الأكاديمي مروان سوداح:-قصِّة الكفاحية الكورية على الأرض العربية (2)


 اكتمل نصف قرن وبدأ النصف الثاني منه للذكرى المجيدة بتقديم جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية المساعدة العسكرية الأممية لسورية ومصر، وبالذات على الجبهتين السورية والمصرية. واليوم، بعد بدء العام 51 على هذه الذكرى التي تؤكد عمق وصلابة الترابطات العربية مع كوريا كيم جونغ وون، من الضروري إعادة تسليط الأضواء عليها، اعترافاً بالجميل الأخوي الذي تصطبغ به كوريا في مساعداتها الحاسمة للعرب، ولتتعرَّف الأجيال العربية المتجددة على مآثرها، وليبقى التاريخ الحافل بالايجابيات والكفاحية بين عالمينا العربي والكوري مُضاءً بأحرف من نور ونار.
 ما زالت كوريا تتمسك بعلاقاتها العميقة مع عددٍ من الدول العربية ذات التوافق الفكري والسياسي معها، وتواصل بيونغ يانغ دعم العواصم العربية في السياسة، والعسكرية، والإعلام، والتنسيق الشامل، وهي اليوم وكل يوم على أتم استعداد لمساعدتنا في كل فضاء نتطلع إليه، وهذا صَمَّام أمان للعرب عامةً، بخاصةٍ لمَن يتمترسون في خنادقهم على خط النار الأول بمواجهة التوسعية الصهيونية.
 في الواقع، ووفقاً للمصادر الروسية، فإن المُثير للغاية هُوَ أن تقارير صحفية صينية كشفت، عن أن بيونغ يانغ أرسلت في يونيو عام 1973 "بعثة من سلاح الجو الكوري الشمالي اشتمل على عشرات الطيارين المقاتلين من ذوي الخبرة، كانوا قد نفذوا طلعات جوية ضد القوات الأمريكية في شبه الجزيرة الكورية". وبذلك، كانت كوريا قد أرسلت للمصريين والسوريين الأفضل والأمهر من طياريها الحربيين، مُسَانِدةً بذلك العرب دفاعاً عن استقلالهم، وليس العكس كما تزعم المصادر الصهيونية والأمريكية والغربية عموماً، في محاولة يائسة من المعسكر المضاد لنا تجفيف الصِّلات الكفاحية والنضالية والتفاهم العربي الكوري المشترك.
 في التحضير لحرب أكتوبر، اختار المصريون والسوريون يوم السادس من ذاك الشهر لسنة 1973، لشن حرب تحريرية خاطفة على الكيان الصهيوني. آنذاك، كان العدو الصهيوني يحتفل بما يُسمِّيه "عيد كيبور"، أو "عيد الغفران" في الديانة اليهودية، وفيه تتجمد تماماً مفاصل الحياة في الكيان العنصري، إذ يصوم فيه اليهود ويُقِيمون الصلوات. وبهذا الصدد كتب كيفين كونللي مراسل "بي بي سي" لشؤون "الشرق الأوسط" قبل عدة سنوات، أنه في أيام هذا العيد تصبح فيه "إسرائيل" "في أشد حالات الهُزَال"، وهو اليوم نفسه الذي اختاره المصريون والسوريون لشن حرب عادلة وخاطفة على الكيان التوسعي.
 في قصة الكشف عن سرية تمركز القوات الكورية في مصر، جاء في المراجع العسكرية، أنه في 15 أغسطس1973 التقطت المخابرات "الإسرائيلية" بث شبكة اتصال مجموعة من الطيارين في طائرات ميغ 21 مصرية كانت تحلق في السماء. لم يتحدث الطيارون اللغه العربية ولا الروسية. لم يستطع أحداً فهم أو معرفة بأي لغة هم يتكلمون. أحدهم اقترح إحضار إبنة شاؤول ايزنبرج إلى الكرياه؛ والذي كان لوالدها أعمال عديدة في الصين؛ وفعلاً أتت البنت لسماع التسجيل". بعد بضع طلعات جوية فوق "مطار بئر عريضة"، بعيداً في أعماق النيل، تأكد الأمر: (طيارون كوريون مَهرة) انضموا لمساندة سلاح الجو المصري". 
 تقول المصادر العسكرية الصهيونية بالحرف: "تجمعت لدينا معلومات تفيد بوجود سربين من طائرات الميغ 21 في ذلك المطار جنوب شرق القاهرة. وكانت وظيفتهم حماية الجهة الجنوبية الشرقية من القاهرة. قبل وصولهم. كانت الحماية الجوية لمصر بأيدي القوات السوفييتية والتي تجاوز عددها ألـ20 ألفاً. خمسة أسراب من الطائرات..  بطاريات صواريخ أرض جو.. قوات مقاتله مخابرات ومستشارين. 
بعد (إخراج) العسكريين السوفييت من مصر، بقرار من السادات بدون أي سبب وجيه (عددهم 100 طيار سوفييتي، يُشغِّلون 75 طائرة ميغ 21، وتسبب ذلك في نقص في أعداد الطيارين المصريين – مذكَّرات الفريق سعد الدين الشاذلي، رئيس هيئة أركان القوات المسلحة المصرية أبَّان حرب أكتوبر)، برغم أنهم حُلفاء مصر، ضعفت الجبهة المصرية، وأضحت الحماية الجوية المصرية ناقصه وهشّة، فكان من الضروري لمصر طلب المساعدة العسكرية السريعة من كوريا الديمقراطية. وحِيال ذلك ذَكَرَ الجنرال الصهيوني المتقاعد يونتان لرنر، وكان يعمل في قسم البحث في الاستخبارات الجوية، التالي: "أذكر كم كان صعباً اقناع "الكبار" في تل أبيب أن أمامنا طيارين من كوريا الشمالية.. بعد أن أحضرنا الاثباتات الاستخباراتية، اتذكر الجدال بيننا ما أذا كان ذلك دليلاً لنشوب الحرب.. أُولَئِكَ الذين كانوا مطلعين على "المصدر الرفيع" قالوا "لن تكون حرباً"!
 اللافت، أن موقع مجلة "ذا ناشونال إنترست" الأميركي الشهير، وهو خلية تفكير سياسية عامة في واشنطن، و أسسه رئيس الولايات المتحدة الأسبق ريتشارد نيكسون في ألـ20 يناير 1994 تحت اسم مركز نيكسون للسلام والحرية، سارع للاعتراف علناً بأن "مقاتلات طراز ميغ/21 من كوريا الشمالية شاركت مع مصر في حرب أكتوبر 1973 ضد "إسرائيل"، ونشر الموقع "رواية للطيار "الإسرائيلي" مئير غور، الذي قاد إحدى طائرات السرب "الإسرائيلي" الذي اشتبك مع مقاتلتين من كوريا الشمالية طراز ميغ/21 فوق الأجواء المصرية"، وكان قتال الكوريين ضد الصهاينة صراعاً ومنازلة شرسة ومخيفة لأعدائهم الذين اعترتهم متلازمة الصدمة الدهرية!!!
..:..