د.أنور الخُفّش يكتب : نحو آفاق جديدة للسياسة النقدية خيارات المستقبل
قُدِّرت موجودات القطاع المصرفي الأردني مايقارب 64 مليار دينار، وكذلك 17 مليار الإحتياطيات النقدية في البنوك، إجمالي الودائع في البنوك المحلية تصل إلى 42 مليار دينار ، كما قُدِّرت التسهيلات والقروض 32 مليار دينار منهم 24% تسهيلات ممنوحة للأفراد ، تبقى نسبة الفوائد المرتفعة جداً التي وصلت ما يزيد عن 12% ، أصبحت عبئاً ثقيلاً على المواطن من خلال زيادة تكاليف المعيشة وكذلك تعمل على تثبيط النمو الإقتصادي وأحد أهم معوقات جذب الإستثمارات الخارجية بصفة خاصة لتوفر البدائل بأقل تكلفة وعدم إتساق تكلفة التمويل وعوائد الإستثمار في الأردن ، كما يصاحب الإقتصاد التضخم نتيجة لإرتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية ، في حال عدم التحوُّط من المرجَّح أن تقفز أرقام التضخُّم في الأردن إلى مستويات قياسية.
بهدف مساعدة الأردن في مواجهة التقلبات الإقتصادية وإنعكاساتها، الحل الأفضل في المدى القريب والمتوسط يتمثَّل بتعزيز فرص جاذبية الإستثمارات ، مما يتطلَّب تيسير السياسة النقدية على المدى القصير من خلال توخِّي الإحتياط والحذر في رفع معدلات الفوائد ، وحيث أن إعتماد نطاقات لتقلب بنسبة تتجاوز10% يعطي مجالاً كبيراً للإنحراف بصورة مؤقتة، كما يشكك في قدرة إلتزام الحكومات باتباع سياسات سليمة ، والإتجاه الملائم يتوقف على إنسجام السياسات الإقتصادية المحلية ، ووجود توازن ملائم مع الأهداف الخارجية وقابليته للإستمرار وأيضاً وجود التوافق والتوازن بين السياسة النقدية وسياسة المالية العامة . كما أن توقعات السوق تشكِّل عنصراً مهما في تكوين رأي عن رد الفعل المحتمل على إجراءات السياسة النقدية والتي لا يمكن تجاهلها ، كما أنه يجب أن تؤخذ هذه التوقعات وإنعكاساتها في الإعتبار بشكل مناسب عند إتخاذ قرارات بشأن السياسة النقدية .
والسؤال كيف تجعل سرعة إنتقال رؤوس الأموال الدولية من مستوى أسعار الصرف معتمدة على التوقعات الخارجية بقيمة سعر الصرف على المدى الطويل ، وعلى توقعات فروق أسعار الفائدة القصيرة في المستقبل . كما أن تأثير درجة التقلُّب محدودة على المدى الطويل الأجل بسبب التعهُّد بالمحافظة على الأسعار التعادلية والعوامل الإقتصادية الأساسية للقدرة التنافسية على المدى الطويل. مما يمنع السلطات بالسماح بحدوث إنحرافات كبيرة وبشكل غير منطقي في أسعار الصرف الفعلية مقارنة بالأسعار التعادلية على المدى الطويل .
تتضح مفاهيم السوق عن الإستقرار في أسعار الصرف بمقارنة أسعار الفائدة طويلة الأجل المعمول بها في مختلف البلدان . حدوث التناقض المنتظم في فروق أسعار الفائدة طويلة الأجل معظم البلدان مما يساعد في إقناع المستثمرين بسلامة السياسات النقدية المستقبلية.
تعتبر أسعار الفائدة قصيرة الأجل أداة قياس مفيدة لتوقعات السوق بعد توسيع نطاقات تقلب أسعار الصرف . وأن أي إرتفاع نسبي كبير في أسعار الفائدة طويلة الأجل يشير الى ضعف ثقة السوق في السياسات النقدية المستقبلية . كما أن فروقات أسعار الفائدة القصيرة الأجل ومدّتها المتوقعة تعتبر من العناصر الرئيسية التي تحكم تحديد وتوقعات أسعار الصرف .
في الواقع إن النطاقات الجديدة الأوسع لتقلبات أسعار الصرف تمكِّن السلطة النقدية المحلية بتوجيه سياساتها النقدية الراهنة بإستقلالية مع توفُّر عوامل إقتصادية سليمة فمن المرجح أن أي تخفيض معتدل في أسعار الفائدة سيرافقه تخفيض معتدل في قيمة سعر الصرف . كما أن تجارب الأسواق المالية قامت أدلة على أن أي تخفيضات معتدلة في أسعار الفائدة القصيرة الأجل بالنسبة إلى أسعار الفائدة قد تنتقل الى أسعار الصرف السوقية . ومن غير المتوقع حدوث ردود فعل واسعة النطاق في أسواق النقد الأجنبي ، وفي حالة إتباع إستراتيجية مكثَّفة في إرتفاع الفائدة بشكل يقلل من موثوقية ومصداقية الأسواق بإتجاه السياسة النقدية على المدى الطويل.
هناك مجموعة من العوامل والمؤشرات الواجب أخذها بالإعتبار عند تقييم الإتجاه الملائم للسياسة النقدية ، وهي التضخُّم والنمو الإقتصادي وسعر الصرف وأسعار الفائدة قصيرة الأجل وطويلة الأجل وأسعار الفائدة على المعاملات الآجلة ونمو العرض النقدي وإنحدار منحنى العائد ، كما تستخدم بعض البلدان ذات أسعار الصرف العائمة المتوسط المرجح للتغيرات في أسعار الفائدة القصيرة الأجل كمرشد لشروط السياسة النقدية . كما أن إستخدام بعض البلدان لحريتها النقدية بتخفيض أسعار الفائدة القصيرة الأجل بهدف تعزيز النشاط الإقتصادي . ويجب أن لا يتعارض هذا مع الإلتزامات نحو تطبيق السياسات النقدية ولا يمثِّل تراجعاً لها ، بهدف المحافظة على إستقرار الأسعار . إن إستقرار أسعار الصرف يعزز إمكانية التقدُّم نحو التكامل الإقتصادي ، لذلك فإن نطاقات التقلُّب الجديدة لا تعني إنتهاء التنسيق بين السياسات النقدية أو التنازل عن الهدف النهائي زيادة معدلات النمو الإقتصادي والإستثمارات .
إن خيارات المستقبل تتَّجه نحو إيجاد آلية التوافق بين الإحتياجات الداخلية بهدف تحسين إمكانية إستقرار وتلاقي السياسات النقدية . التحدي يكمن ، كيف تستطيع بلدان مجموعات التكامل الإقتصادي مؤخراً بلوغ درجة كافية من التلاقي لتحقيق الوحدة الإقتصادية والنقدية ومن جميع الأعضاء ، والمتعلقة بالتضخُّم وأسعار الفائدة طويلة الأجل والمشاركة في آلية أسعار الصرف ، والمعيار الأكثر أهمية والذي يشكل التحدي الأعظم هو التلاقي في أوضاع السياسات المالية العامة .
مما تقدم ، يظهر أهمية التعاون الإقليمي والدولي نتيجة لتأثر أسواق النقد الأجنبي بالإختلالات السياسية والإقتصادية والنزاعات بين الدول ، وأن العلاقة بين الإحتياجات الإقتصادية والداخلية والمتطلبات السياسية والإقتصادية الخارجية مؤثرة وفعَّالة ، ومن المؤكد أن يكون لأسواق النقد الأجنبي رد فعل على هذه التناقضات. من هذا المنطلق فإن التعاون العربي لتلاقي السياسات الإقتصادية وبذل الجهود الحقيقية والقوية لإرساء أسس التعاون في إطار هذه السياسات ، ممثلة في نهج وإجراءات ملزمة لتطبيق سياسة نقدية متقاربة ، وتنفيذ مزيج ملائم من سياسات مالية عامة وسياسات هيكلية ، وذلك لضمان أداء إقتصادي متنامي ومستقر على المستوى الوطني والإقليمي ، بما يتلائم مع متطلبات مجاراة التغيرات الإقتصادية والمتمثلة في التكتلات والتجمعات التجارية والإقتصادية ومجارات جهود التعاون الدولي لمواصلة التوسع في الإقتصاد العالمي. هذا التوجه يعتبر بمثابة أساس البناء والسياج الأمني الإقتصادي للأجيال القادمة ، الحقيقة كون التقارب السياسي له أهمية بالغة للتعزيز من إمكانية التقارب في مجال العمل الجماعي الإقتصادي والمالي ، من خلال بذل الجهود نحو إيجاد حالة عملية من التكامل النقدي العربي المنشود بحده الأدنى بين دول مشاريع التكامل الإقتصادي المشتركة .
الرئيس التنفيذي / مرصد مؤشر المستقبل الإقتصادي
anwar.aak@gmail.com