أذربيجان: ثبات الموقف إِزَاء فلسطين

كتبت يلينا نيدوغينا
تواصِلُ جمهورية أذربيجان الشقيقة مساندتها الفاعلة لفلسطين على الساحات السياسية والدبلوماسية والمعنوية والإعلامية، وفي غيرها من الميادين. ولكونها دولة إسلامية، فقد ترجمت روافع قواها على أرض الواقع في الأبعاد القارية والكونية، فهي إلى ذلك عضوٌ فاعلٌ في منظمات الأمم المتحدة والتعاون الإسلامي وحركة عدم الانحياز، ويَبرز اسمها عالياً من خلال الجوامع الاتحادية والهيئات الدولية الأخرى التي تساهم في أعمالها وأنشطتها. وبحكم علاقاتها الوثيقة مع العالم العربي والبلدان الإسلامية، ولثقلها في السياسة العالمية والآسيوية؛ ظل الموقف الرسمي لأذربيجان في دعم القضية الفلسطينية مَكِين، ومُتَأَصِّل، ومُتَجَذِّر، ومُتَمَاسِك، ومُحْكَم وباقٍ على مبادئ تتسم بأساسات عميقة وثابتة.
في المراجع، نقرأ أن العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين البلدين، فلسطين وأذربيجان، أقيمت في 15 أبريل 1992، بتمثيل غير مُقيم لفلسطين في أذربيجان حتى الافتتاح الرسمي لسفارة دولة فلسطين في باكو، باشراف وحضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس في عام 2011.
أذربيجان ساندت منذ استقلالها وبلا توقف للحظة واحدة القضية الفلسطينية، وشمل هذا جميع المحافل الدولية، حيث صوَّتت باكو دوماً لصالح القرارات المتعلقة بفلسطين. في عام 2009، وخلال زيارته لأذربيجان، صرَّح وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، إن البلدين يسعيان لاستعادة وحدتهما الإقليمية، وعليهما بالتالي التعاون عن كثب في المنظمات الدولية. وفي أبريل 2018، زار رياض المالكي أذربيجان، وأعلن أن الدولة الفلسطينية وشعبها يدعمان الموقف العادل لأذربيجان في قضية (قره باغ) التي سبق واحتلتها أرمينيا، وضرورة تسوية هذه القضية بموجب القانون الدولي.
قبل فترة قصيرة، 9-10 أغسطس 2022، التقى رئيس وزراء دولة فلسطين محمد اشتية فخامة رئيس جمهورية أذربيجان الحليف إلهام علييف في مدينة قونيا، التي استضافت الدورة الخامسة لألعاب التضامن الإسلامي، حيث ناقشا مسألة تعزيز الدعم والتعاون للشعب الفلسطيني، ودعاه لافتتاح سفارة لدى فلسطين. الرئيس علييف صرح آنذاك التالي: أعرب الرئيس إلهام علييف عن شكره على الكلمات الطيبة، مُشيراً إلى تضامن الشعب الاذربيجاني مع الشعب الفلسطيني. واستذكر زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى أذربيجان ولقاءاته معه، مُشيراً إلى أهمية توسيع التعاون في المجالات السياسية والاقتصادية، والتعليمية، والثقافية والرياضية. كما تناول الرئيس علييف في حديثه مسألة دراسة طلاب فلسطينيين في أذربيجان، مٌشيراً إلى تقديم مِنح دراسيّة إليهم، ومُعلِناً أن أذربيجان مستعدة لزيادة عدد هذه المِنح الدراسية العليا.
هنالك الكثير من اللغط والأكاذيب التي تلصقها بعض العواصم عنوةً بأذربيجان. وفي الحقيقة، فإن هذه القوى السوداء إنما تعتاش على التزييف والافتراءات لطمس حقوق فلسطين، ولتحييد باكو عن القدس وبيت لحم والخليل وفلسطين عموماً، وصولاً منها إلى دقِّ إسفين عميق في العلاقات العربية - الإسلامية - المسيحية - الأذربيجانية ذات الأعماق التاريخية الجامعة لهذه الدول، ولمحاولة تحييد دور أذربيجان في ملف المقدسات في فلسطين.
في الحقائق والوثائق، اعترفت أذربيجان بدولة فلسطين، وصوّتت مع القرارات كافةً ذات الصِّلة بحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة بالتصرف، وبخاصةٍ حقّه في الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وأحقية الفلسطينيين في التمتع بالسلام والاستقرار والتنمية والحياة الإنسانية ككل كائن حي في الدنيا.
وفي هذا التوجه الأذربيجاني المبدئي، سبق لفخامة الرئيس إلهام علييف وأن طالب بعقد جلسة لمنظمة التعاون الإسلامي بشأن القدس، بعد اعتراف الرئيس الأمريكي بها عاصمة موحدة لإسرائيل، وألقى في اللقاء كلمة قوية، بينما غاب الكثيرين من الرؤساء العرب عن الجلسة!
في سبتمبر 2022، أعلن رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأذربيجاني صمد سيـّدوف، رداً على سؤال صحفي: "نحن لم نفتح سفارة لغاية الآن رغم الضغوط التي تمارس علينا، لأن موقفنا مستقل حقيقة. نعم، لنا علاقات مع "إسرائيل"، لكن لنا علاقات مع فلسطين التي نقدم لها المساعدات ونعترف بدولة فلسطين، ونصوّت لصالح القرارات التي تدعم الموقف الفلسطيني، وننسق مواقفنا مع "حركة عدم الانحياز" التي ترأسها أذربيجان حالياً، و"منظمة التعاون الإسلامي". لقد بدأ التأييد الشعبي لفلسطين يَتَّسع في أذربيجان، وأقيمت بعض المظاهرات في باكو احتجاجاً على الهجمات الإسرائيلية على غزة. للأسف، لا توجد جالية فلسطينية في باكو تقوم بمهمة التوعية ونشر الأخبار والفيديوهات حول الجرائم الإسرائيلية. لكن وكما قال لي السفير: الإنسان العادي مع شعبنا، فقد جربوا التشرد واللجوء والاقتلاع ولا يمكن إلا أن يتعاطفوا مع مَن يعيش تجربة مماثلة مثل شعبنا" - المرجع: أ. عبد الحميد صيام. "بالاستاين فورم دون نت".