داخل الملاعب وخارجها.. كيف تطور العرب في كأس العالم حتى باتوا رقماً صعباً؟

خطَّت قطر اسمها في سجلات التاريخ الرياضي بعد أن فازت بشرف استضافة كأس العالم في عام 2010، ثم وفت بوعودها هذا العام، بعد أن صارت أول دولة في منطقة الشرق الأوسط تستضيف أكبر بطولة رياضية في العالم. ويأمل كثيرون أيضاً في أن تتمكن منتخبات المنطقة من تحقيق إنجازات غير مسبوقة في تاريخ مشاركاتها بكأس العالم خلال هذه البطولة، بحسب تقرير لموقعMiddle East Eye البريطاني.

 

ارتفع عدد المنتخبات العربية المتأهلة للمشاركة في المونديال خلال السنوات الأخيرة، فقد زاد عدد الدول العربية المشاركة في البطولة من منتخبين (تونس والسعودية) في بطولة كأس العالم 2002 وبطولة 2006، ثم منتخب واحد (الجزائر) في بطولة كأس العالم 2010 وبطولة 2014، لتشارك 4 منتخبات في بطولة هذا العام. إذ تأهلت قطر تلقائياً إلى البطولة لكونها الدولة المضيفة، ومنتخبات المغرب والسعودية وتونس من خلال التصفيات المؤهلة لكأس العالم.

 

لو كانت الجزائر ومصر تمكنتا من التأهل، لزادت حصة الدول العربية المشاركة في هذه البطولة إلى مستوى تاريخي، لكن الجزائر تعرضت لهزيمة مباغتة أمام الكاميرون في الدقائق الأخيرة، وخسرت مصر بركلات الترجيح أمام السنغال في مباراة التأهل الفاصلة. وكادت الإمارات أيضاً تتأهل للمرة الثانية في تاريخها هذا العام بعد مشاركتها في نسخة 1990.

 

تاريخ العرب في المونديال

 

على الرغم من أن المنتخبات العربية لها تاريخ طويل من المشاركة في كأس العالم، فقد كانت مصر أول دول عربية تتأهل للبطولة عام 1934، إلا أن ثمانية منتخبات عربية فقط هي التي تمكنت من التأهل على مدار تاريخ البطولة، وهي: مصر والجزائر وتونس والمغرب والسعودية والعراق والكويت والإمارات.

 

خاض كل منتخب من المنتخبات العربية المشاركة مباراته الأولى حتى الآن، ما يعني أن بالإمكان الحديث عن الملامح الأولى لمشاركة الفرق العربية في هذه البطولة.

 

جاءت السعودية في صدارة الأداء المتميز للمنتخبات العربية، فقد تمكن المنتخب السعودي يوم الثلاثاء 22 نوفمبر/تشرين الثاني من الفوز بنتيجة 2-1 على منتخب الأرجنتين الفائز بكأس العالم مرتين، وهو انتصار مفاجئ وفوز غير مسبوق لفريق عربي على الأرجنتين في بطولة كأس العالم. وتحتل الأرجنتين المرتبة الثالثة في تصنيف فيفا لأفضل منتخبات كرة القدم للرجال في العالم، وهي أحد أبرز المرشحين للفوز ببطولة هذا العام. أما السعودية، فتأتي في المرتبة 51، ما يشير بوضوح إلى اتساع فارق المستوى بين المنتخبين.

 

وتمكن كل من المنتخب المغربي أمام كرواتيا، والتونسي أمام الدنمارك، من تحقيق التعادل بأداء جدير بالثقة والاستبشار بالمباريات المقبلة. أما خيبة الأمل الوحيدة للمنتخبات العربية، فجاءت من نصيب قطر في المباراة الافتتاحية للبطولة، فقد شهدت المباراة فوز الإكوادور بنتيجة 2-0 على منتخب البلد المضيف.

 

الخبرة مهمة

 

على الرغم من أن البطولة لا تزال في بدايتها والمباريات التي لُعبت قليلة، فإن هذه النتائج تلمح إلى بعض الأمور. أولها: أهمية الخبرة بالبطولة، فقد شاركت المغرب والسعودية وتونس في ست بطولات لكأس العالم، والمنتخب السعودي هو أول منتخب عربي يتأهل إلى كأس العالم في أربع مرات متتالية، بعد التأهل في بطولات 1994، و1998، و2002، و2006.

 

من جهة أخرى، فإن هذه أول مشاركة للمنتخب القطري في كأس العالم، وربما تأثر اللاعبون بثقل التوقعات المعقودة على منتخب الدولة المضيفة في المباراة الأولى. ومع ذلك، فإن فوز هذا المنتخب بكأس آسيا لأول مرة في عام 2019 قد يعطي بعض الأمل في إمكان تحسنهم خلال البطولة وترك بصمتهم فيها.

 

أما الأمر الثاني، فهو أن الفرق العربية يتحسن مستوى مشاركتها في البطولة بعد كل تأهل بكأس العالم، فتشير البيانات على مدى العقدين الماضيين إلى زيادة في النقاط التي فازت بها الفرق العربية في دور المجموعات: من نقطة واحدة في بطولة 2002 وبطولة 2010 إلى نقطتين في بطولة 2006، ثم 4 نقاط في بطولة 2014، و7 نقاط في بطولة 2018. وقد تمكنت المنتخبات العربية من الفوز بخمس نقاط حتى الآن في البطولة الحالية، وما زال لكل فريق منها مبارتان في مرحلة المجموعات، ما يعني أن تحقيق المنتخبات العربية لإنجاز تاريخي غير مسبوق في هذه البطولة أمر في متناول اليد.

 

الذهاب إلى ما هو أبعد

 

وبحسب الموقع البريطاني مع ذلك، تأمل المنتخبات العربية في أن تتجاوز مرحلة الفوز ببعض النقاط في دور المجموعات إلى إنجاز أكبر في أدوار خروج المغلوب، وربما الذهاب إلى ما هو أبعد من دور الـ16، الذي تأهلت إليه الجزائر في بطولة 2014، والسعودية في بطولة 1994، والمغرب فيبطولة 1986، لكن هذا الدور كان العتبة الأخيرة لهذه المنتخبات جميعاً.

 

 

من الممكن أن نعزو هذا التحسن التدريجي الذي شهدته منافسة المنتخبات العربية بالبطولة إلى نهجين مختلفين: النهج الأول، هو النهج الذي تميل إليه منتخبات شمال إفريقيا، والقائم على استيعاب اللاعبين مزدوجي الجنسية واللاعبين في جاليات الشتات بجميع أنحاء أوروبا، وهو اتجاه مرتبط بآثار الاستعمار السابق لهذه الدول وأنماط الهجرة منها.

 

أما النهج الآخر، فهو نهج قائم على الاستثمار الكبير طويل الأجل في المنظومات المحلية لكرة القدم، وهو النهج الذي تحبِّذه دول الخليج. ويترتب على ذلك النهج أنه كلما كانت الدولة أكثر ثراء، زادت قدرتها على استثمار الموارد ورؤوس الأموال في إنجاح مؤسساتها الرياضية.

 

لا تختص الدول العربية بأي من هذين النهجين، ولا بالنجاح فيهما. ويكفي أن نذكر، على سبيل المثال، أن 16% من لاعبي المنتخبات المشاركة في كأس العالم بقطر يلعبون لمنتخبات مختلفة عن الدول التي وُلدوا فيها، ويبلغ عددهم الإجمالي 137 لاعباً. ويتصدر المغرب القائمة بمشاركة 14 لاعباً ولدوا في الخارج من بين قائمة المنتخب المكونة من 26 لاعباً، أما منتخب تونس، فيضم 11 لاعباً ولدوا في الخارج.

 

استثمار مستدام

 

تحدث موقع Middle East Eye إلى خبير كرة قدم مغربي للتطرق إلى النجاح الذي حققه الاتحاد المغربي لكرة القدم في استهداف هؤلاء اللاعبين وحثهم على تمثيل المنتخب الوطني بدلاً من منتخبات البلدان التي وُلدوا فيها.

 

أشار الخبير المغربي إلى أن معظم هؤلاء اللاعبين يتدربون على ممارسة كرة القدم في خيرة أكاديميات أوروبا، ويتقدمون من سن مبكرة للعب في دوريات ومستويات من بين الأكثر تنافسية.

 

ويضرب الخبير المغربي مثلاً باللاعب منير الحدادي، مهاجم منتخب المغرب، فقد ولد في إسبانيا وتدرج في صفوف الناشئين بنادي أتلتيكو مدريد، ثم انتقل للعب في نادي برشلونة. وقد مثل منتخب إسبانيا في البداية، إلا أنه انتقل بعد ذلك لتمثيل منتخب المغرب منذ عام 2021.

 

والأمر نفسه يسري على مجموعة من أبرز لاعبي منتخب المغرب، مثل أشرف حكيمي المولود في إسبانيا، وحكيم زياش المولود في هولندا. وقد تدرجت دول شمال إفريقيا في اكتشاف هذه المواهب، وصارت أكثر قدرة على دمجها في فريق متماسك يستطيع أن يباري أفضل الفرق في العالم.

 

 

أما النهج الآخر، فيقوم على الاستثمار المكثف والمستدام، وقد أثمر نتائج إيجابية في كل من السعودية وقطر. فدوري المحترفين السعودي، البطولة الرئيسية لكرة القدم بالسعودية، لم يبلغ التصنيف الاحترافي بالكامل إلا في عام 2007، إلا أنه تمكن، في أقل من 10 سنوات، من بلوغ المرتبة 27 بين أقوى الدوريات الوطنية في العالم، متقدماً بذلك على دوريات أقدم وأرسخ، مثل الدوري التشيلي والدنماركي والمصري. ولم تكن السعودية لتبلغ ذلك لولا ما بذلته من استثمار في كل من رأس المال البشري، من مدربين ولاعبين من الخارج لتحسين الجودة العامة لبطولاتها؛ وفي البنية التحتية، من مرافق تدريب وملاعب.

 

أما قطر، فقد أنشأت أكاديمية "أسباير" في عام 2004 لتنفيذ الرؤية التي صاغتها البلاد لتطوير الرياضة، وجذب المواهب ورعايتها من سن الخامسة. وتقدر تكلفة الأكاديمية بنحو 1.3 مليار دولار، وشارك في افتتاحها أسطورة كرة القدم البرازيلية بيليه، وأثنى عليها نجوم آخرون، مثل زين الدين زيدان. ومن بين قائمة منتخب قطر المؤلفة من 26 لاعباً في كأس العالم 2022، يأتي 18 لاعباً من خريجي أكاديمية أسباير، منهم 10 لاعبين شاركوا في فوز المنتخب بكأس آسيا عام 2019.

 

مع ذلك، لا تزال الفرصة متاحة لمزيد من التحسن، لا سيما أن مشاركة الدول العربية في كأس العالم اقتصرت على 8 دول فقط حتى الآن، ما يعني أن النجاح محصور في مجموعة صغيرة من إجمالي الدول العربية. وقد جاءت بطولة كأس العرب خطوة جيدة نحو تحسين جودة المنتخبات العربية وقدرتها التنافسية، والآمال معقودة على وصول المزيد من المنتخبات العربية إلى البطولة العالمية.

 

ومما لا شك فيه أن المباريات القادمة للمنتخبات العربية في كأس العالم 2022 ستكون مصدر إلهام وتأثير في كثير من الأجيال القادمة من لاعبي كرة القدم العرب.