د.أنور الخُفّش يكتب : المسفر يدق طبول الإنذار أمن الخليج العربي من البوابة الشمالية (الأردن)

إن العنوان الذي طالما يطرحه الدكتور محمد المسفر مشكوراً ، (الأردن وأمن الخليج العربي) ويحاول مجدداً التذكير بأهمية الأردن وضرورة دعمه وإعتباره عنصراً مركزياً من الأمن القومي لدول مجلس التعاون الخليجي ، بعد التهاون بتفكيك البوابة الشرقية ، مذكراً بأهمية البوابة الشمالية (الأردن) من الجوانب الأمنية والعسكرية والإجتماعية (الحرب على المخدرات ) في ظل خيارات ضيقة وغير مستغلةو كذلك هوامش أمنية ضيقة.
ما تم طرحه سؤالاًملحاًلأهميته الإعتبارية والإستراتيجية كما أن محاولة الإجابة عليه من صلب موضوع رسم السياسات الخليجية بالأردن ، كما وإن الغاية والهدف هنا بأن نبادر ونقرع جرس الإنذار ، كون حال وضع العالم العربي على مختلف جوانبه يمثِّل حالة من التنسيق المفقود وفقدان البوصلة كون قيادة الشراكة العربية غير قادرة على صناعة الأفكار المؤثرة ، كما أنه يجب مواجهة الوضع بصراحة تامة وبشكل مباشر للنتائج المحتملة في حال إستمرار الوضع الراهن فإن الزلزال والكارثة بل الإنهيار الإقتصادي والمالي هي النتائج المرتقبة.
ما بعد الحرب الأوكرانية الروسية ،نحن الآن على مشارف عتبات عصر جديد ومتغيرات إقتصادية وإجتماعية وسياسية وإدارية تتصف بالمهددات الحقيقية والشمولية وغير محدودة النطاق وطنياً وإقليمياً ، إن الإستنتاج العام الذي أظهرته نقاشات معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي مؤخراًكان مشابهاً لإستنتاج الأعوام الماضية، وهو أن "التوازن الإستراتيجي العام لإسرائيل إيجابي، ويُنظر إلى إسرائيل على أنها قوة إقليمية ذات تفوق عسكري بارز على خصومها وأعدائها"، مع تمايزها بترابط العلاقات بين البيت الأبيض والحكومة الإسرائيلية.

النظرة في كون ، أن التحديات في الشرق الأوسط، وعلى رأسها إيران كمشكلة إقليمية مركزية؛ المتغير الجديد كون علاقاتإسرائيل الإستراتيجية مع موسكو في مجال الشكوك والإضطراب ، بالإضافة لدول عربية براغماتية؛ تعتبر إسرائيل صديقة محتملة أكثر منها عدو، وشريكة في وقف جهود إيران بتحقيق تأثير إقليمي واسع وهذا الأمر بدأيتغير من بوابة الإتفاق النووي وكذلك الدبلوماسية الخفية بحوارات جدية بين بعض دول الخليج وإيران وتلعب مسقط دوراً مركزياً على وجه الخصوص وتبقى قطر ملعب المونديال للسياسة الدولية بخُطى راسخة على الأرض ، كذلك العالم بما فيه إدارة بايدن توصم إسرائيل بتهمة الجمود السياسي في المنطقة.

من باب الشُكر والعرفان للدكتور المسفر أقتبس حول ما كتبه  عن أهمية البوابة الشمالية وتعاظم تكلفة خسارتها أو إبقاء حالتها الإقتصادية الرخوة التي تعتبر من المهددات الداخلية لأمن دول الخليج . حيث أستذكرأن الشعب الأردني الشقيق ممثلاً بجيشه وكوادره الأمنية ساهم في الحفاظ على إستقلال الكويت عام 1961 دون مِنّه منه، وفي سلطنة عمان كان الجيش الأردني بموجب طلب من سلطان عمان يتصدَّى لثورة ظفار حتى وضعت الحرب أوزارها واستتب الأمن والإستقرار، مملكة البحرين إستنجدت بالأردن لإرسال قوات عسكرية وأمنية لمساعدتها في تثبيت قواعد الأمن والإستقرار كلما حلَّ بالبحرين أزمة أمنية داخلية أو خارجية، ودولة الإمارات العربية المتحدة استعانت بالأردن في تشكيل وتدريب قواتها الأمنية والعسكرية وطلب الشيخ زايد من الملك حسين رحمهما الله أن يختار له من الجيش الأردني ضباطاً لتشكيل وتدريب جيش الإمارات الحديث ، وأخيراً وقريباً الى الذاكرة استعانت دولة قطر بثلة أمنية أردنية لمساعدتها في الحفاظ على الأمن في فترة ” مونديال قطر 2022.

هل مخاطر الأردن الجسيمة خارج السيطرة ،حيثكشف تقرير المخاطر السنوي ٢٠٢٢ الصادر عن المنتدى الإقتصادي العالمي أن الأردن مقبل خلال هذا العام 2023 على خمسة مخاطر جسيمة والتي تشمل المديونية ( الديون) المتعاظمة والتي تتزايد طرديا" بلا ضوابط ،  البطالة وتردِّي مستوى المعيشة واللذين أصبحا ينموان خارج نطاق السيطرة ،إنكماش الموارد الطبيعية وتفاقم أزمة شُحّ المياه وبدون البحث بخيارات البدائل والركود الإقتصادي والتراجع المستمر والممتد بحجم الإنفاق الإستثماري.

كما نلحظ ظاهرة تلاشي الطبقة الوسطى في معظم الدول العربية ، نتيجة لقصور المشروع التنموي على مستوى الدول والمجموعة العربية كما أنها خلال الأعوام القليلة القادمة هذه الطبقة مهددة بخسارة معظم ممتلكاتها للأعمال والصناعات الصغيرة ومهددة أيضاً في ظل مخاطر المنافسة الإقليمية والعالمية. في هذا المقام ، استوقفني ماورد في خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله في قمة الأمن النووي بواشنطن شهر 11/2010  ( أن مستقبل الأردن يرتكز على الإصلاح السياسي والإجتماعي والإقتصادي وتقوية الطبقة الوسطى ). دعوني أستذكر مقولة للرئيس الأمريكي توماس جيفرسون " إنني أعتبر الأقتصاد أهم وأول الفضائل التي يجب علينا مراعاتها، وأما الديون أعتبرها الخطر الأعظم الذي يجب علينا الإحتراز منه".
في الختام،إن الإصلاح الإقتصادي العالمي يعتمد على تعزيز التعاون الدولي . وإصلاح سوق العمل وتشجيع الإدخار المحلي وعودة الأموال المهاجرة وإعتماد التصنيع والتصدير خيار للمستقبل والعمل على تطوير التعاون النقدي الإقليمي والدولي ، إلا أن ذلك يتطلب أيضا إصلاح المؤسسات الإقتصادية الدولية بعيداً عن التحالفات السياسية وتيسير المعونات الخارجية الفنية والمالية وكذلك الجهد المطلوب دولياً لإيجاد أسلوب جديد للتعاون العالمي من أجل الإعداد للقرن الحادي والعشرين .
مع كل ذلك  ذلك، ليس هناك أساس لافتراض أن ميزان الفرص والتهديدات في البيئة الاستراتيجية للأردن مع  حسن إدارةمميزاتها الإيجابية التي تحتاج الى جهد منتج وفعال ،خلاف ذلك  ستستمر المهدِّدات الإقتصاديةلفترة طويلة ،ولذلك يجب الإستعداد بمرونة تامَّة لمختلف السيناريوهات المتوقعة،في منطقتنا العربية الجهد المطلوب بذله بإيجاد الآلية والكيفية في إخراج إقتصاديات المنطقة العربية من الإعتماد على النفط والمساعدات الخارجية. ينبغي على الحكومات العربية أن تبادر بفتح أسواقها والعمل بصورة جدية وناجعة من تكامل المبادلات التجارية والمالية والإقتصادية عموماً بين بلدانهم بحيث تصبح البلدان العربية حلفاً إقتصادياً موحداً في إطار منظومة إقتصادية تخدم عموم مصالح الدول العربية كافة ، بدور يتعدى كون الإقتصاديات العربية توفر إمكانية الإستثمار وتشجيعه بل لا بد من التعامل بشفافية ورؤية مستقبلية، وإستحداث تشريعات وأنظمةوقوانين تعنى بتحسين المناخ الإستثماري وتعمل على توفير ضمانات للإستثمارات وتحسين أداء القضاء التجاري ووسائل تنفيذه.
ليس من المبالغة القول بأن التفاوت الكبير بين إجمالي دخل الدول النفطية والدول غير النفطية يغلب النظرة القطرية الضيقة والمصلحة القطرية على التفكير بأي من مجالاتلتعاونإقتصادي إجتماعي مشترك ،على اعتبار هو السبيل الوحيد والأفضل لمواجهة التحديات الإقتصادية الإقليمية والدولية لا سيما أن قوة وإمكانيات العرب الذاتية الشمولية أكبر من كل تصور رغم مظاهر الضعف السائدة.
القول الفصل بل الخيار المستقبلي ، إحياء مشروع  التوازن الإقتصادي بين دول الخليج المتفاهمة والأردن ، والمتفهمة لأهمية الحفاظ على البوابة الشمالية على اعتبارها أحد خطوط التماس لأمنها القومي ، بصورة واقعية جديدة للتعامل الإيجابي مع المخاطر والمهددات نحو آفاق أوسع لأمن المنطقة ضمن إطار ميزان الفرص والتهديدات في البيئة الاستراتيجيةللأردن ودول الخليج المتفاهمة معه . نعم سيبقى  الأردن بقيادته الهاشمية الحكيمةرأس مال وعضيد لدول الخليج العربي ، والله ولي التوفيق.
الرئيس التنفيذي / مرصد مؤشر المستقبل الإقتصادي
anwar.aak@gmail.com