خبراء وأكاديميون : نمو الناتج يعطي صورة عن الاتجاه الذي تسير فيه الدولة ولا يعكس حقيقة ما يجري فيما يخص مؤشرات الرفاه

العلاقة بين النمو الاقتصادي والرخاء الاجتماعي تبادلية
خبراء وأكاديميون : نمو الناتج يعطي صورة عن الاتجاه الذي تسير فيه الدولة ولا يعكس حقيقة ما يجري فيما يخص مؤشرات الرفاه
الأنباط – سبأ السكر
إنبثقت فكرة قياس "الرخاء المشترك" من ان النمو الأقتصادي للدول يصاحبه أحيانا المزيد من انعدام المساواة والإقصاء الإجتماعي، ويعكس التركيز على الرخاء حقيقة أن العديد من البلدان تنشد زيادات سريعة ومستدامة في مستويات المعيشة لمواطنيها جميعا، وليس فقط للقلة المحظوظة، وإذا كان إنهاء الفقر المدقع بحلول عام 2030 هدفا واضحا وأولوية، فإن الرسالة لا تتعلق فقط بأشد البلدان النامية فقرا وانما الأهتمام بالفقراء أينما كانوا، وفقًا للبنك الدولي.
وكان تقرير صادر عن معهد "ليغاتم" كشف عن حصول الأردن على المرتبة 81 من أصل 167 دولة بحسب مؤشر "ليغاتوم لـ الإزدهار والرخاء لـ عام 2021 الذي يستند في تقييمه على 12 ركيزة أساسية في ثلاثة مجالات أساسية لـ الازدهار، بهدف تسليط الضوء على نقاط القوة والضعف بين 167 دولة حول العالم؛ لتحديد الخيارات الاقتصادية التي يجب القيام بها لمواصلة بناء مجتمعات شاملة، وفتح المجال أمام الابتكار، وتمكين الناس من تحقيق الرخاء المطلوب
وفي السياق اكد الخبير الأقتصادي حسام عايش أنه "كلما ارتفع نصيب الفرد ارتفعت به معدلات الدخل ومعدلات الانفاق، ليصل إلى قياس الرفاهية، مؤكدا أن هذه المعادلة واحدة من أبرز ادوات قياس الرخاء الإجتماعي. 
وأضاف، أن هناك الكثير من الاراء المتباينة حول فاعلية قياس معدلات الرخاء الاجتماعي من خلال معيار الناتج المحلي، موضحا أنه ظهر في دول العالم المتقدم ما يعرف بـ "موازنات إجتماعية" شأنها الرئيس التركيز على إحتياجات وأولويات الفرد كـ الصحة والتعليم والتكنولوجيا والرفاة، مشيرا إلى ان توفر فرص العمل وإنخفاض معدلات الفقر والبطالة وتحقيق الرخاء الإجتماعي متوقف على جدوى وفاعلية الإنفاق لهذه الموازنات في خدمة الحماية الاجتماعية والرخاء الاجتماعي. 
وتابع أن العالم العربي يخوض فجوة هائلة بين الحاصلين على دخل مرتفع وبين من يحصلون على دخول متدنية بحسب معيار الناتج المحلي، موضحا أن بعض الدول العربية يتجاوز دخل الفرد فيها الـ 100 ألف دولار، وبعضها الاخر الـ 1000 دولار، وهذا ما يثبت أن إجمالي الناتج المحلي أحد أهم المقاييس التي لا زالت معتمدة بـ التعرف على معدلات دخول الأفراد. 
وفي الأردن خاصة أوضح عايش أن الكيفية التي ينمو فيها الأقتصاد لها أهمية تساوي أهمية معدلات إجمالي الناتج، وأن ما يزيد معدل النمو الإقتصادي هي نفس الادوات المستخدمة منذ سنوات طويلة، وبالتالي استقر معدل النمو الإقتصادي وإجمالي الناتج المحلي، أو يتراوح بين الاستقرار، أو وصولها لأفضل حالة بتساوي معدل النمو الأقتصادي بمعدل النمو السكاني، وبالتالي فإن عائدهُ يساوي (صفر) على معدلات الدخل، مشيرًا انه " في جميع الأحوال معظم وان لم يكن جميع الأسر الأردنية لا تحصل على نصيبها من الناتج المحلي الإجمالي، ومن يحصل ككل يتراوحون بين 5-7 % من إجمالي الأسر الأردنية".
وأضاف، ان حاصل إجمالي الناتج المحلي يحصل عليه قله من المواطنين، لذلك لا يشعر البقية في عائد هذا النمو الأقتصادي وتحسن في معدلات الدخل، وبالتالي يحدث انخفاض في معدلات الانفاق، بمعنى أن الانفاق على الرفاهية وفق معدلات الدخل ونفقات الأسر نحو 2% (يرتفع أو ينخفض قليلاً) يعطي مؤشرات على ان عائد الناتج المحلي الإجمالي لا يلعب دور في تحسين مستوى رفاهية الفرد، فان العائد الإجتماعي اما قريب من الصفر أو صفر أو بالنسبة للبعض دون الصفر".
ومن الجدير الإشارة إليه هنا، أن النتائج الأولية لـ التقديرات الربعية لـ الناتج المحلي الإجماي وفق تقرير صادر عن دائرة الإحصاءات العامة، أوضح أن "النتائج الأولية للتقديرات الربعية للناتج المحلي الإجمالي بأسعار السوق الثابتة للربع الرابع من عام 2021 أظهرت نمواً بلغت نسبته 2.6% خلال الربع الرابع من عام 2021 مقارنة بالربع الرابع من عام 2020، ونموا بلغ 2.2% في عام 2021 مقارنة بعام 2020".
وبدوره قال أستاذ الأقتصاد في جامعة اليرموك الدكتورعبد الرزاق بني هاني، إن النمو الأقتصادي الأيجابي يعرف بـ زيادة مطردة في قيمة الناتج المحلي الإجمالي، مبينًا إرتفاع الدخل سيرفع من متوسط حصة الفرد من الناتج المحلي، وبالتالي فإن قدرة الفرد على شراء السلع والخدمات المختلفة سترتفع وهذا ما يشار إليه بـ "الرخاء الإجتماعي".
وأضاف أن هناك الكثير من المتخصصين والخبراء في الشأن الإقتصادي يرون أن العلاقة بين النمو الاقتصادي والرخاء الاجتماعي تبادلية، بمعنى أنه عندما يتمتع الفرد بالرخاء والرفاهية في المجتمع ينعكس على حالته النفسية، وبالتالي فإن انتاجيتهُ سترتفع.
في ذات السياق أكدت المستشارة والأخصائية الإجتماعية فادية الابراهيم لـ "الأنباط" أنه لا رخاء ولا ازدهار ان كان النمو الأقتصادي لا يشمل الجميع بشكل متساوي دون اقصاء او ابعاد، مبينةً ان تحقيق المساواة في فرص العمل وتوزيع الثروات، والتعليم والصحه والامتيازات، وحرية الرأي والتعبير بين جميع افراد المجتمع، يضمن للمجتمعات حياة كريمه بدون تحيز او تمييز، ويحقق الكرامة الانسانية ويزيد من ترابط المجتمع ومتماسكة ويعزز قيم المواطنه الصالحه عند افراد المجتمع.
واضافت، ان العمل على رخاء المجتمعات، يقلل من الظواهر المجتمعية السلبيه مثل الفقر والبطاله والجريمة والتفكك الاسري، ويتحقق الرفاة الاجتماعي بدعم الفئات الاجتماعية المضطهدة في المجتمع او الفئات المنقوصة الحقوق مثل المرأة والطفل والاقليات العرقيه والدينية، ودعم الشباب وتوفير فرص التعليم والتدريب والتطوير لهم لانهم يشكلون الغالبية العظمى لمجتمعاتنا العربية.
وتابعت الإبراهيم، أن تعزيز مفهوم المواطنه الفاعله والحاضنة للتنوع يسهل مهمة الوصول للرفاه الاجتماعي وبناء فكرة العمل المجتمعي كنهج اجتماعي يحقق الكثير من الرفاهيه الاجتماعية فمسؤولية تطوير المجتمعات تعاون جاد ومثمر بين الجهات المختلفه الرسمية والخاصة ومنظمات المجتمع المدني، آخذين بعين الإعتبار مراعاة الفروقات بين المجتماعات وخصوصيات كل مجتمع. 
وبينت، ومع ثورة التطور الرقمي انتقلنا شئنا أم أبينا من مجتمعاتنا تقليدية الى مجتمعات رقميه، الأمر الذي أحدث الكثير من التغيرات التي يجب مراعاتها والتماشي معها أبرزها قيمنا وسلوكياتنا الاجتماعيه المفترض ان تكون منسجمه مع طبيعة العالم وتطوره، في ظل السعي الجاد لتحقيق الاحتياجات الانسانية الاساسية للمواطنين لضمان بيئات اجتماعية أمنه يسودها الاستقرار والسلام.
وأوضحت أن النمو على المستوى الكلي مهما ارتفع لا يعني تحسنا لجميع الأفراد، فهناك عوامل مرتبطة بتوزيع الدخل ونوعية الخدمات المقدمة والدخل الحقيقي وكميات الاستهلاك الفردية التي لا يقيسها هذا المؤشر، وهذا التناقض بين النمو على المستوى الكلي والفردي يولد فجوة الثقة في البيانات المنشورة والراي العام حولها، وهذا ليس حصرا على الأردن، ففي فرنسا وبريطانيا فإن نسبة الثلث من السكان تصدق البيانات الرسمية، والكثيرون أميل لتصديق انطباعاتهم بدلا من البيانات والاحصاءات، مؤكدة أن نمو الناتج يعطي صورة عن الاتجاه الذي تسير فيه الدولة ولا يعكس حقيقة ما يجري فيما يخص مؤشرات الرفاه.
ومن الجدير ذكرُه ان مصطلح "الرخاء المشترك"  قائم على عنصرين أساسيّن النمو الأقتصادي والمساواة، اذ ينطوي ويسعى إلى زيادة نمو الدخل بين الشريحة الدنيا التي تشكل 40% من السكان، فبدون نمو اقتصادي مستدام، لا يبدو أن ثمة أملا للفقراء كي يرتقوا بمستوى معيشتهم، لكن النمو ليس كافيا في حد ذاته، فـ التحسن في مؤشر الرخاء المشترك يتطلب نموا يشمل أيضا من هم أكثر احتياجا، بحسب تعريف البنك المركزي.