تبعات صحية نفسية تواجهها المرأة نتيجة الابتزاز والتحرش الالكتروني

قوانين وتشريعات تجرم الفاعل ونظرة اجتماعية دونية للضحية
 
الأنباط - حنين الإعيده
ساهم الانتشار الواسع لشبكة الانترنت وتطور انظمة المعلومات بشكل كبير وسريع في نشر ثقافات منافية لعادات وطبيعة المجتمعات المختلفة، نتيجة الانفتاح الذي فرضته التقنيات الحديثة ومدى توفيرها للمعلومات، ما جعل البعض يستخدمها كـ اداة لـ إلحاق الضرر بالاخرين بدلا من ترسيخها لتحقيق الفائدة للبشرية، وأصبحت عاملا بارزا في انتشار أنواع جديدة من الجرائم صنهفت بـ الجرائم الالكترونية .
وتعددت اشكال الجريمة الالكترونية بين قرصنة الحسابات وصناعة الفيروسات وانتحال الشخصية والنصب والاحتيال، الا ان اكثرها انتشارا تركزت في جرائم الذم والتشهير والتهديدات ورسائل المضايقة والابتزاز الالكتروني، وعلى الرغم من وجود جملة من العادات والتقاليد التي تضع حدودا اجتماعية لـ التعامل مع المرأه، الا انها كانت الفريسة الاسهل لمثل هذه الجرائم نتيجة خوفها من الحديث في القضايا التي تمس حياتها اليومية من الناحية الاجتماعية ما جعل الكثير من النساء ضحايا العنف الالكتروني الحقت بها الاضرار الجسدية والنفسية.
وتشير جمعية معهد تضامن النساء الأردني "تضامن”  في دراسة اجرتها عام 2021 أن النساء والفتيات تعاني من الجرائم الموجه ضدهنّ خلال استخدامهنّ للإنترنت وخاصة مواقع التواصل الإجتماعي، ما يؤدي إلى انخفاض ظهورهنّ على الإنترنت واستخدامهنّ لهذه المواقع، واشارت الدراسة الى ان الابتزاز والتحرش والتنمر من اكثر الجرائم التي تتعرض لها النساء.
تقول الشابة (م. ن ) البالغة من العمر 16 عاما : " مش كل الناس بنفع انه نسايرهم وفي ناس عاما  نواياهم مخفية ". 
وتابعت الحديث وهي تروي قصتها لـ "الأنباط"، انا من بادرت وتحدثت معه بعد ان شاهدت تصرفاته الجنونية امام  المدرسة، بهدف النصيحة لـ الإبتعاد عن هذه التصرفات، وكانت الغرابة بـ إجابته التي قال فيها ؛ أنه يعاني من ازمة نفسية جراء معامله والده القاسية له، ما جعله يتصرف بهذا الشكل، ظنا منه أن هذه السلوكيات ستخفف من حدة نفسيته، ما جعلني أواسيه واشفق على حاله، وطلب مني ان نتحدث ولو لمره واحده كل اسبوع، ثم تطور الحديث ووصل لـ إعتراف خاص منه بـ إعجابه وارتياحه لي، وواصفا إياي بـ أني فتاة احلامة، فـ قبلت حينها ان نبني علاقة، وكان خلال كل محادثة يطلب صوري بحجة انه يحب مشاهدة تفاصيل يومي ولم اكن اتردد في تلبية طلبه.  
هذه العلاقة التي بدأت بطريقة غريبة سببت لـ ( م.ن ) الكثير من المشاكل العائلية، واثرت سلبا  على تحصيلها الدراسي، وكثيرا ما كانت تسمع اخواتها وصديقاتها يتحدثن عن سوء اخلاق وادب هذا الشاب ما جعلها تعيد النظر في علاقتها به، ما ساقها لـ أخذ القرار بـ الابتعاد عنه، ولكنها لم تكن تعرف أن هذا القرار سيكشف الوجه الحقيقي لـ ذلك الشاب، حيث بدأت تتلقى منه رسائل التهديد والابتزاز، ما جعلها تدخل دوامة الخوف من الفضيحة وترضخ لاوامره، حتى وصل بها الأمر إلى ان تحاول انهاء حيانتها لتتخلص من هذا الكابوس الذي ارهقها نفسيا وجسديا، وقررت بعد كل هذا العناء المواجهة، وتوجهت لـ اخواتها وطلبت مساعدتهن في تقديم شكوى بحقه تخلصت بعدها من أذى ذلك الشخص.               
اما (ع.ب) فتروي تفاصيل قصتها قائلة : بعد زواجي باسبوع لم يهدأ لي بالا ولم اهنأ لساعة واحدة بعد تلك الرسالة التي وصلتني عبر حسابي على الفيس بوك من حساب اجهل صاحبه يشتمني من خلالها ويهددني بافساد علاقتي بزوجي، وبدا بارسال صور وفيديوهات من يوم زفافي لا اعرف كيف وصلته، ولا اذكر اني ارسلت صوري الخاصة لاحد. 
وتتابع، دخلت في دوامة خوفي من الفضيحة وخوفي من ردة فعل زوجي، ولم اجرؤ على مواجهة ذلك الشخص مجهول الهوية الذي لم يكن له غاية او مطلب يقصده مني غير افساد حياتي. 
وتضيف، استمر الحال لاكثر من اسبوع وبدأت ملامح القلق والترقب تتملكني، وكنت شاردة طوال الوقت، ولاحظ كل من حولي ذلك، فقررت حينها مصارحة زوجي بالامر والحمد لله كان متفهما وزادتني ثقته بي وحبه لي ثقة بنفسي، وبعد تواصله مع ذلك المجهول واستدراجه توصلنا لصاحب الحساب لنكتشف في النهاية انها امرأه وليس شاب كما اعتقدنا تحمل لي مشاعر الحقد والغل والغيرة بسبب خلافات قديمة بيني وبينها . 
يقول استشاري الأمراض النفسية الدكتور علاء الفروخ ان جرائم التحرش والابتزاز الالكتروني تتسبب بأذى نفسي يرتبط بالخوف والوصمة الاجتماعية، وقد تفضي الى مشكلات نفسية معمقة تسبب حدوث القلق والتوتر الذي قد يرافقة اضطرابات في النوم والتركيز وانخفاض الانتاجية ومشاعر الخوف الدائمة وسرعة الانفعال. 
وتابع لـ "الأنباط" ان الاثار النفسية لـ العنف الالكتروني متساوية على جميع الفئات لكنها تكون عند النساء اضعف والاكثر تأثرا بسبب ثقافة العيب التي تجعل الكثير منهن لا تذهب للطبيب النفسي ولا تشارك مثل هذه المشكلات مع اشخاص تثق بهم ما يؤدي لشعورها بفقدان الثقه وتحقير الذات والاكتئاب الذي قد يفضي للانتحار . 
من جانبه بين استاذ علم الاجتماع في جامة اليرموك الدكتور عبدالله قازان ان الجرائم الالكترونية نوع جديد من الجرائم ظهرت مع تطور التكنولوجيا، ما جعل العالم منفتحا على بعضه البعض واصفا هذا التطور بالسلاح "ذو الحدين"، يتغلغل بين والاسر والافراد والمجتمعات بصورة سلبية من جهة، ويأخد مسارا ايجابيا يتعلق في المراسلات والتجارة وغيرها من جهة اخرى.
واشار، ان الجرائم الالكترونية المتعلقة بالمرأة تأخذ منحى حساسا للغاية لما للأنثى من خصوصية فيما يتعلق بالشرف والاخلاق والعادات والتقاليد والثقافة المجتمعية، وكثيرا ما تقع المرأة فريسة سهلة أمام هذه الجرائم، ما يجعل العديد من النساء تتحاشى استخدام الشبكة العنكبوتية او ان يكون لها نشاطا عبر منصات التواصل الاجتماعي.  
وتابع، ان المرأة في مجتمعاتنا تتصف بـ ثقافة الصمت غالبا والتي تجعلها تستسلم للواقع وترضخ لـ مثل هذه الجرائم خوفا من البت والحديث في القضايا التي تمس اخلاقها، لكونها تعيش في مجتمع محافظ له خصوصيته، ما يؤثر سلبا على التعامل مع المرأة التي تعرضت للجرائم الالكترونية ويؤدي بها للعزلة الاجتماعية ويلحقها بالاضرار النفسية والجسدية التي قد تصل للانتحار احيانا.
وأضاف، أن هناك دور كبير لـ الاسرة والمجتمع في تمكين المراة اجتماعيا ونفسيا بتقديم الدعم النفسي لها والدفاع عن قضاياها، وتسليط الضوء عليها لكسر حاجز الصمت والخوف وتغيير ثقافة السكوت عن العنف وتغيير النظرة المجتمعية الدونية تجاههن لمواجهة مثل هذه الجرائم والتصدي لها. 
وعلى الضفة المقابلة، قال استاذ القانون في جامعة اليرموك الدكتور عبدالله ابو رجيلة ان قانون العقوبات وفر حماية جيدة للمرأة الاردنية من افعال الاعتداء التي تشكل اعتداء على سمعتها او عرضها او حتى سلامة بدنها، وجاءت حزمة من القوانين مكملة لقانون العقوبات تحمل في طياتها نصوصا ذات طابع الكتروني تجرم الافعال الالكترونية التي تشكل اعتداء على سمعة المرأة او مساسا بحقها في الخصوصية  بشكل صريح منها ؛ قانون الاتصالات وقانون المطبوعات واللنشر وقانون الجرائم الالكترونية الذي نص على الكثير من الافعال التي تشكل اعتداء على المرأة .
واشار، الى ان المشرع الاردني يعاقب على هذه الافعال بعقوبات جنائية كجريمة الذم والتحقير والقدح الذي يرتكب بوسيلة الكترونية ضد المرأة والرجل على حد سواء ويجرم نشر الافعال الاباحية للذكر او الانثى واهتم بالضحية سواء كان رجلا او انثى .
وتابع، انه وفي حال عدم وجود نص يعالج فعل معين يشكل اعتداء على المرأة فان قانون العقوبات بصفته القانون العام نص على مجموعة افعال بشكل فضفاض بحيث جاءت النصوص الواردة فيه من الاتساع بمكان لتشمل غالبية الافعال التي تشكل اعتداء على المرأة بشتى الصور.  
ووفقا لتقرارير مديرية الامن العام الصادرة عن وحدة الجرائم الالكترونية سجل في العام الماضي ما يقارب 10000 اعتداء ضد المرأة عبر مواقع التواصل الاجتماعي والفضاء الالكتروني أحيل منها ما يزيد عن 6000 قضية إلى القضاء.