ما مدى الارتباط بين معدلات التضخم وارتفاع أسعار السلع التموينية ؟
زينة البربور
تسائل كثيرون عن مدى الارتباط بين معدلات التضخم وارتفاع أسعار السلع التموينية حيث يتذرع العديد من التجار بالتضخم لزيادة الأسعار باستمرار وخلق فوضى عارمة في الأسواق حول هذا الموضوع أوضح الدكتور في العلوم الاقتصادية والمالية نمر بدوان لـ " الأنباط " أن هناك علاقة عكسية تاريخية بين أسعار السلع الأساسية والسلع التموينية وأسعار الفائدة والتضخم، ويعود السبب الى ارتباط أسعار الفائدة ومعدلات التضخم وأسعار المواد الخام ارتباطًا وثيقًا لأنها
تكلفة الاحتفاظ بالمخزون.
وبين أنه عندما ترتفع أسعار الفائدة إثر زيادة معدل التضخم، تميل أسعار السلع إلى الانخفاض، والعكس صحيح أي عندما تنخفض أسعار الفائدة ومعدل التضخم، تميل السلع إلى الارتفاع في الأسعار ويحدث ذلك في بيئة ذات معدل فائدة منخفض وأضاف أنه تكون تكلفة تمويل المخزونات والسلع التموينية أقل مما هي عليه عندما تكون أسعار الفائدة مرتفعة، لذلك يجب التفكير في عمل يقوم بتصنيع منتج يتطلب معادن أو طاقة لافتاً أنه من الأرخص تخزين المتطلبات طويلة الأجل للسلع اللازمة في التصنيع عندما تكون تكلفة المال منخفضة "تكلفة المناقلة" مبيناً أنها مصطلح يستخدمه مستهلكو السلع الأساسية (والمنتجون) لوصف التكاليف المرتبطة بالاحتفاظ بالمخزونات لفترة.
وأكد أنه إن كان التاريخ دليلاً، فإن ارتفاع أسعار الفائدة ومعدلات التضخم في الولايات المتحدة وحول العالم سيكون عاملاً سلبياً لأسعار السلع الأساسية، وعندما تزيد الأسعار من تكلفة الحمل ستزداد المخزونات، وسيشجع ذلك مستهلكي المواد الخام على شراء السلع على أساس الحاجة بدلاً من الاحتفاظ بالمخزونات بسبب ارتفاع تكلفة التمويل، مشيراً إلى أن هذا ما علمنا إياه التاريخ ومازال يميل إلى تكرار نفسه عندما يتعلق الأمر بالدورات الاقتصادية.
وذكر بدوان أنه في أعقاب الأزمة المالية العالمية لعام ٢٠٠٨ خفضت البنوك المركزية حول العالم أسعار الفائدة إلى مستويات غير مسبوقة، كما استخدمت هذه السلطات النقدية أداة تسمى التيسير الكمي والتي سمحت لها بإعادة شراء أدوات الدين السيادية، وفي بعض الحالات السندات الخاصة بالشركات.
وتوقع انخفاض أسعار السلع الأساسية في حال بدأت أسعار الفائدة في الارتفاع وازدادت معدلات التضخم من المستويات المنخفضة الحالية، مؤكداً عدم وجود ضمانات لأن رد فعل أسواق المواد الخام سيعتمد على ما إذا كانت ترتفع بسبب الضغوط التضخمية بسبب سنوات عديدة من السياسات التيسيرية في الولايات المتحدة وحول العالم، بالإضافة إلى ذلك أسواق السلع عالمية، لأن الناس في جميع أنحاء العالم هم مستهلكون للمواد الخام في حين أن سياسة البنك المركزي في أوروبا واليابان قادت هذه الدول إلى خفض معدلات الفائدة قصيرة الأجل إلى المنطقة السلبية من اجل محاربة معدلات التضخم المرتفعة في العالم بشكل عام، إلا أن الظروف الاقتصادية لا تزال ضعيفة.
ورجح بدوان أن تطيل المعدلات السلبية من الحاجة إلى مبادرات السياسة الحذرة في البلدان المجاورة، لذلك من الضروري أن ينظر البنك المركزي الأمريكي في السياسات النقدية للدول المجاورة بسبب التجارة الدولية وعوامل أخرى.
وتابع أنه في كثير من الأحيان تنسق البنوك المركزية في العالم السياسة لتحقيق أفضل النتائج للاقتصاد العالمي الشامل، وهو ما يصب في مصلحة جميع الدول.
وختم بدوان حديثه أنه منذ عام ٢٠٠٨ م حتى عام ٢٠١٦ كانت السياسة العالمية متشائمة عندما يتعلق الأمر بالسياسة النقدية وظل النمو بعيد المنال، وهذا يعني أن فرص استمرار ارتفاع اسعار السلع التموينية هو أسعار الفائدة المنخفضة تاريخياً المستمرة، ومع ذلك أكد أنه سيأتي وقت يتعين على البنوك المركزية فيه العمل على زيادة أسعار الفائدة، وبذلك ستزيد اسعار السلع التموينية في العالم اجمع، والسبب الرئيسي المحتمل لارتفاع أسعار الفائدة واسعار السلع التموينية هو زيادة معدلات التضخم.
وفي السياق ذاته حول الارتباط بين معدلات التضخم وارتفاع أسعار السلع التموينية استهل الخبير الاقتصادي حسام عايش حديثه لـ " الأنباط " بجملة من الصعب جداً الاجابة على هذا السؤال بنعم او لا لكن لاشك أن هناك من يستغل هذا التضخم ليرفع الاسعار ويحاول التلاعب بسعر بعض السلع استناداً على قاعدة انه يريد مزيدا من الايرادات وتعويض ما فقده او اعتقاداً منه أن الفرصة مواتية لتحقيق المزيد منها.
وأوضح أن ارتفاع معدلات التضخم يخلق حالة متباينة من ارتفاعات الاسعار التي يصبح من الصعب ضبطها حتى في حالة الاسواق المستندة الى المعايير التجارية الرفيعة، لافتاً أن كل تاجر يريد تعويض ما يعتقد أنه يخسره نتيجة ارتفاع مدخلات الانتاج بالنسبة اليه أو ارتفاع الكلف عليه بسبب ارتفاع الاسعار الناجمة عن التضخم.
وتابع عايش أن لإرتفاع الكلف الإضافية الأخرى كالطاقة والضرائب والرسوم وكلف العاملين دوراً مباشراً في التأثير على الأسعار وتصبح الامكانية قائمة ليكون هناك استغلال للسلع التموينية خاصة، عازياً ذلك لانخفاض معدلات الدخل واستهلاك أكبر نسبة منه في الطعام والشراب، وبالتالي سيكون الاقبال عليها مرتفع بغض النظر عن ارتفاع اسعارها من عدمه، مشيراً إلى عدم قدرة المستهلك بالاستغناء عن السلع التموينية وخاصة ان بدائل هذه السلع إما أنها ليست متوفرة بشكل مستمر أو أسعارها تضاهي أسعار السلع الجيدة التي اعتاد المستهلك على شرائها رغم شعورهم بانهم مستغلين من قبل التجار .
وأضاف عايش أن الإشكالية الثانية فيما يتعلق بالعلاقة بين المستهلك والبائع أو التاجر هي الحلقات الوسيطة بين الطرفين التي قد لا نراها بشكل مباشر لكنها موجودة وتسبب زيادة اسعار الكلف مبيناً أن هذه الحلقات يكون وجودها في بعض المناطق بشكل اكبر من مناطق اخرى وهي بدورها التي تسبب التباين في اسعار السلع لنفس النوع في منطقة معينة عن غيرها، مشيراً إلى أنه في بعض الحالات هناك بعض السلع المستوردة اسعارها ارخص من السلع المحلية المشابهة ويعود السبب الى الحلقات الوسيطة التي ذكرت اعلاه.
وذكر أنه قد يكون دور الفرق الرقابية والتفتيش سواء التابعة للامانة او الوزارة او غيرها من المؤسسات المعنية بذلك سواء على الجودة أو السعر أو طريقة حفظ المواد التموينية متبايناً بين المناطق والمحلات التجارية.
وأسند هذه الاشكالية المتعلقة بالتضخم والأسعار أيضاً إلى عدم وجود نشرة تحدد الاسعار بالرغم من وجود اتفاق عام ُملزم بان تعكس الأسعار جودة السلعة المباعة وطريقة تقديمها والمكان التي تقدم منها وفائدتها مؤكداً ضرورة انسجام الأسعار مع الدخل في أي مكان بالعالم.
وأكد عايش أنه في جميع الاحوال لابد أن يكون هناك شكل من اشكال التنظيم وأن يكون الناس على بينة ومعرفة بكيفية فيما إذا كان التاجر يرفع بالاسعار أم لا، مبيناً أن العنصر الاهم ان نكون اكثر ثقافة فيما يتعلق بالاستهلاك وطريقة التعاطي مع حالات الاستغلال التي تحدث في بعض الاوقات.
وختم أن هناك قانون لمنع الاحتكار والمنافسة لكنها تبقى قوانين غير فاعلة في حال لم يوجد وسائل لتفعيلها كأن يكون المواطن قادر على رصد المخالفات والتبليغ عنها إضافة للاستجابة السريعة للشكاوي لافتاً أن الأهم هو اتخاذ الاجراءات التي يكفلها القانون لمنع استغلال المستهلك.