بـ الإقدام وليس على الأقدام شقت مسارها الى البطولات العالمية

رؤى الزعبي
أسماء... إرادة من ذهب
"الحياة لا تحتاج الى أقدام بل تحتاج إقدام"...
بهذه الكلمات بدأت صاحبة الصوت القوي الواثق الثلاثينية  أسماء عيسى حديثها عن قصتها المليئة بـ المعاناة، إذ تكالب عليها الضنك والحزن من نزوح وترحال جراء الغزو على وطنها العراق ما دفعها للهجرة والإستقرار في الأردن منذ سنوات طويلة.
 فتاة طموحة حالمة قدر لها أن تتعايش مع معاناة حركية بـ قصر في قدمها اليمنى كتبت بخط القضاء والقدر منذ ولادتها،،
تقول أسماء، "قمت بتركيب طرف صناعي لقدمي في العراق لكنه لم يفِ بالغرض، فكان أول أمر أقوم به عند دخولي الأردن هو تركيب طرف صناعي لأتمكن من الحركة بسهولة".
حياتها الأكاديمية,,,
أسماء لم تستطع الاستمرار في دراستها، إذ كان التنمر الذي تتعرض له أحد الأسباب التي حالت بينها وبين دراستها، تارةً عبر نظرات زميلاتها، او عبر الاساءة لها لفظياً، أن لها ثلاثة أرجل بسبب الجهاز الذي تضعه في قدمها.
 ناهيكم عن العامل الأبرز المتمثل بـ الاختلاف بين المناهج الدراسية بين العراق والأردن، الذي ولد لها صدمة وخوفاً من التعليم، لكن العامل الأكبر كان في رفض ذويها الدراسة والتعرض لـ الاختلاط خاصة أنها الوحيدة بين ثلاثة إخوة، ومن حبها لهم لم تعارضهم يوماً ،لذلك لا تزال علاقتها قوية مع عائلتها حتى الآن.
أصبحت أسماء بحاجة إلى أصدقاء ونافذة تطل منها على الحياة لتمنحها الأمل، بعد انقطاعها عن المدرسة لفترة من الزمن ، أصبحت تبحث عن أناس يشبهونها ولديهم مشاكل قريبة لمشكلتها ، فـ بحثت عن مؤسسات محلية تجمع ذوي الإعاقة لتساعدهم على إيجاد خارطة طريق لقدراتهم.  
تعرفت أسماء على عدد من الأصدقاء من ذوي الإعاقة من خلال زياراتها المتعددة  للجنة البارالمبية ،وهي عبارة عن اتحاد أردني لرياضة المعوقين، وجدت نفسها محبة لرياضة رفع الأوزان الثقيلة (الأثقال)، لأنها  تشعرها بالسعادة وتزودها بالطاقة الإيجابية التي تخفف ضغوطات الحياة والمواقف التي تتعرض لها، وجعلتها تكون صداقات قوية حفزتها على هذا النوع من الرياضة.
قررت أسماء أن تعتمد على نفسها وتبدأ مرحلة من حياتها تطمح إليها، فبدأت بمحاولات عديدة لإقناع عائلتها بدخول مجال الرياضة، ولكنها واجهت رفضاً قوياً، لانهم ينظرون لها  انها فتاة وهذه الأمور لا تجوز لها.
 ولكنها لم تستسلم وحاولت مراراً وتكراراً حتى اقنعتهم برغبتها بالبدء في رياضة رفع الأثقال، إذ توسلت الجانب العاطفي مع اهلها مستخدمة إعاقتها كـ حافز يدعمونها لأجله، كونها ليست أول فتاة تدخل هكذا مجال .
رحلتها والعمل,,, 
 واجهت أسماء صدمة في إيجاد عمل مناسب لها لوضعها الجسدي الخاص، لأن المرافق التابعة للمؤسسات والمديريات غير معدة ومهيأة لعمل ذوي الاعاقة، ما زاد من معاناتها وأضاف معوقات خارجية وجديدة لحركتها.
هذه التحديات صنعت إمرأة داخل أسماء لا تستسلم ولاتنكسر ولا تقبل الهزيمة، عملت على إثبات وجودها قدر الإمكان، ليتم تعيينها بوظيفة مسماها "مراقبة عمل"  في وزارة الشباب عام 2015 ، بتوصية من اللجنة البارالمبية التي بدأت تفتح لها أبواب الأمل والنجاح. 
"لن أستطع إنكار فضل الداعم الأساسي في حياتي"
أحبت أسماء  الشاب عمر بطل رفع الأثقال الذي كان يقوم بتدريبها منذ بداية دخولها مجال الرياضة عام 2010 ، و كان هو المحفز الرئيسي لها في مجال الرياضة ورفع الاوزان كونه بطل اللجنة البارالمبية لعدة سنوات ، والمحفز لها في العمل والتقدم والتطور  .
 و تقدم لطلب يدها بعد أن تعرفا على بعضهما جيداً، ولكن واجهها انتقادات كثيرة وتنمرا كبيرا من المجتمع المحيط بهما وذلك لكون عمر لا يستطيع المشي وبحاجة لكرسي للتنقل، لكنهما كانا مُصرّين على الارتباط بسبب حبهما لبعض وتفهمهما لطبيعة حياة بعضهما.
 تقول أسماء:" توج حبنا  بالزواج، ومضى على زواجنا  سبع سنوات، نحب بعضنا ونعمل للحفاظ على هذا الحب، لم يعد عمر يدربني، لكنه يشرف على تدريباتي وبتابعني عن بعد أثناء تواجده في صالة التدريب، كل مرة أشعر بحماس أكبر وأقوى، وأملنا بربنا كبير أن يرزقنا بثمرة هذا الزواج" .
نجاحاتها
وبسبب الحماس والطموح العالي لدى أسماء في السعي للوصول الى القمة والتميز بالرغم من وجود مؤثرات و عقبات تعيق حركتها و حياتها، إلا أنها تحدت هذه الصعاب والمعيقات لتصبح ضمن فريق منتخب رفع الأثقال في اللجنة البارالمبية.
أثبتت اسماء لنفسها وللجميع  أنه رغم المعوقات إلا أنها  حصلت على جوائز عديدة وميداليات ذهبية ببطولة هنغاريا الدولية  عام 2011 ،وبطولة ماليزيا/كوالالمبور عام 2013، وميداليات برونزية ببطولة فزاع الدولية في دبي عام 2015 ،وبطولة غرب آسيا في عمان عام 2019 ،وتأهلت إلى أولمبياد طوكيو في اليابان عام 2021 ، وميدالية فضية في بطولة أسياد آسيا في كوريا عام 2022 .
إذ أهلتها هذه  الإنجازات المتتالية إلى بطولة بارالمبيك باريس في فرنسا عام 2024. أسماء ترفع الآن أوزان تصل إلى 126 كيلوجرام بعد أن بدأت ب 50 كيلوجرام، وهي تحتل المرتبة الرابعة عالمياً برفع الأثقال بين النساء من أصل 25 فتاة مصنفة.
 وجدت  أسماء أن الحياة بحاجة الى اصرار وتحدٍ وعزيمة، فهي ترى أنها استطاعت ان تكمل حياتها بقدم واحدة ولم تيأس، وتقول: " لا أريد أن احتاج أي شخص  ولا أريد أن أرى نظرة حزن وشفقه لي، وأستطيع القيام بعمل كل شي اتمناه دون أي تردد ".
بالرغم من تحقق حلم أسماء في ممارستها الرياضة ونجاحها الباهر في هذا المجال الذي اختارته وحصولها على وظيفة والزوج الذي تحب، الا ان احلامها وطموحاتها لم تتوقف عند هذا الحد، حيث تسعى للتقدم والتطور فهي تتمنى أن تحسن  أرقامها في رفع الأثقال ،وان تكون من الأوائل في العالم ، وتصل لرقم عالمي يحمل إسمها.
ما تدعو إليه,,, 
"كلما كان لدى الإنسان هدف يسعى إليه سيصل في النهاية إلى مبتغاه"
ليس هناك  إعلام منصف بحق ذوي الإعاقة ، تقول أسماء بعتب ."بل هناك تهميش وإقصاء لنا ولنجاحاتنا واطالب بتسليط الضوء علينا لأن هذه القصص تحفز باقي ذوي الاعاقة للخروج والتحدي لما قد يشاهدونه من إنجازات للاخرين، وكذلك الأمر يعود للأشخاص غير المعاقين لتقبلهم لنا في المجتمع لكي يتعودوا على وجودنا  بينهم بدون نظرات الشفقة والحزن علينا".
توجه اسماء نداء للإعلاميين والمحطات التلفزيونية للاهتمام بقضاياهم وعرضها وإبراز تحدياتهم  وما يحققونه من نجاحات عالمية وبطولات دولية ،وطالبت بتخصيص برامج اذاعية وتلفزيونية لهم لتسليط الضوء على العقبات والمشاكل التي يواجهونها ويتعرضون لها.
 وذلك لدعمهم نفسيا ومعنويا کأفراد منتجين داخل المجتمع، لتقليل الفجوات الاجتماعية القائمة بينهم وبين باقي المواطنين، مبينة أن مواقع التواصل الاجتماعي لا تساعد فقط في الحصول على حياة أکثر استقلالية لذوي الإعاقة، ولکنها تسمح أيضا بتعزيز الوعي بالإعاقة والظروف التي تحيط بحياتهم في المجالات كافة.
واختتمت  أسماء  حديثها أنها كلما تعاملت مع أشخاص جدد تكتشف انها تحتاج ايضا لزيادة رصيدها العلمي، وتقول: "لن اوقف طموحي لأن العمر مجرد رقم ،وليس عيباً أن  يطور الانسان من حاله  ويطور من عمله لذلك  قررت أن أكمل دراستي التي حرمت منها وها أنا الأن أقدم امتحاناتي للثانوية العامة، وسوف يأتي ذلك اليوم الذي أكمل  دراسة البكالوريوس وأن أنال شهادة دكتوراة أكاديمية، وسأبقى أحلُم و أصل لهدفي لو بعد حين".