“ناسا” تتمكن من تتبع العواصف الترابية وتأثيرها على العالم.. الشرق الأوسط يتعرَّض لخسائر بنحو 13 مليار دولار سنوياً

 تمكَّنت وكالة الفضاء "الأمريكية" ناسا من رصد خطر العواصف الترابية في جميع أنحاء العالم، من خلال جهاز جديد عالي التقنية يسمى "إي إم آي تي EMIT"، حيث رصد خسائر بالمليارات في عدد من المناطق من بينها منطقة الشرق الأوسط.

 

وجهاز EMIT هو مقياس طيف تصويري جرى اختراعه من قبل وكالة "ناسا"، ويستخدم على نطاق واسع في البعثات الفضائية للوكالة لقياس الضوء في الأطوال الموجية المرئية والأشعة تحت الحمراء، بحسب شبكة "سي إن إن" الإخبارية، الإثنين 20 فبراير/شباط 2023.

 

وتساعد تلك الأداة "الجهاز" في رسم خرائط ألوان العواصف الترابية، إذ يمكن للعلماء استخدام البيانات الموجودة في نماذجهم المناخية لمعرفة كيفية تسخين المعادن المختلفة للكوكب أو تبريدها.

 

أنواع الغبار

في هذا السياق، ترى عالمة المناخ وأستاذة الهندسة، في جامعة كورنيل الأمريكية، ناتالي ماهوالد، أنه من خلال معرفة المزيد عن العواصف الترابية فإنه يمكن التخطيط للمستقبل.

 

وأوضحت ماهوالد أن كل "نوع من أنواع الغبار له توقيعه الفريد الذي يعكس الضوء، فعلى على سبيل المثال، يعكس الغبار الأبيض الإشعاع الشمسي أو الحرارة، بينما يمتص الغبار الأحمر والغبار الداكن الحرارة".

 

كما أكدت ماهوالد أن مقياس "إي إم آي تي" سوف سيحدث ثورة في ما يمكننا القيام به.. إذ يمكننا استخدام البيانات لفهم تأثير غبار الصحراء بشكل أفضل.

 

وكان قد جرى إطلاق مقياس "إي إم آي تي" في يوليو/تموز من العام الماضي، وهو متصل بمحطة الفضاء الدولية ويدور حول الأرض 16 مرة في اليوم، لرسم خرائط التركيب المعدني لسطح الكوكب، من خلال جمع البيانات حول الأطياف، وقياس أطوال موجات الضوء المختلفة التي تنبعث من ألوان مختلفة.

 

فيما تأتي معظم البيانات الموجودة من الأراضي الزراعية ذات قيمة للأغراض الزراعية والتجارية.

 

وستساعد ثروة المعلومات التي يوفرها مقياس "إي إم آي تي"، والتي تتضمن بيانات من أكثر المناطق الجافة في العالم، العلماء على المعرفة المزيد عن الغبار وتأثيره على المناخ، وهي قضية تؤكد ماهوالد أنه قد جرى تجاهلها إلى حد كبير حتى الآن.

 

وتسمح هذه المعلومات للباحثين بتحديد التركيب المعدني والكيميائي للمواد الموجودة على السطح، من خلال مسح شرائط بعرض 50 ميلاً في غضون ثوانٍ.

 

كما ستزود "إي إم آي تي" العلماء بمليارات من نقاط البيانات لاستخدامها في تنبؤات النماذج المناخية؛ مما يوسع بشكل كبير مجموعة البيانات الحالية التي تأتي من 5 آلاف موقع لأخذ العينات فقط.

 

بين الفوائد والأخطار

وتعتبر العواصف الرملية والترابية أمراً حيوياً لكوكب الأرض، حيث تحمل تربة مغذية عبر البلدان والقارات وتساعد على ازدهار الحياة النباتية، فعلى سبيل المثال يغذي الغبار من الصحراء الكبرى الأشجار في غابات الأمازون المطيرة، حيث تفتقر التربة إلى العناصر الغذائية الضرورية.

 

وفي هذا الصدد توضح عالمة المناخ في جامعة خليفة بأبوظبي، ديانا فرانسيس أن "النظم البيئية تعتمد في الواقع على رذاذ الغبار".

 

ولكن وفي المقابل، إذا أصبحت العواصف الترابية أكثر قوة وشدة وتكراراً، فإن ذلك سوف يؤدي إلى تسريع ظاهرة الاحتباس الحراري.

 

ويسلط تقرير صادر عن الأمم المتحدة الضوء على كيفية تغيير أنماط العواصف في توزيع معادن الأرض وتقليل هطول الأمطار، في حين يمكن للهباء الجوي أن يعمل مثل غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي عن طريق امتصاصه الإشعاع الشمسي.

 

 

كما أن تغير المناخ سوف يؤدي لمزيد من العواصف الترابية الشديدة من خلال تدهور الأراضي والجفاف.

 

وتوضح فرانسيس: "هناك أدلة على أن هذا يحدث بالفعل"، مشيرة إلى العاصفة "غودزيلا"، التي تعد أكبر عاصفة ترابية في جميع أنحاء العالم منذ 20 عاماً.

 

وكانت تلك العاصفة قد عبرت المحيط الأطلسي في يونيو/حزيران 2020، محدثة عتمة في السماء، امتدت من منطقة البحر الكاريبي إلى ولاية تكساس الأمريكية.

 

ويمكن أن تسبب العواصف الترابية أمراض الجهاز التنفسي، وتضر بالماشية وتفسد المحاصيل، ناهيك عن تعطيل حركة المواصلات، ففي منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تقدر الخسائر الناجمة عن تلك الرياح بنحو 13 مليار دولار سنوياً.

 

 

"غبار في القطب الشمالي"

كما أشارت فرانسيس إلى أن قوتها آخذة في الارتفاع، إذ إنها وجدت في بعض أبحاثها السابقة أن الغبار القادم من الصحراء قد وصل إلى القطب الشمالي، بسبب التغيرات في دوران الغلاف الجوي.

 

ولفتت إلى أن العقدين الماضيين قد شهدا حدوث تعتيم في القطب الشمالي، لافتة إلى حلقة تغذية مرتدة أخرى.

 

وتابعت: "نحن نعلم أنه عندما يكون الجليد مظلماً، فإنه سيعكس كمية أقل من ضوء الشمس، وبالتالي سوف يذوب بشكل أسرع".

 

وقدم المقياس الطيفي لوكالة ناسا مجموعة بيانات حتى الآن كل منها يحتوي على أكثر من 1.4 مليون طيف.

 

ويستخدم العلماء البيانات للمساعدة في تعيين الغبار وتكوين التربة في جميع أنحاء العالم، بيد أن تلك البيانات يمكن أن تُستخدم أيضاً لرسم خريطة لعامل آخر يؤثر على تغير المناخ، وهو غاز الميثان.

 

 

على الرغم من أن "الميثان" يشكل جزءاً بسيطاً من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، إلا أنه يمتلك قوة تسخين أعلى بـ80 مرة من ثاني أكسيد الكربون على مدار العشرين عاماً الأولى بعد دخوله الغلاف الجوي.

 

ويمتص الميثان ضوء الأشعة تحت الحمراء بنمط فريد من نوعه، مما يوفر "بصمة طيفية" يمكن لمطياف التصوير في "إي إم آي تي" تحديدها بدقة.

 

وفي حين علمت وكالة ناسا أن تقنية التصوير في "إي إم آي تي" ستكون قادرة على رصد انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، إلا أن أداءها "أفضل من المتوقع"، كما ذكر روبرت غرين، كبير الباحثين في مختبر الدفع النفاث التابع لناسا والمحقق الرئيسي في مهمة EMIT.

 

وحتى الآن، رصد نظام EMIT خمسين مصدراً للانبعاثات الفائقة في جميع أنحاء العالم، يأتي معظمها من الوقود الأحفوري والنفايات والمرافق الزراعية، في مواقع تشمل الولايات المتحدة وإيران وتركمانستان.

 

بينما يبقى ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي لعدة قرون، يتبدد الميثان أكثر، مما يعني أن تقليل انبعاثات الميثان هو طريق سريع لإبطاء تغير المناخ.

 

وتأمل ناسا أن تشجع هذه المعلومات الدول على وقف انبعاثات غاز الميثان.

 

وفي حين أن من المقرر في البداية أن تستمر مهمة "إي إم آي تي" لمدة 12 شهراً فقط، يقول غرين إن هناك خططاً لتمديد المهمة.