محمد بشتاوي يكتب : اللغة العربية الترسانة الثقافية التي تبني الأمة وتحميها
تُعدّ اللغة العربية ركناً من أركان التنوع الثقافي للبشرية. وهي إحدى اللغات الأكثر انتشاراً واستخداماً في العالم، إذ يتكلمها يومياً ما يزيد على 450 مليون نسمة من سكان الأرض.
وبمناسبة يوم اللغة العربية في 18 كانون الاول من كل عام الذي يوافق يوم الاحتفاء باللغة العربية الذي اتخذت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1973 قرارها التاريخي بأن تكون اللغة العربية لغة رسمية سادسة في المنظمة.
و تعد اللغة العربية مبدعة بمختلف أشكالها وأساليبها الشفهية والمكتوبة والفصيحة والعامية، ومختلف خطوطها وفنونها النثرية والشعرية، آيات جمالية رائعة تأسر القلوب وتخلب الألباب في ميادين متنوعة تضم على سبيل المثال لا الحصر الهندسة والشعر والفلسفة والغناء.
تعد اللغة العربية من أهمّ مقومات الهوية العربية، حيث عملت طويلاً على نقل تاريخ وثقافة الحضارات العربيّة عبر الزمن، وتعتبر من أهم العوامل التي حافظت على توحيد الأمة العربية من المحيط إلى الخليج، كما ساهمت في حفظ تاريخ العرب منذ العصر الجاهليّ ومن ذلك تاريخهم الكامل، وبطولاتهم، وشعرهم، وأخيراً كانت معجزة نزول القرآن الكريم بهذه اللغة ممّا أضفى عليها القدسية والعناية الإلهية، فقد تحولت من لغة تختص بقبائل الصحراء إلى لغة أمّة إسلامية قادت الحضارة لقرون متتالية.
وتتيح اللغة العربية الدخول إلى عالم زاخر بالتنوع بجميع أشكاله وصوره، ومنها تنوع الأصول والمشارب والمعتقدات. ويزخر تاريخ اللغة العربية بالشواهد التي تبيّن الصلات الكثيرة والوثيقة التي تربطها بعدد من لغات العالم الأخرى، إذ كانت اللغة العربية حافزاً إلى إنتاج المعارف ونشرها، وساعدت على نقل المعارف العلمية والفلسفية اليونانية والرومانية إلى أوروبا في عصر النهضة.
وتتميز العربية بقدرتها على التعريب واحتواء الألفاظ من اللغات الأخرى بشروط دقيقة ومعيَنة. فيها خاصية الترادف والأضداد والمشتركات اللفظية، وتتميز كذلك بظاهرة المجاز والطباق والجناس والمقابلة والسجع والتشبيه. وبفنون اللفظ كالبلاغة والفصاحاة وما تحويه من محسَنات. أهمية اللغة العربية على المستوى الحضاري
ويعود الفضل للغة العربية فيما اكتسبه العالم من كنوز حضارية، ادت اللغة العربية دورا كبيرا فيها، فإضافة إلى الكتب التي ألفت باللغة العربية في مختلف العلوم والمجالات خلال العصر الوسيط، لعبت اللغة العربية دورا كبيرا في استمرار مشعل الإنتاج البشري الحضاري ، حيث كتبت بها أشهر المؤلفات الأدبية والفكرية والعلمية في العصر الوسيط.
واستطاعت اللغة العربية منذ نشأتها استيعاب جميع المعاني الحسية والمجردة، نظرا لغناها بالمفردات التي تمكن الإنسان من التعبير عن أفكاره ومشاعره بكل وضوح ودقة، فهي تعد من أسمى اللغات وأكثرها انتشارا في العالم، كما أنها من أفضل اللغات وأكثرها غنى وزخرا بالمعاني والمفردات.
وتشكل اللغة العربية الترسانة الثقافية التي تبني الأمة وتحميها، فهي أحد مقومات الحياة والكينونة، وهي الرسالة التي تربط بين الأجيال وتوحد بينهم، وتعد أيضا مفتاحا لفهم شخصية الأمة وخصائصها، كما أنها تعتبر الأداة التي ساهمت في تسجيل أفكار وأحاسيس وتاريخ الأمة. تتميز اللغة العربية بالعديد من الخصائص التي لا حصر لها والتي لا يمكن إدراكها كلها، ومن أهم خصائص اللغة العربية :الخصائص الصوتية فهي تمتلك مدرجا صوتيا أوسع من اللغات الأخرى، فمخارج الحروف فيها تتوزع بين الشفتين إلى أقصى الحلق، في حين تنحصر مخارج الحروف في نطاق أضيق ومدرج أقصر بالنسبة للغات الأخرى.
وتتوزع مخارج اللغة العربية في المدرج الصوتي بشكل متوازن ومنسجم، حيث يراعي العرب حدوث الانسجام الصوتي والتآلف الموسيقي في اجتماع الكلمة الواحدة وتوزعها وترتيبها، فـ في لغتهم لا تجتمع الزاي مع الظاء والسين مع الضاد والذال، ولا تجتمع الجيم مع القاف والظاء والطاء والغين والصاد، ولا الحاء مع الهاء، ولا الخاء قبل الهاء، ولا الهاء قبل العين، ولا النون قبل الراء، ولا اللام قبل الشين.
وتتميز اللغة العربية بثبات أصواتها على مدى العصور والأجيال لما يزيد على ن أربعة عشر قرنا، وهو ما ينعدم لدى اللغات الأخرى، كما أن للأصوات فيها وظيفة بيانية وقيمة تعبيرية، فالغين مثلا تفيد معنى الاستتار والخفاء والغيبة، والجيم تفيد معنى الجمع.
كما تمتاز بالتعريب اذ ترتبط ألفاظها في نسق خاص في الحروف والأصوات والتركيبة والمادة والبناء والهيئة، ويلعب التعريب التي يعد أحد مظاهر التقاء اللغة العربية بغيرها من اللغات دورا هاما في وضع و الكلمات المعربة على أوزان اللغة العربية وصيغها وهيئته، لكي تصبح عضوا كاملا فيها وغير غريب عنها.
ويعد الاعراب من أقوى عناصر اللغة العربية، ويعني تغيير الحالة النحوية للكلمات بتغير العوامل الداخلة عليها، فيما الاشتقاق من الخصائص التي تتفوق فيها اللغة العربية على باقي اللغات، حيث ترجع صيغها إلى أصل واحد، فما يسمى بالمشتقات التي تضم اسم الفاعل، واسم المفعول، واسم التفضيل، و اسمي الزمان والمكان، واسم الآلة والصفة المشبهة وغيرها، كلها تعود إل أصل واحد يحدد مادتها ومعانيها المشتركة.
ومما تمتاز اللغة العربية وجود المرادفات والأضداد التي هي مظهر من المظاهر التي ارتفعت باللغة العربية وزادتها تشعبا واتساعا، فأصبحت بذلك لغة ثرية وغزيرة الألفاظ والمفردات وذات مرونة و مطواعية، اضافة الى دقة التعبير اذ تعد اللغة العربية من أوسع اللغات في ما يخص دقة التعبير عن الصفات والأحوال، فهي تتميز بالجودة والفصاحة وسلامة التراكيب والرصانة.