الأنباط تلتقي المدير العام لـ مبادرة "كوفاكس" الدكتور ديريك سيم

 دلال عمر 

بات السواد الأعظم من المجتمعات العالمية يعتقدون أن جائحة الكوفيد-19 قد إنتهت، في وقت ما زالت الكثير من شعوب دول العالم تعاني من الإصابات المتكررة لـ فيروس الكورونا، الأمر الذي يشير إلى ان هذه الدول لم تعد مكافحة الجائحة على سلم أولوياتها وباتت إجراءاتها الإحترازية قليلة خاصة في دول آسيا وإفريقيا وبعض من الدول الأوروبية. 

الجدير بـ الذكر أن الجائحة ما زالت مستمرة وقوية في بعض المناطق، ومنظمة الصحة العالمية تعتبر الجهة الوحيدة المخولة والتي لديها المعرفة الكاملة والمخولة لـ إعلان إنتهاء الجائحة عالميا.

من جهتها قامت صحيفة الأنباط بـ إجراء مقابلة خاصة مع المدير العام لـ مبادرة "كوفاكس" الدكتور ديريك سيم، والتي تهدف مساعدة الدول على تحقيق أهداف برامج التطعيم الوطنية الخاصة بها، وتعتبر الوحيدة التي تعمل على شراء اللقاح وشحن وإيصال لقاحات كوفيد-19، بهدف تحسين مستويات المساواة في تلقي التطعيم حول العالم من خلال إيصال اللقاح إلى الدول ذات الدخل المحدود، حيث قامت بشحن أكثر من 1.8 مليار جرعة إلى 146 دولة حول العالم. 


إلى أي مدى نحن من أن نقول "الجائحة انتهت رسميًا"؟

لم تنته الجائحة بعد، وما زلنا نتصدى للتحديات والتداعيات التي فرضتها، لقد أزهق كوفيد-19 ما يقارب 6.5 مليون شخص حول العالم منهم مليون نسمة خلال العام المنصرم. وعلى الرغم من الاعتقاد العام بأن الجائحة قد انقضت، إلا أننا نرى أن الحالات تتزايد في العديد من المناطق، بما في ذلك العديد من الدول في آسيا وأفريقيا، وكذلك في بعض الدول الأوروبية.

لا شكّ بأن اللقاح ساعد في إنقاذ العديد من الأرواح، وقلل من العدوى الخطيرة، إلا أننا ومع مرور الوقت نتعلّم المزيد عن تأثيرات ونتائج فيروس كورونا على المدى الطويل، وهي نتائج مثيرة للقلق. لذا يجب أن نُبقِ هدفنا الأساسي نصب أعيننا، ألا وهو إيصال اللقاحات للدول، ودعمها في توفير التعزيزات للعاملين في الخطوط الأمامية والسكان لأكثر عرضة للخطر، وذلك من أجل الحفاظ على وتعزيز المناعة والحماية من الأمراض الخطيرة والوفيات، في الوقت الذي نستمر فيه بدعم أنظمة الرعاية الصحية في الدول لتتمكن من التصدي للفيروس ومتحوراته. 

على الرغم من أن العديد من الدول قد خففت القيود، إلا أننا نرى أن بعض الدول اختارت إعادة فرضها خوفًا من موجة جديدة قد تضرب مع عودة أشهر الشتاء الباردة. هل يمكنك توضيح هذا الأمر.

أن مستوى الحماية العالمية اليوم أعلى بكثير مما كان عليه سابقاً، وذلك بسبب برامج اللقاحات المحلية والدولية. ولا بد من الإشارة إلى أنه على الرغم من عبور العديد من الدول للمرحلة الحرجة من الجائحة بنجاح، إلا أن الجائحة لا تزال مستمرّة، وأن المتحورات الجديدة تطرح تحديات جديدة، لذا لا بد لنا من توخي الحذر. 
نعمل حالياً على مساعدة الدول في برامجها لتوزيع الجرعات التعزيزية، ونأمل أن نتمكن قريباً من اشتمال لقاحات متكيّفة من شأنها السيطرة على المتحورات. 
تعتبر اللقاحات والجرعات التعزيزية من أهم أدوات الوقاية من العدوى القوية والوفاة. ومع ذلك، فإن السيطرة على المرض تنضوي على توليفة من القيود واللقاحات، والجرعات التعزيزية، وأحياناً الحجر الصحي. وإن الحكومات المحلية هي الأكثر إلماماً بالأوضاع ضمن مجتمعاتها، وعليه فإنها الأجدر بأن تقرر أي نوع من القيود (بالإضافة إلى اللقاحات) هي الأنسب للسيطرة على الجائحة محلياً. 

مع احتمال ظهور أنواع جديدة من فيروس كورونا هذا الشتاء، يجب على المجتمعات الاستمرار في توفير اللقاحات والجرعات المنشطة. ما هو دوركم في توصيل اللقاح إلى البلدان ذات الدخل المرتفع والمنخفض على حد سواء؟

منذ بدء عملياتها، قامت مبادرة كوفاكس، وهي المبادرة العالمية الوحيدة التي تعمل على شراء، وشحن وإيصال لقاحات كوفيد-19 بهدف تحسين مستويات المساواة في تلقي التطعيم حول العالم من خلال إيصال اللقاح إلى الدول ذات الدخل المحدود، بشحن أكثر من 1.8 مليار جرعة إلى 146 دولة حول العالم. 

إلى ذلك عملت المبادرة أيضاً على مساعدة العديد من الأنظمة الصحية المحلية من خلال تزويدها بمعدات التبريد للتأكد من تسهيل بدء عملية التلقيح. تواصل مبادرة كوفاكس تحقيق النجاح من خلال التعاون الوثيق ما بين تحالف اللقاحات جافي، وتحالف ابتكارات التأهب الوبائي CEPI، ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة، اليونيسيف، ومن خلال العمل المستمر مع الحكومات والمجتمع المدني والصناعة والأوساط الأكاديمية ومجموعة من الجهات الفاعلة الأخرى على جميع المستويات.

تهدف مبادرة كوفاكس لمساعدة الدول على تحقيق أهداف برامج التطعيم الوطنية الخاصة بها، بل ونأمل أن تتجاوزها، ولتحقيق هذا الهدف، ستواصل المبادرة خلال العام المقبل العمل مع الدول للاستجابة لمتطلباتها فيما يخصّ اللقاحات وتوابعه، وبدعم مصمم بحسب حاجاتها الدائمة التغيّر، وإنما مرن ومتكيف عند الضرورة. 

برأيك هل التوزيع العالمي للقاح عادل؟

شهد العالم فجوة كبيرة في المساواة في توزيع اللقاحات في العام الأول لإطلاق اللقاح، وشملت عدم المساواة أيضاً تخزين بعض الدول للجرعات، وفرض قيود على الصادرات، وتأخيرات في سلاسل التوريد، وإعطاء مصنّعي الأدوية الأولوية للدول ذات الدخل المرتفع. 
إلا أن هذا كلّه قد تغيّر اليوم، ويعود الفضل في ذلك إلى حد كبير لإطلاق مبادرة كوفاكس، وهي المبادرة العالمية الوحيدة التي تعمل على شراء، وشحن وإيصال لقاحات كوفيد-19 بهدف تحسين مستويات المساواة في تلقي التطعيم حول العالم من خلال إيصال اللقاح إلى الدول ذات الدخل المحدود، حيث تمثل الجرعات التي تم شحنها حتى اليوم، والتي فاقت الـ 1.8 مليار جرعة، 39٪ من الجرعات المعطاة في البلدان ذات الدخل المتوسط، و76٪ من الجرعات في البلدان ذات الدخل المحدود.

للأسف لم يتم سدّ الفجوة تماماً، إلا أننا تمكنا من تحصين 79٪ من العاملين في مجال الرعاية الصحية في الدول الـ92  المدرجة ضمن مبادرة التزام جافي – كوفاكس، COVAX Advance Market Commitment، أي أن نسبة التلقيح ضمن العاملين في مجال الرعاية الصحية في هذه الدول قد تعدّت نسبة التلقيح في هذا المجال في الدول ذات الدخل المرتفع، حيث تصل النسبة إلى 70٪، وقد تم تلقيح 65٪ من كبار السن.

إلى ذلك، فقد تم إطلاق برامج تلقيح بالجرعات التعزيزية في 82٪ من الدول ذات الدخل المحدود، بما في ذلك لقاحات متكيّفة من شأنها السيطرة على المتحورات. 
هذا وقد تم استكمال برنامج تحصين 52٪ من سكان الدول ذات الدخل المحدود. وعليه فإننا لا ننفكّ نقترب من سدّ الفجوة في القريب العاجل. 

ما هو الحل المقترح لتوزيع لقاحات للأوبئة في المستقبل؟ 

من المؤكد أن أزمة توزيع لقاحات كوفيد-19 لم ولن تكون آخر أزمة صحية عالمية، قد تكون مجرّد بداية لمستقبل لا يمكننا التكهّن به. ما نعرفه هو أن التعاون والتحالف المتعدد الأطراف سيكون ذا أهمية بالغة في أي أرمة صحية إقليمية أو عالمية مستقبلية، لأن الاستجابات الوطنية أو الإقليمية وحدها حتماً ستخلق فجوة بلا شكّ، ويمكن لبرنامج مبادرة كوفاكس أن يعلمنا الكثير عن كيفية الاستعداد للأوبئة في المستقبل وكيفية الاستجابة المُثلى لها.

إلى ذلك، لا بد من الإشارة إلى أن أول جرعة لقاح أُعطيت ضمن برنامج توزيع اللقاحات الخاص بالمبادرة كان في 16 يناير 2021، أي بعد 39 يوماً فقط من إعطاء الجرعة الأولى من لقاح كوفيد-19 في الدول ذات الدخل المرتفع، الأمر الذي يعتبر سابقة تاريخية بحدّ ذاته. والآن، وبعد عام ونصف، يتم تلقيح أكثر من نصف سكان الدول ذات الدخل المحدود. وعلى الرغم من جميع التحديات التي تواجهها المبادرة، مما لا شكّ فيه أن العالم كان سيكون أسوأ حالاً لولا الاستجابة العالمية والمتعددة الأطراف للجائحة. 

ما هو احتمال ظهور جائحة جديد في المستقبل القريب؟
لا يسعنا إلا تخمين ما يخبئه لنا المستقبل، نتابع حالياً سلالة الإيبولا المنتشرة في السودان بحذر شديد، ونتابع كذلك فيروس ماربورغ وفيروس نيباه وأمراض أخرى، وكلها مثيرة للقلق. إلى ذلك نواجه مخاطر من مقاومة مضادات الميكروبات والأمراض حيوانية المصدر والتحديات المرتبطة بالمناخ (حيث نشهد زيادة بنسبة 2٪ في احتمالية انتشار الأوبئة الشبيهة بكوفيد كل عام). لسنا متأكدين من الطريقة المُثلى للتصدي لهذه الأمراض والفيروسات، فقد تكون اللقاحات، وقد تكون العلاجات، لا نعرف بعد! 
لهذا السبب فإننا بحاجة إلى منظومة تأهب واستجابة قوية في وجه الأوبئة، مدعومة بمؤسسات صحية عالمية قوية، واستثمار وقدرة على البحث والتطوير، فضلاً عن التعزيز المستمر لأنظمة الرعاية الصحية الأولية والتحصين. يتطلب هذا الأمر تمويلاً مسبقاً، وقابلاً للتوزيع السريع عند الحاجة، إضافة إلى ذلك لا بد من تسهيل الوصول إلى الفئات المستضعفة عند تشكيل خطط الاستجابة المستقبلية لأية أوبئة.