القهوة رمز حضاري شاهد على المتغيرات الاجتماعية والثقافية

 فرح موسى
أصبحت القهوة تشكل جزء كبيرا من الثقافة العربية الشرقية، خاصة أنها لم تعد مجرد مشروب يحتسيه الناس، نظرا لـ إرتباطها بـ الكثير من العادات والتقاليد والأحداث والمواقف التي تحدث في الشأن الإجتماعي والثقافي والسياسي في العالم الإجتماعي العربي. 
وبحسب شيوخ ووجهاء في محافظة إربد، أجمعوا في حديثهم مع "الأنباط" أن القهوة منتجا إلهي يحمل شحنات ثقافية وحضارية وتاريخية واجتماعية، ما جعلها ذات قيمة  رفيعة ورمز حضاري وشاهد على المتغيرات الإجتماعية والثقافية، ومعيار إندماج بـ الحداثة. 
وأضافوا، أننا تعونا على شربها منذ الصغر، خاصة القهوة العدنية ذات الجودة السعر المرتفع والمنتجة من أرض اليمن، والتي تعتبر من أفضل الأنواع على مستوى العالم، موضحين أن العرب قديما اشتهروا بشرب القهوة السادة التي تصنع بدون السكر وسميت بـ"المرة"، والتي أصبح وجودها يقتصر فقط في وقتنا الحالي على المضافات والمناسبات. 
وحول القهوة الأردنية، قالوا أن مذاقها يعتمد على نوعية مادة القهوة، حيث يتم إضافة القليل من الهيل لإضفاء النكهة الطيبة على ماقها، مشيرين إلى ان القهوة الخليجية تركز في صناعتها على الهيل بإضافة نسب عالية منه لها، خاصة أن زيادة الهيل لدى المجتمع الخليجي يعد من كرم الضيافة.  
وقد إرتبط مفهوم القهوة الإجتماعي عند العرب بـ الصلح والإصلاح، وفي حال طلب العروس، او حال الضيافة وغيرها، ومن العادات المرتبطة بـ تقديم القهوة عندهم في حالة طلب العروس، يتقدم الشيخ وجه الجاهة الطالبة بطلب ابنة أحد الأشخاص في ديوانه من خلال وضع الفنجان أمامه دون أن يشرب منه حتى تتم الموافقة، وعندما يوافق والد العروس، يقول: "جددوا القهوة"، وصبوا للشيخ فنجان القهوة، ليشربه إيذاناً بالموافقة على الطلب.
وأيضا من العادات ما يعرف بـ "فنجان حل المشاكل"، فـ عندما يقع خلاف بين العشائر بعضها ببعض، أو جريمة قتل، أو اعتداء وشجار بين الناس، تتدخل الجاهات العشائرية لـ الصلح مع حفظ الحقوق، وعندما يلتقي اطراف الصلح يكون فنجان القهوة حاضراً، ولا يشربها إلا الشيوخ، خاصة أنها تعتبر كـ السيف العربي الأصيل الذي يحمله الشباب والشيوخ على حد سواء للدفاع عن الشرف، أو لحل المشاكل المستعصية، أو لفك النشب بين الأطراف المتنازعة.
ومن الادوات التراثية التي تم إستخدامها في صناعة القهوة العربية، "المهباش" ؛ وهو جرن خشبي مأخوذ من شجرة البطم التي تعتبر من الأشجار النادرة مرتفعة الثمن، و"المحماس" لقلي القهوة الذي يتكون من صينية معدنية صغيرة الحجم ذات سماكة يمكنها تحمل النار عند التحميس، ومعها ذراع طويلة لتحريك القهوة عند التحميص، وهناك "محاميس" لها قاعدة من الأرجل تترك على النار دون الإمساك بها، واستعمال الذراع لتحريك القهوة خوفاً من أن تحترق.
وعن كيفية صناعة القهوة نقوم بـ وضع كمية مناسبة من الماء في وعاء فوق النار، ونتركه حتى يغلي، ونضيف عليه قهوة مطحونة خشنة لمدة نصف ساعة، بعدها نرفع الوعاء عن النار ونتركه نحو ربع ساعة حتى ترتاح القهوة وتستقر الحبيبات في قاع الطنجرة أو الوعاء.
ثم نأخذ القهوة الصافية الموجودة أعلى الطنجرة، ونصبها في (دلال أو بكارج) مخصصة لهذه الغاية، ونضيف عليها مادة الهيل لـ إضفاء نكهة مميزة عند تناولها، على أن تبقى بجوار الجمر على المنقل لأنه من المعيب على صباب القهوة أن يقدمها باردة أو فاترة، إنما يجب أن تكون حارة يعمل الضيف على تبريدها بطريقته الخاصة، وعلى صباب القهوة أن ينتظر حتى يُفرغ الضيف من شرب الفنجان، فإذا لم يحرك فنجان القهوة بين أصابعه معلناً عن عدم رغبته بفنجان آخر، عليه أن يصب له الفنجان تلو الفنجان حتى يحركه، ويؤكد عدم رغبته في التكرار.