الاعلام ليس على اجندة الدولة ،،،
خليل النظامي
من المعروف ان للاعلام في الدول المتقدمة التي تحكمها وتدير شؤونها النظم السياسية ذات البنية الديمقراطية مكانة رفيعة واولوية تتقدم كل الاوليات نظرا لادراك صناع القرار في تلك الدول اهمية الاعلام والاتصال الاعلامي وما يحققه من تأثير على معتقدات وسلوكيات وتوجهات الرأي العام، وبناء الصور الذهنية الايجابي في اذهان الجماهير حول السياسات والقرارات والتوجهات لتلك النظم.
ومن المؤسف جدا ان الاعلام في دولتنا يسكن ذيل قائمة الاولويات والاهتمامات الرئيسية، نظرا لعدم ادراك الحكومات المتعاقبة والحالية وصناع القرار في المطبخ السياسي للدولة اهمية الاتصال الاعلامي ومدى تأثيره على الجماهير ومعتقداتهم.
لهذا نجد ان الصحفيين ووسائل الاعلام مستثناة من المشاركة في صناعة القرار، ومستثناة من وضع الخطط والاستراتيجيات الاعلامية والاتصالية للملفات الهامة في الدولة مثل ملف التحول او التحديث السياسي، وملف تطوير وتحديث القطاع العام وغيرها من الملفات الحساسة، وبات يستخدم الاعلام كاداة نقل لما يخطط الساسة وصناع القرار فقط، وليس شريكا في صناعة هذه الخطط.
والنتيجة واضحة امامنا كخبراء في الشأن الاعلام والسياسي المحلي والتي تشير الى فشل هذه الملفات وعدم تحقيقها اهدافها خاصة من ناحية التأثير المطلوب، ومن ابرز الملفات التي نرى انها فشلت في تحقيق التأثير ملف التحديث السياسي الذي يحمل في طياته فكرة سامية ورفيعة المستوى لكنها طبقت بطريقة عشوائية لا تستند لخطط اتصالية جماهيرية.
فالصورة النمطية السلبية المترسخة في اذهان الشباب الاردني حول المشاركة الحزبية منذ عشرات السنين، وتحتاج الى خطط واستراتيجيات اتصالية جماهيرية رفيعة المستوى ومتقدمة جدا، لكسرها وبناء صورة ذهنية جديدة ذات طابع ينسجم مع توجة الدولة والنظام حول التحديث السياسي والحياة الحزبية، وهذا لا يمكن ان يتحقق بدون العمل تحت قاعدة تقديم الاعلام واعطاءه المساحة والحرية اللازمة.
بعض صناع القرار والقائمين على ملف التحديث السياسي يعتقدون ان مجرد ذكر اسمائهم في قوائم الاحزاب سيقود الشباب الاردني بدون تفكير للانتساب للاحزاب، وبعضهم الاخر يعتقد انه يمتلك المهارات الاتصالية الاقناعية فتجده عبر وسائل الاعلام وفي الاجتماعات والمنتديات يحاول اقناع الشباب بالممارسة الحزبية بسلوكيات واسلوب مخاطبة لم يخرج من عباءة نمطية المخاطبة السلطوية، الامر الذي زاد من ابتعاد الشباب ونفورهم عن المشاركة في الاحزاب.
الاعلام ليس مجرد اداة نقل لما في اذهان الساسة وصناع القرار، وانما حواضن ومدارس في فنون الاقناع والمخاطبة والتأثير في المعتقد والسلوك، ولا يمكن ولا بأي حال من الاحوال ان تنجح دولة او يحقق برنامج سياسي او اجتماعي اهدافه دون وجود ادوات اتصالية واعلامية وموارد بشرية اعلامية متخصصة تعمل باسلوبها وطريقتها الخاصة، بعيدا عن كل تدخلات الساسة وما في اذهانهم من نمطيات مخاطبة.
والمسألة ليست في اخبار الناس ان "كلب قام بعض مواطن"، بل اقناعهم ان "مواطنا قام بعض كلب"، وهذه القاعدة والنظرية الاتصالية لا تتحقق الا من خلال المتخصصين في الاعلام وفن المخاطبة والاقناع، فهناك فرق كبير وشاسع بين الاخبار والاقناع.
المطلوب اعطاء الاعلام مساحة اكبر من الحرية المسؤولة، واشراكه في الخطط والاستراتيجيات للملفات الحساسة في الدولة، واعادة قراءة المشهد العام وتفاصيله الدقيقة لملف التحديث السياسي، واستخراج نقاط الضعف والعمل على اعادة النظر في تطبيقها باسلوب جديد، وأهم هذه النقاط فن المخاطبة والاتصال من قبل الدولة للمواطنيين عامة والشباب خاصة، واعادة دراسة التوجهات والمعتقدات والسلوكيات لدى الشباب الاردني بطريقة تقدمية، ومن ثم الاستثمار في المتخصصين الجدد، واستخدام الادوات الاعلامية الرقمية الحديثة بعيدا عن ادوات المخاطبة الاعلامية الكلاسيكية التي لا يطلع عليها سوى كاتبها.