د.أنور الخُفّش يكتب : الأردن بوابة الأمن والسَّلام في الشرق الأوسط

قطار النظام الشرق أوسطي من مدريد مروراً بالدار البيضاء لا يفوتنا أن نُنوِّه حين إنعقد المؤتمر الإقليمي للسلام عام 1994 في الدار البيضاء ، قدَّمت اسرائيل في المؤتمر رؤيتها (برنامجها في الإندماج الإقليمي) الذي إعتبره غالبية المراقبين السياسيين وأنا أحدهم كونه يسعى لأوسع مساحات العلاقات التجارية والدبلوماسية مع دول الخليج ، الإندماج الكبير ، إلا أنه الأقل أمناً، طالما تجاهل الجانب الإسرائيلي السَّلام مع الفلسطينيين ، عندما أُبرمت إتفاقات السَّلام الإبراهيمي، الذي إعتبرته بديلاً لإتفاقيات أوسلو ووادي عربة ، وإتخذت إجراءات من جانب واحد بإنهاء خيار حلّ الدولتين ومما أعاد الصراع الإسرائيلي إلى نقطة الصفر أو إلى حالة الطريق المسدود قبل إتفاقيات السَّلام مع اللأردن والفلسطينيين .
وفي نفس الصدد ، بنجاح وبذكاء سياسي من قبل جلالة الملك الذي بادر بخطوة تجديد الإستراتيجية الأردنية الإقليمية والخيارات الأردنية المؤجلة وفق تصريحات الملك في مقابلته الأخيرة مع CNN ، مع التذكير أن الأردن بوابة الأمن والسَّلام في الشرق الأوسط وحيث أثمر التنسيق مع سمو الشيخ محمد بن زايد بالتقدُّم بطلب إجتماع مجلس الأمن لمناقشة مخاطر إقتحام بن خفير لساحات المسجد الأقصى والذي تبنَّى قرار بالإجماع ضرورة إيقاف الإجراءات أحادية الجانب والحفاظ على مُمكنات حل الدولتين ، إن دعوة مجلس الأمن للإجتماع بموافقة من الإدارة الأمريكية أربكت صانع القرار في الحكومة الإسرائيلية الجديدة وبالذات نتنياهو واليمين المتطرف الإسرائيلي ، بقراءة الأحداث والخطوة القادمة من الزيارة المرتقبة من قبل مستشار الأمن القومي الأمريكي الى إسرائيل لبحث خطورة هذه الإجراءات وتنبيه الحكومة الإسرائيلية الجديدة بإيقاف إنتهاك الأماكن المقدسَّة الإسلامية والمسيحية في القدس والحفاظ على خيار حل الدولتين .
غنيٌّ عن الذكر بأن ما جرى في مدريد قد أدخل المنطقة في بداية حقبة جديدة ومنعطف تاريخي ، عنوانه التعاون الإقليمي تحت مظلة الولايات المتحدة الأمريكية ، لا زالت الأسئلة تبحث عن إجابة تستحقها منذ اللقاء الأول ، منها ما الذي كسبه العرب ، وماذا خسرت إسرائيل بالمقابل وماذا كسبت الولايات المتحدة الأمريكية ؟ ولكني أستطيع أن أضيف سؤالاً مهماً ، بعد كل هذا التعاون من الأطراف العربية والتنازلات وقبول شروط إسرائيلية تستند الى عدم التكافؤ ، وهو ماذا تريد إسرائيل وأمريكا من العرب ؟
كما أن دول المنطقة بحاجة الى قناة للإتصال ببعضها وبدول العالم للتباحث حول التنمية الإقتصادية ، لكي تشهد المنطقة كاملة أوضاعاً إقتصادية وإجتماعية أفضل وكذلك لتساعد على تعزيز الأمن والسَّلام من خلال تدعيم وسائل الإقتصاد الحرّ وحرية الأسواق التجارية والعمل ورأس المال.
القيادة الأردنية الحكيمة إختارت المشاركة بفعالية في هذه التوجُّهات والتغيُّرات الجيوسياسية والتحكم في إطارها على إعتبار أن خيارات إسرائيل وحدودها من ضمن حدود الأمن القومي الأردني ، الدولة الأردنية تعمل جاهدة بأن تجعل عمان بوابة إقتصادية للمنطقة ، وعدم التخوُّف من المجهول الذي يخافه الآخرون . والعمل بجهد إستعداداً لنقلة تجعلها بوابة للتجارة والإتصالات في المنطقة في مطلع القرن القادم ، وبهدف تدارُك المخاطِر وتقليل الخسائر وتحويلها الى مكاسب ، بحيث تكون طرفاً أساسياً ومشاركاً بالإنتاج عِوَضاً من أن تكون شريحة للسوق الإستهلاكية للمنتجات الإسرائيلية والأجنبية .
طالما أنا على كرسي البحث ، أستذكر معكم بأن عملية تخفيف الحصار الإقتصادي عن بسوريا سيرافقها إنطلاقة سريعة نحو إعادة البناء ، كما أن بوابة الصادرات النفطية العراقية ستكون من بوابة العقبة مع تطويرها ذات طابع ومهام تسويقية دولية ، كما أتوقع أن يخرج العراق من منطقة الأوبك سعياً منة لحرية الإنتاج والبيع وما يعزز إعتقادي هذا ، أن بعد القرار العراقي مستقبلاً سيكون بإتجاه ترجيح المصلحة والعوائد الإقتصادية ، كما أن الإحصائيات في سوق النفط العالمية تشير الى كون حصة الدول خارج الأوبك بل أن أغلبية السوق مغطاة من قبلها.
أما الجانب الأكثر أهمية لجذب الإستثمارات الأجنبية للأردن من خلال تكوين تحالف إقتصادي إستثماري إماراتي أردني فلسطيني ، وبهدف تطوير الإستثمارات والمشاريع المشتركة ذات الطابع الإقليمي .
في الختام ألا يحق لنا أن نطالب بتقاسم عوائد النفط والغاز أمام الشواطئ الفلسطينية في البحر الأبيض المتوسط ، أن العمق الجغرافي للأردن أقرب من قبرص التي تُقاسِم لبنان وبعض الأحواض الجغرافية في جنوب لبنان وتستغلُّه إسرائيل وهو حق طبيعي للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والشَّتات في هذا الإطار حريٌّ بنا التطرُّق لهذا الموضوع .

الرئيس التنفيذي / مرصد مؤشر المستقبل الإقتصادي
anwar.aak@gmail.com