علي الزعتري يكتب: قاتلوا مع الرب!
قاتلوا
مع الرب!
ترددتُ قبل
كتابة هذا المقال و أثناء كتابتهِ لأن موضوعَهُ فيهِ ما فيهِ من حساسياتِ أديانٍ و
أنفسٍ. لكن الكيلَ يطفحُ. دبلوماسيةَ الكلام والتعبير التي يحبون أن نتحلَّى بها
تثير الغثيان في وقتٍ تصطاد فيهِ الصهيونية من تريد، أين تريد و كيف تريد. نريدُ
أن نكونَ منفتحين و حضاريين و مرنين لنكسب وِّدَّ العالم لكن دماً يسيلُ من قلوبنا
يومياً فيُغلقنا و يستوحشُنا و يستعصينا. من بِهِ وجعٌ و لا يكون كذا؟
من سوء
عُمرنا إننا نعيشَ لنرى العنصريةَ الصهيونيةَ المتلبسةَ شكل دولة تندفعُ و تتلذذُ
بالوغولِ بدمائنا متى ما شاءت. وكذا إدراكنا أن عروبتنا مَنْفَخَةٌ مثقوبة
تُصْدِرُ الأصواتَ المخنوقةَ الهسيسةَ احتجاجاً بائساً لا يفيد مظلوماً. أما
الصهيونية فتذبحُ بلا تردد و دون حسابٍ لِمُحاسب. تفعلُ بفلسطين و سوريا و فعلت
ذلك في الأردن و مصر و لبنان و تونس و العراق و اليمن و في سماء سيناء بطائرة
ليبية مدنية و اغتالت العرب بعواصم العالم دون أي محاسبةٍ من أيِّ أحد. وستفعل ذلك
كله مراتٍ و مرات. إنها سياسةٌ علنيةٌ لكيانٍ الإجرامَ عندهُ هو المبدأ و الروحُ و
العصب. جوهرهُ هو الفكر الصهيوني. و هنا بيتُ قصيد. أولاً، الفارقُ بين يهوديةٍ
حنيفيةٍ تستحقُ تبجيلاً، و يهوديةٍ صهيونيةٍ عنصرية تتطلبُ مقاومةً. و ثانياً،
عروبةٌ بلا عروبة تحب العدو و تلجأ للتباكي والتشاكي و للحماية ممن يستعبدونها.
منذ بعثةِ
سيدنا موسى عليهِ و علي أخيهِ و وزيرهِ النبي هارون السلام ظهرَ في تابعيه من لم
يستطعْ أن يُقَدِّرَ حنيفية الدعوة. من أنها دينٌ أتى لقومٍ وقعوا تحت الظلم، و
ليس دستوراً لدولةٍ تبدأُ بالظلم. و إن كان من دولةٍ فالدين الحنيف الذي هادوا له
سيكون دستورها. لكن جُلَّهم أرهقوا سيدنا موسى و أخيهِ سيدنا هارون بشكوكهم و
ترددهم و تَحَدِّيهم فقالوا أنه كانَ مُؤذياً قبل بعثته وبعدها. ثم تاهوا. ثم تلى
هؤلاء أقوامٌ من ذريتهم كلما جاءهم نبيٌّ لِيُذَّكَرَهُمْ بما نزل علي سيدنا موسى
كذَّبوهُ أو قتلوه. فهم قومٌ أراد الله لهم خيراً بالهدايةِ و العلمِ فأبوا إلا أن
يقودوا أنفسهم و من حولهم للإنكارِ لما يجدون في الكتاب، و يسعون للشر، و لإيقادِ
نيران الحرب علي الصحيحِ من الدعوةِ و الأخلاقِ و المعاملاتِ و علي الإنسانيةِ و
الإنسان بدءً بأنبيائهم. ليست صورةً نمطيةٍ و لا اضطهاداً عنصرياً بل تاريخاً
مضطرباً مليئاً بالدسائس الأمر الذي لانحرافهم بُعِثَ لهم سيدنا عيسى إبن مريم
ليصلحهم.
لم تكن اليهودية خطةً سياسيةً بل قادها نحو ذلك
التحريف للدين و الشعور بالحاجةِ للتميز. التميز الذي عَظَّمَ الديانة فكفرَ بما
بُعَثَ بهِ سيدنا عيسى و سيدنا محمد عليهما صلوات الله ثم ثناها عن حنيفيتها
لتصبحَ عقيدةً سياسيةً و انتماءً قومياً بَنَتْ عليه الصهيونية عُنصريةً متناميةً.
إلتقى زعمُ السيادةِ بالدين المحرف و تَوَّخيِّ التفوق في العلم الممنوح لهم
بزمانهم مع التعالي عن باقي البشر بكل زمان. ليس من إنكارٍ لملكةِ اليهودية للعلمِ
القديم و الحديث و التأثير الإيجابي لهذا العلم علي مرِّ العقود، و ليس من
مَثْلَبَةٍ بقاء اليهوديةِ ديناً علي تحريفها. لم يشكلاٰ تهديداً لكن الوضع تغيرَّ
عندما فاقت الصهيونية السياسية ما هي يهوديةٌ دينيةٌ ملتزمةٌ و عِلْمٌ يُنْتَفعُ
به و انقسمت لِفِرِقٍ منها من هو مُسالمٌ غير صهيوني و أغلبها تبِعَ فكرة
الصهيونية بالحاجةِ للتفوِّقِ بكل الوسائل استناداً إلى مظلوميةٍ استشعروها منذ
فرعونَ و بابل و رغبةً بتفادي ذلك بأي ثمن. وبين اليهوديتين المسالمة و المتعالية
كان التأثير عبر العصور ضئيلٌا فليس لمسالمةٍ من أثرٍ أو تبعاتٍ علي الصهيونية
التفوقية العنصرية التي صارت قاتلة. يهودٌ قليلون عدداً اليوم يعترضون علي إقامة
دولة لليهود أساساً لأنها تأتي بغير طقوس ميعادها التوراتية و يهودٌ علماء و
مفكرون يحتجون علي الصهيونية التي تشوه بأفعالها العنصرية دينهم و إنسانيتهم. و
الحقيقة أن الصهيونيةَ السياسيةَ القبيحةَ هي التي تمثل اليهودية الدينية رغم أنوف
أولئك المحتجون، و للأسفِ كذلك، برضىً من مجتمعٍ يهوديٍّ لا يختلفُ اليوم عن القوم
الذين لم ينصروا أنبيائهم. فلو كانوا مثلما يدَّعُونَ أنقياءَ ديناً لوقف معظمهم
اليوم مع الحق الإنساني الذي يهتكهُ الكيان المسخ و لوقفوا ضد الإرهاب الصهيوني. تَحَرَّفَ
الإيمان اليهودي الحنيفي صهيونياً لإبقاء اليهود شعباً مختاراً عبر القرون، و
اختيارهم كان محصوراً بحقبةٍ انتهت، لكن جبَّاراً بالظلم و مستخفياً بالمظلومية
لاستعباد، و إن احتاج الأمر، لإفناء الشعوب التابعة. في زماننا، ماذا يدفعُ
الصهيونية المسخ لامتلاك السلاح النووي؟ إلاّٰ هذا الإيمان بالرغبة لتخويفِ الشعوب المعارضة و إن لم تخف فبلحظاتٍ قليلةٍ يمكنُ تحييدها
بالفناء. إن وقفتَ ضد العنصرية الصهيونية فأنت عدو اليهودية واليهود. بل أن الحديث
عن السلاح النووي، و هو دليلٌ للتعالي، يبقى محكم الإغلاق و حقيقةً غير مُعترفٍ
بها. هكذا هو التصنيف العالمي وعقوبةَ التشكيك فيه شديدة في قوانين كثيرٍ من
الدول.
نحن نؤمن أن
الصهيونية السياسية العنصرية استولتْ علي اليهودية و باتت تُمَثِّلُ اليهود.
فغالبية يهود اليوم هم بفضل الصهيونية محضَ إستعماريين خرجوا من رحم عنصريةٍ أوروبيةٍ
ضدهم ليستخدموها ضدنا. فهم المسخُ المتجدد للاستعمار. و لمَّا كانت مهمة الاستعمار
التمدد بكل وسيلة للوصول لتسيد و استعباد الأرض و العبد فإنَّ غايةُ الصهيونية
تسييد الصهيونية علي العالم بكل الوسائل و أغلبها قذر. و إن يصحو بعضُ العالم، و
الأَصَّحَ، أنه لا يجد مفرّاً من مواجهة الصهيونية و هي تفضح نفسها باستعماريتها
فإنَّهُ يفعل ذلك على استحياء و اعتذاراً لها عن التجرؤ ذكر عيب فيها. فالصهيونية
التي لم تكن يوماً إلا عنصريةً، و لو اكتشف بعض العالم هذا غصباً و متأخراً، لا
تزال في وجدانِ هؤلاء المعترضين علي استحياءٍ قوةً تملك نواصي تاريخهم و مستقبلهم
و ترهبهم للحَّدِ الذي يمنعهم من الانفصالِ التام عن فكرها المنحرف الذي هم قد
نبذوهُ من أنفسهم كما يقولون بعد قرونٍ من استعبادهم لقارات العالم. انظروا لحجمِ
التنكيلِ بالفلسطينيين بفلسطين من قبل مستوطنين "متدينين" رجالاً و
نساءً و شباباً و قدر البذاءة التي لا توصف التي تخرج منهم، و لزعماء دينهم الذين
فسروا زلزال تركيا و سوريا بالعقاب الإلهي الذي أنزلهُ رب اليهود نكالاً بأعدائهم
و انظروا لردود فعل العالم عليهم.
قناعتي أن من
"يُبَيِّضَ" وجه اليهودية الصهيونية باعتبارها طرفاً يبتهجُ
بالأُخُّوَةِ الدينية معها و يبني لها جذوراً متمددةً في بلادنا لا يختلف عن
الصهيونية في سِخامِ الفكر. و من يشتري منهم و يبيعهم سلاسل البضائع التي تساهم في
قتل البشر و التنصت علي الخصوصيات و لتجيير الانتخابات، من خلال شركاتٍ يرأسها
ضباط صهاينة، يصبح معهم و منهم. نقولُ لهم إن الدينَ عند الله الإسلام و أن
الصهيونية المتهودة زيفٌ و إنكار. و لن
يصلَ اللاهج العربي، علي هذا التمسح و التماهي و الاحتضان لهم، لاحترامٍ منهم، فالنظرة له ستكون دوماً
مبنيةً صهيونياً علي استحلال استغلاله و استعباده و إن عصى فقتله. ترثيِ للعرب
الآملة في حبهم و تسأل هل هذا الهيام هو عن جهل و جهالة أم عن خبث و مكارة و في
الحالتين الرثاء هو الأساس لا محالة.
و قد تمر
الصهيونية ببعض الأزمات هذه الأيام، داخلياً بين مجرميها، و دولياً جرَّاءَ
جرائمهم. القاتل المعروف إيهود باراك يريد أن يتشبه بالمهاتما غاندي ليسقط غريمهُ
النتن! هذه هي آخر الصرعات و هو الذي قادَ أشرسَ الاغتيالات ضد المقاومة. و
الصهيونية لا تنفك تستورد لمجابهة الأزمات إرثاً يعتمدُ علي سلاح الذاكرة و سلاح
التقنية. الأول هو هذا الذي يستحضرَ المحرقة التي تصبح المقصلة الصهيونية لمن
يعارضها. ملايين البشر قضوا في الحرب العالمية الثانية و في المعتقلات سيئة
التاريخ. لم تبخل النازية الألمانية و لا الإمبراطورية اليابانية في
معتقلاتهم عن تعذيب الأسرى. اليهود كانوا
ضحايا كراهية و كذلك كانت شعوبٌ أُخرى خلال الحرب العالمية، و أوشڤيتز لم يكن
المقر الوحيد لقتل البشر و لا اليهود كانوا لوحدهم الضحايا بهذه المعتقلات. لكن
آلة الصهيونية تنجح في جعل معسكر أوشڤيتز الدرس الوحيد للبشرية. و تنجح حين تقول
أنه لن يُعاد. و من هذا الذي يريدُ إعادته؟ لا أحد. قطعاً لا أحد. بالمقابل ينسى
العالم، والصهيونية تُطَوِّعُهُ لينسى، أنه حين اضطهدت الكاثوليكية الإسبانية
المسلمين و اليهود في القرن الخامس عشر لم يُنقذ اليهود إلا المسلمين بشمال
إفريقيا و العثمانيين بتركيا و أنهم طيلة وجودهم بفلسطين و البلاد العربية لم تمتد
يدٌ عليهم بل أنهم كانوا مثل بقيتنا العرب المسلمين والمسيحيين مواطنين و كلُّ له
دين. وقبل ذلك بقرونٍ اعتادت الدولة الإسلامية علي وجود اليهود أطباء وعلماء و
مترجمين. لم يمسهم أحدٌ بسوء لأنهم يهود أو سبتيين. لكن الصهيونية تستدعي المحرقة
حين تُعلنُ أن بعض العرب من أعداءها يريدون وأدها و لا تذكر أنهم احتضنوا اليهود
الهاربين من أوروپا التي بالفعل اضطهدتهم. و اليوم ترى أوروبا هذا المنطق الصهيوني
حقيقةً، كأنه تأنيباً لنفسها، عن سابق ذنوبها و لتدفع عنها التهمة، ترميها هذه
الصهيونية و أوروپا علينا. و لهذا تؤكدُ الصهيونية أن لديها الحق لاحتلال أرض
ميعاد للفئة المؤمنة التي نسخ الله تراثها بالمسيحية ثم الإسلام، و إفناء أهل أرض
فلسطين و العدو، العربيُّ الممانع أو المقاوم عموماً. والعالم يصدقها. أو يتماشى
معها لعقدة الذنب الأوشڤتزية و ما سبقها من اضطهادٍ أوروپي ناوشَ اليهودَ لقرونٍ
عديدة. و الصهيونية تقول أن النسخة الحديثة لأوشڤتز هي قيدَ التطوير عند بعض
العرب، و عند إيران، و العالم يرضى للصهيونية أن تستبقَ و تضربَ مخططي هذه
الهولوكوست المزعومة، وأن تخلق للفلسطينيين تحديداً، في خضم حربها المقدسة،
اضطهاداً لا يتوقف. و بعض العرب لا يجدُ ضيراً في هذا الطرح، لذلك نرى العجب
الفضائحي من الانفتاح علي الصهيونية بحجة أنها اليهودية. و كلاهما كاذب. في رَحِمِ
تسويقِ هذه النظرية يأتي تسويق التقنية الصهيونية التي وصلت بالفعل لمستوىً فعَّال
في كل المجالات المدنية و العسكرية و تغلغلت و أصبحت كينونةً لا يمكن الاستغناء
عنها و العالم يريد هذه التقنية لأسباب مختلفة فيغض النظر أو يجد تفسيرا للتعاون
مع الصهيونية يفوق أهميةً سفكَ الدم. و بعض العرب هم من هذه الفئة الضالّة عندما
يفتحون القلوب و الأسواق للصهيونية.
بإمكاننا أن
نذكر السلسلة التي لا تنتهي من أوشڤيتز العربية المصنوعة صهيونياً. حاولت مرةً
فحجبني موقعٌ عالمي شديد الانتشار لأنه لم يحتمل النشر عن المأساة الحديثة. اليوم
يكفي أن تنتقد لتوضع أمام اسمك نجمةٌ سوداء وربما رقيبٌ لمراقبتك. المغزى هو أن
انتقاد الصهيونية غيرَ مسموحًاً به، وأنها مهما اختلفت و ظلمت علي حق، و أنه بسبب
هذا الحق فإن حديثها عن أن حرباً ما قادمة، بإسم منع المحرقة، مقبولٌ. والحرب هي
الاختيار الصهيوني للخروج من أزماتها الداخلية "الديموقراطية" إن كنتم
تصدقون أنها ديمقراطية. و بما أن العالم يصدق هذه الديموقراطية فهو يصدق و يصادق علي حربها ضد الأعداء. أما
كيف سوف يتجنبَ الحربَ أصدقاءُ الصهيونية في المنطقة فهو موضوعٌ جديرٌ بالبحث بلا
شك. أَتعتقدَ أنك ستفلتُ من أذى الحرب ضد الجيران و أنتَ حليفٌ للصهيونيةِ أو
عدوَّ عدوِّها علي الأقل. و كيف ستنتهي هذه الحرب التي يستحضر النتن لها الآن كل
ما يملك و هي له و لمن سيحاربه حربَ بقاء؟
في الجعبةِ
الصهيونية الكذب و الدم. و يجني من العرب
من يغمسَ يديهِ في هذه الجعبة الكذبَ والدم. إن كان من إيمانٍ عند العرب بالحقِّ و
حسابِ الآخرة و العذاب الذي ينتظر الناكصينَ عن استرداد حق الله، فيبدو أن ممارسةَ
السياسةَ الحضاريةَ تَبُزَّ كل إيمانٍ. و إلاّٰ لبقي العرب يقاومون الصهيونية كما
قاوموا الاستعمار من قبل. أما كيف يختفي الإيمان و يحل محله التفاهم و التراحم مع
الصهيونية و بإسم الدين لَهُوَ أمر عجيب. عجيبٌ أن تجنح الأمة المأمورة بالجهاد
للسلم في وقت الجهاد المحتوم.
لترتيب الحرب
الصهيونية هناك دربٌ مرسومٌ من الإقناع العنيد للدول والمجتمعات للتخلَّي عن الأرض
و عن كل مقاومة لاغتصابها. هذا يعني تركَ المقاومة لمصيرها. و هنا يختلف تصنيف
المقاومة. لا يمكن إنكار العداء الطائفي السني الشيعي عموما و يزيده اشتعالا دخول
كلمة المقاومة عليها. لكن هذه المجموعة هي للآن من يقاوم سياسياً و عسكرياً كمبدأِ
كينونة، بالحديث عن المقاومة و ممارستها. الباقي منا يقاوم سياسياً لو أضطر و
يَغْمِدُ سيفه ما استطاع. بعض المقاومين يُعَدُّونَ مذهبيةً طائفيةً مرفوضةً و
متلاعبةً، و هذا سيجعلُ تركهم للضباع الحضارية بقيادة الصهيونية أقلَّ تأنيباً
عندما يقتلُهم الصهيوني، إن استطاع. و غزة و باقي فلسطين، السُنِّيين، سيوصلانِ
لخانة اليأس من مقاومةٍ هي عند معظم العرب الرسميين بلا نتيجة و لا مكان لها في عالمهم الدبلوماسي المتحضر.
اليوم تصدمنا لعبة الاصطياد الروتيني في قلوب فلسطين و يصدمنا أن بعض الإعلام
يسميهم، أولئك الشباب المقاوم، "ُمطاردين"، و كأنهم طرائدَ في البراري
تتبعهم قافلةٌ من الصيادين يمارسون تسليةً
و هوايةً. تتفيهٌ بائنٌ يخرجك عن الطور.
هناك من
يُرَوِّج أن ذبح رأس الأفعى، أي إيران، سَيُسْقِطَ سوريا و حزب الله لأنهم أصلاً و
علناً، كما معظم الإعلام العربي يقول، طائفيةٌ لا مكان لها في المحيط الأصيل و
تستحق مبادئها الزوال، و كما الصهيونية تقول هم المحرضون لوأد اليهود. و غزة و
الشباب المقاوم في المدن هم سمكٌ صغيرٌ جاهلٌ بالحضارة السياسية في هذا المحيط و
لا مكان لهم بين الحيتان السياسية المنمقة، و سيتم لذلك تجويعهم و ضربهم ثم
تجويعهم إلى أن يرفعوا الرايات البيضاء. وسوريا ستعود "للحضن" العربي و
تدريجياً ستدرك منافعَ هذا الحضن بابتعادها عن إيران و الحزب "الزائلين"
و عن كل لافتات القومية المرفوعة لأن السوريين "كفروا" بها جميعاً و
يريدون شيئاً من الاستراحة بعد استبعادهم لسنواتٍ عن حضن العرب الدافئ.
يبدو
السيناريو دموياً و به من الكذب والتدليس الكثير و لكن به من الواقعية الكثير كذلك
فالحروب صعبةٌ و مؤلمة. منذ نصف قرن بنى
العرب مخططهم و رَبُّوا شعوبهم لتجنب الحروب طمعاً في خيرات السلام، و معهم كل
الحق لو لم يكن لهم عدو يتربص بهم. فالتفتوا عن العدو ثم مالوا له ثم باعوا للسلام بلدانهم و
"رَيَّحُوا" بالهم. لكن السذج المقاومين استمروا مزعجين؟ دولاً كانوا أم
مجموعات، فكانت سلاسل التكسير للقوة العربية تأتي بالتدريج لترويضهم حتى الموت. و
لم يُجْدِ هذا تماماً فكلما انكسرت حلقةٌ بانت واحدةٌ جديدة حتى ظهرت "عرين
الأسود" في الحلق الفلسطيني الداخلي مما يزعج جدا بال العرب المسالمين و
الصهاينة. و في الخلفية دولةٌ مارقةٌ كإيران تلعب علي الخيوط الطائفية و الإقليمية
و التسليح الممنوع و هي لهذا صهيونياً وبعض عربياً هدفٌ حلال. و كما يبدو في
السيناريو فأن هناك تغييرا شاملاً أو حتى إعادة تخليقٍ للمنطقة فكيف يأتي هذا
التغيير بسلامٍ يتكلم عن نزع عقيدةٍ دونها الدم؟ لن تنتهي جنازات الشهداء إلا
بانتهاء من يقاوم و لذلك اصطياد "المطاريد" و اغتيالهم، و الحرب
القادمة. و من في عالمنا العربي يَعُّدُ الكذباتِ و دلاء الدم السابقة و اللاحقة
التي أسست لدولة صهيون و السلام الذي لحقها؟ لا أحد كثير. الكل، تقريباً، ينسى و
يعدد المنافع من السلام ولو علي جثة كل كرامة وكرامة كل جثمانٍ شهيد. و لا أحد في
العرب الحضاريين يريد حرباً توسِّخُ الطلعات الأنيقة التي يحبها العالم. هم يريدون
السلام و أغاني المحبة و توزيع البسمات و لو كانت كلها مهانةً، طالما أنها مهانةٌ
حضارية. و الصهيونية، التي تريد الحرب لتغيير العرب و الأرض، تفعل ذلك بالفطرة
الصهيونية الاستعمارية، و تقول لهم انها تفعل هذا نيابةً عنهم لحمايتهم من الغول
الإيراني و المقاومة الذين يقودون المنطقة
للفوضى و يخططون لزوال "إسرائيل" و زوالهم.
العرب اليوم
وجلون. يتساءلون كيف سيتخلصون من المقاومة أينما ظهرت و يتفادون الحرب التي يريدها
الصهاينة ذكيةً و قاسمةً و قاصمة و ستنالَ
من العرب مهما نأوا عنها. متى يدرك العرب أن مصلحتهم ليست باصطحاب الصهيونية
لبلادهم لحمايتهم بل بتوافقهم مع مبدأ و فعل مقاومة الصهيونية و قيادة المبدأ لا غيرهم. فعلى أي
جهةٍ سنكون؟ جهة الذي يهلل للصهيونيةً أم
جهة الذي يحاربها؟ لو قال العالم كله غير ذلك، ينبغي أن نعود لنؤمن أن المقاومة حق
والمعادلة واضحة: إما أن تقف ضد الصهيونية فأنت عندها مع الحق وإما أن تقف مع
الصهيونية فترتكب الخطأ الدنيوي و الخطيئة الكبيرة. إما دخول المسجد مكبرين أو سائحين!
علي الزعتري
الأردن
فبراير- مارس
٢٠٢٣