فضفضة / الحلقة الحادية عشر .
تحدثت في الحلقة السابقة عن تفاصيل زيارة رئيس الولايات المتحدة لإسرائيل . وقد اثارت هذه الزيارة والتصريحات التي صرح بها بايدن خلالها ، وتوقيعه اعلان القدس مع رئيس الوزراء الإسرائيلي ، موجة غضب في الشارع الفلسطيني . حيت اعتبرت الفصائل الفلسطينية ما حدث بأنه اعتداء على الشعب الفلسطيني وحقوقه . كما انطلقت مظاهرات شعبية منددة بها ومطالبة بالغائها .
وفي صبيحة يوم الجمعة الموافق 15 / 7 / 2022 . وبعد انتهاء زيارة بايدن لإسرائيل ، قام بزيارة لمستشفى المقاصد في القدس الشرقية دون مرافقة رسمية . حيث صرح بأن الولايات المتحدة الامريكية ملتزمة بدعم الصحة والرعاية للشعب الفلسطيني . وانها ملتزمة بتوفير مائة مليون دولار للمستشفيات الفلسطينية في القدس . ثم قال انه لا نية لدى بلاده للتراجع عن اعتبار القدس عاصمة يهودية وابدية لإسرائيل ، بما فيها القدس الشرقية .
وبعد هذه الزيارة توجه بايدن الى مدينة طولكرم ، في زياة للسلطة الوطنية الفلسطينية استمرت اقل من ساعتين . حيث جري له عند وصوله استقبال رسمي . ثم عقد اجتماعاً مع رئيس السلطة الفلسطينة ، وبعد جلسة المباحثات عقدا مؤتمراً صحفياً تحدث فيه بايدن وقال اننا لن نتخلى ابداً عن مساعدتنا لتحقيق السلام في المنطقة . و اننا سنقدم 200 مليون دولار لدعم الشعب الفلسطيني ، ( مقابل38 مليار دولار لإسرائيل ) والتي من المفترض ان يتم تسليمها للسلطة عن طريق مكاتب منظمة الاونروا ، والتي كان سلفه ترامب قد اغلقها ولا زالت مغلقة حتى الآن . مؤكداً دعمه لحل الدولتين وللمفاوضات التي تدور بين الطرفين ، ولكنه قال بأن الظروف ليست متوفرة حلياً لتحقيق هذا الهدف لعدم موافقة الجانب الإسرائيلي عليه . ثم قال ان الولايات المتحدة لن تتخلى عن تقديم المساعدة لتحقيق السلام . ولكنه لم يحمل معه اي خطة او اقتراح لدعم هذا الخيار ، او دفع عملية السلام المتوقفة . وكتفى بالقول بأن بلاده سوف تسعى الى تحسين ظروف الحياة للفلسطينيين . وقال ان علينا العمل مع الفلسطنيين والإسرائيلين لمستقبل افضل . وشدد على ان الشعب الفلسطيني يستحق دولة ذات سيادة . واعرب بايدن عن امله بأن تشكل زيارته دفعاً للفلسطينيين والإسرائيليين من اجل تحقيق السلام . وعبر عن نيته لاعادة فتح القنصلية الامريكية في القدس الشرقية دون ان يحدد موعدًا لذلك . ثم شجب الهجمات الفلسطينية التي جرت خلال الربيع الماضي ، وتسببت في مقتل خمسة عشر يهودياً ، ودون ان يشير الى وفاة السيد عمر سعد ذي الثمانين عاماً والذي يحمل الجنسية الامريكية في نوبة قلبية ، اثناء توفيفه واحتجازه من قبل السلطات الإسرائيلية ، ولا الى مقتل الصحفية شيرين ابو عاقله ، والتي تحمل ايضاً الجنسية الامريكية ، على يد جنود اسرائيليين ، اثناء تغطيتها للاحداث في منطقة جنين . ودون ان يتحدث عن المضايقات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني على الطرقات ، ولا عن عمليات الاعدام الميداني بحجة الشك بالقيام بعمل ارهابي حسب تعبيرهم . كما لم يشر الى ما يحصل في قطاع غزة ، وعمليات القصف الجوي والمدفعي وعشرات القتلي ، ومن بينهم الكثير من النساء والاطفال . بل على العكس من ذلك فقد وجه ادانته لحركة الجهاد الاسلامي وحركة حماس اثناء زيارته لإسرائيل وحملهما مسؤولية هذا الاحداث والتي وصفها بالارهابية . كما لم يتحدث عن اعادة السماح لمكاتب الانروا للعمل في مناطق السلطة وقطاع غزة التي كان قد اغلقها سلفة الجمهوري ترامب .
وبشكل عام فهو لم يقدم اي شيئ للفلسطينيين ، ولا حتى خطة عمل لانجاح المفاوضات ما بينهم وبين الإسرائيليين ، ولم يشر الى امكانية ممارسة اي ضغط على الجانب الاسرائيلي في سبيل انجاح المفاوضات على حل الدولتين ، او على الاقل تحقيق وعده بفتح القنصلية الامريكية في القدس الشرقية ، والتي تتطلب حسب وجة النظر الامريكية ، موافقة إسرائيل عليهم . ولا حتى في مجال تخفيف القيود الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني وتسهيل امور حياته اليومية .
اما السيد محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية فقد تحدث في المؤتمر الصحفي مؤكداً اهمية أحياء اسس عملية السلام ، وقال نحن متمسكون بدولة فلسطينية عاصمتها القدس وبحدود عام 1967 . وان السلام يبدأ بالاعتراف بحق اقامة الدولة الفلسطينية . واعرب عن تطلعه لموقف امريكي لإنهاء الاستيطان الإسرائيلي ، وعلى وقف تصرفات إسرائيل وكانها دولة فوق القانون . وطالب بموقف امريكي لإنهاء الاستيطان والاقتحامات والاعتقالات الإسرائيلية في الاراضي الفلسطينية ، واعادة فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن ، والذي سبق وان اغلقه ترامب .
وبعد انتهاء اللقاء غادر بايدن طولكرم بطائرة هيلوكبتر الى مطار بن غوريون ليستقل الطائرة الى مطار جدة في اول رحلة مباشرة من مطار إسرائيلي الى مطار في السعودية ، والتي كانت قبل ذلك قد اعلنت فتح اجواءها امام الطائرات من اي مكان بما فيها إسرائيل .
وقد جاءت زيارة بايدن للضفة الغربية واجتماعه مع محمود عباس في يوم الجمعة ، وفي وقت صلالة الجمعة ، دون التفات الى رمزية هذا اليوم وهذه الصلاة عند المسلمين . كما جاءت زيارته للسعودية في نفس اليوم وما ترتب على ذلك من انشغال المسؤولين السعوديين وعشرات الآلاف من الموظفين ورجال الامن السعوديين للاعداد لهذه الزيارة وحمايتها ، وما يتطلبه ذلك من تواجدهم في الشوارع بدلاً من المساجد . مما يثير تساؤلا فيما اذا كان الطرف الإسرائيلي سيوافق على المشاركة في مثل هذه النشاطات في يوم سبت ؟
وتعود بي الذاكرة الى مؤتمر مدريد للسلام الذي عقد عام 1991 حيث كان يوم الجمعة هو يوم العمل الثاني للمؤتمر . وقد جرت وقائع هذا اليوم واجتماعاته بشكل عادي وبمشاركة الوفود العربية ، ولوقت متأخر من النهار لانجاز كل العمل دون التوقف لاداء صلاة الجمعة . وذلك بضغط من رئيس الوفد الإسرائيلي اسحاق شامير حتى تنتهي مباحثات هذه الجولة قبل ان يحل يوم السبت كي لا يتم المس بقدسيته ، مظهراً اعتزازه بشعائره الدينية بالرغم من انه غير متدين . كما انه حرص في هذا اليوم ان يذهب الى كنيست قريب من مكان الاجتماعات سيراً على الاقدام لحرمة ركوب السيارات لديهم في هذا اليوم .
ولكم ان تستنتجوا العبر من هذا التصرف من قبل الطرفين .
مروان العمد