بشكل مكثف وباقي أرجاء الوطن بشكل مدروس، وتفكيك حالات الولاء لبعض الناشطين في الحزب وربطها بعقيدة الحزب، ووضع النشطاء من السياسيين والاقتصاديين أمام مسؤولياتهم الوطنية في دعم الحزب وخاصة أولئك الذين تسيدوا المشهد ولم يعترض عليهم أحد، إضافة إلى تأطير العمل البرلماني لنواب وأعيان الحزب وربط قراراتهم البرلمانية بقرارات الحزب وخاصة الهيئات المنتخبة منهم، ومحاولة الاندماج مع الأحزاب الرديفة وفي مقدمتها حزب إرادة، ومراقبة اليسار السياسي في استهداف نخب تيار الوسط المحافظ.
من فوائد العمل الحزبي تدريب النفس على مغادرة الأنا المتضخمة إلى فضاء العمل الجماعي في "نحن" التي لا يمكن أن تخذل أحداً، والعمل الجماعي هو وحده الذي يعكس رؤى جلالة الملك، ومضامين التحديث والإصلاح، ويحفظ هويتنا الوطنية الأردنية الراسخة العصية على العبث والنكران، فالأوطان التي لا يعمل لأجلها الشرفاء ستبقى فريسة للغزاة والعصاة، وشذّاذ الآفاق ورواد السفارات، وعلى هذه الأرض دائماً ما يستحق الحياة.