د.أنور الخفش يكتب:-هـل إعادة بناء إمكانيات الدولة مدخل للتعامل مع التحديــات الإقتصادية؟
تركت منهجية التخصيص في الدول النامية خللاً في بنية الإقتصادات نظراً لفشل التجربة في المعالجة والتخطيط ، في المستجدات ما بعد جائحة كورونا في الوقت الذي يشهد العالم تسارع آفاق التحرُّر الإقتصادي على النطاقين العالمي والإقليمي وأهمية دور التعاون الدولي الذي فشلت في تصميمه وترسيمه من قبل منظمة التجارة العالمية والبنك الدولي بعيداً عن إيجاد مناخ ملائم لنمو وتشجيع الإستثمارات وتحرير التجارة بشكل عادل ومنصف متجاوزين حدود الديموقراطية الإقتصادية المتكافئة دولياً. مما أوجب على كافة الحكومات والدول على تهيئة وإعادة هيكلة إقتصادياتها ومؤسساتها للتعامل بإيجابية بهدف الإندماج في الإقتصاد العالمي الجديد ، عبر مجموعة البريكس الإقتصادية بقيادة الصين وروسيا ، مع بروز معادلات جديدة تعتمد على مرونة وكفاءة وبأقل الخسائر وتحقيق التوازن الإقتصادي والإجتماعي في الداخل ( تعزيز البعد الوطني) وزيادة معدلات النمو وتنويع مصادر الدخل من خلال إعادة سيطرة الدولة على الإمكانيات الإقتصادية والتخطيط وعدم الإكتفاء بدور المنظِّم ، وتنمية الموارد البشرية، وتعزيز دور القطاع الخاص في تطوير القطاع الإقتصادي الوطني والمالي وتوفير المناخ المناسب لتحرير التجارة وجذب الإستثمارات الخارجية وتعزيز سيطرة وقدرات الإستثمارات الوطنية من خلال توطين التكنولوجيا الرقمية المتطورة وتطبيق أساليب الإدارة الحديثة وفصل الإدارة عن الملكية بديلاً عن بيع كامل حصص الدولة مع الإبقاء على حصص ملكية تمكنِّها من السيطرة في القرارت الإستراتيجية في المؤسسات الأساسية وتبادل المعلومات والخبرات وبناء شراكات وتحالفات إقتصادية على مستوى إقليمي وعالمي.
خير مانبدأ ماهو ، أن التجارب السابقة في التخصيص أظهرت أن حالات كثيرة كانت متسرِّعة وإجتهادات فردية وعشوائية وردود إرتجالية فكانت النتائج غير مرضية حيث كانت في شكلها سياسية وفي حقيقتها إقتصادية، حيث أن هدفها وأسبابها معالجة مشكلات إقتصادية ، كما نرى جميعاً زادت وتفاقمت المشاكل الإقتصادية وتنوَّعت أفقياً وعمودياً . كما أن التجارب تشير الى أن غالبية العقبات تتمثَّل في إجراءات نقل ملكية الأصول العامة الى القطاع الخاص ذات طابع ومشكلات متعلقة بمعايير ونوعية أقصد جودة التقارير المالية من مستوى الشفافية والموثوقية من قبل المستخدمين لها ، حيث أن البيانات المالية لاتكفي ولا تخدم الأغراض المطلوبة والتي تتمثل في إجراءات وطرق تقييم المؤسسات المراد تحويلها الى القطاع الخاص حيث أن عدم توفر المعلومات الموثوقة ، الذي ترك أثراً سلبياً حول دقة إجراءات التقييم وبالتالي عدم نجاح التجربة بشكل عام.
من هنا نرى أن عملية تحويل المؤسسات وإستعادة ملكية وسيطرة الدولة على القرار الإقتصادي ، يحتاج الى التخطيط المتأني سواء من الجانب السياسي أو الإقتصادي والتنظيم والتخطيط. حيث أن هناك حاجة الى توفير الوقت اللازم والكافي الى دراسة وتحليل المعلومات والإجراءات وصولاً الى نتائج أكثر فعالية وإنتاجية من خلال إعادة تصميم وهندرة العمليات التشغيلية التجارية والإدارية والمالية لهذه المؤسسات ليس من المنظور التاريخي فقط بل تتعدى ذلك بإتباع سياسات ومعايير مهنية متفقة مع معايير دولية تلبي إحتياجات المستثمرين في بلدان إقتصاد السوق المفتوح مع الإحتفاظ بالأهداف والغايات الوطنية الذي يتم إعداد البيانات المالية وتقييمها.
لا يمكننا أن ننظر الى عملية التغيُّر هذه ، دون أن نناقش آثارها على الإقتصاد الوطني حيث أن هذا القرار هو البداية ، من هنا فإن شمولية التخطيط يستوجب تحديد أهداف وإستراتيجية برنامج بناء الإمكانيات وإدارتها الكفؤة ، من خلال وضع تصوُّر لبعضها مثل تحسين كفاءة وإدارة المصادر الطبيعية والبشرية وتطوير وتنمية أسواق رأس المال وأسواق الأسهم وتشجيع الملكية العامة في المؤسسات الوطنية والعمل على زيادة المنافسة وقوى السوق.
في البداية لابد أن يؤخذ التخطيط المؤسسي وإرتباط عمل المؤسسات على مستوى الصناعة والقطاع والإقتصاد الكلي والمالية العامة للدولة . وبذلك ستكون الخطوة الأولى القيام بإجراءات التقييم المالي والإداري والتنظيمي بهدف معالجة المشكلات والعقبات في عملية التحول نحو بناء المؤسسات الإقتصادية للدولة . حيث أن هذه المؤسسات ، بحيث يتم تقييمها ودراستها من جوانب مختلفة وفقاً لمنافسة السوق والأخطار التي تواجهها ومحاولة التعرُّف على الفرص المتاحة آخذين بعين الإعتبار عدم توفر الدعم الحكومي لمُدد طويلة الأمد . فمثلاً مؤسسة الإتصالات تملك الدولة حقوق الملكية من خلال منح رُخص الإمتياز والتأجير الإستثماري بالإضافة على المحافظة على السيطرة الإدارية والقانونية وهذا ينطبق على شركة الطيران والكهرباء ومصلحة المياه والفوسفات والبوتاس وقطاع الزراعة والسياحة بالذات إستغلال المواقع الأثرية بصِيَغ إستثمارية وقانونية جديدة مستحدثة ولتنشيط القطاعات المستفيدة من تشغيلها .
الأمر الذي يستوجب بحثه ودراسته بعناية معمَّقة وبعين بصيرة ، أولها تعديل القوانين والأنطمة المرتبطة بحق الإمتياز والإستثمار التأجيري بحيث توفِّر حماية لأصول وممتلكات الدولة والمستثمر ، وحقوق المستهلك أي أن يكون هناك نظام لمنع الإحتكار.
في هذه المرحلة يتم إعداد البيانات المالية التاريخية والمتوقعة والتي تهدف قياس قدرة المؤسسات الربحية والمالية من حيث كفاية التمويل ، ولابد من تحديد وضع الموظفين النظاميين مع المؤسسة بعد تحويلها وإمكانية مشاركة عامة الناس في رأس المال بإستخدام صناديق الإدخار والتقاعد ، مع ضرورة تناسق إجراءات التقييم الفعلي والنهائي بعد إستكمال الدراسات المالية والتنظيمية وتحديد النظام الأساسي والإطار الرقابي الذي يحكم إدارة هذه المؤسسات وإعادة هيكلة رأس مالها الجديد على أن يتم تحديد مايستوجب على المشتري دفعه مقابل الحصص المعروضة للإستثمار التأجيري لمُدد طويلة ، ليُصار البدأ في خطوات تطوير هذه المؤسسات بالتحوُّل نحو العمل التجاري بعد إعادة هيكلتها. بذلك تكون الصورة واضحة ومحددة في إتخاذ الخطوات النهائية وذلك بعد إعادة هيكلة ملكيَّة المؤسسات والشركات بعد إستكمال إعادة تأهيلها من جديد. ومن حيث تطوير الخطة الإستراتيجية وإعادة تأهيل الموارد البشرية، وإدارة التكلفة بشكل جيد وتوفير نظام رقابة محكم ، وإجراء التغيير الجدِّي بإدخال نظام حوافز ربحية وسعرية للمواطنين والمستهلكين.
كيف يمكن تحقيق ذلك؟ إن المطلب الأساسي ببداية الأمر إعداد مذكّرات العرض وإجراء التحليل الشامل للمؤسسة من منظور إستراتيجي كمراجعة شاملة للوضع المالي والتشغيلي والإداري للمؤسسة والتقييم الإقتصادي لأوضاع السوق. وملائمة الهيكل التنظيمي للشركة ودراسة وتقييم وتطوير السياسات والإجراءات المالية والإدارية وكذلك دراسة فعالية أنظمة المعلومات المحاسبيَّة والإدارية لتلبي إحتياجات الإدارة العليا.
مما تقدَّم نستطيع أن نستخلص أن الإجراءات التمهيدية المقترحة لعملية التحوُّل الإقتصادي من بوابة بناء الإمكانيات المؤسساتية للدولة ، والتي تستهدف توفر تطمينات بمستوى الإدارة العلمية وكفاءتها، على إعتبار كونها عملية ذات طابع وعمل مؤسسي وليس شخصياً ، حيث أن المطلوب إدارتها من قبل لجنة وزارية متخصصة لدراسة ومراقبة عمليات التحوُّل ، كما أن الإجراءات المتَّبعة للتحويل في البداية هو إيجاد شريك إستراتيجي إستثماري هي إحدى أولويات أو عناصر نجاح عمليات تحويل المؤسسة الى شركة تملكها الحكومة لفترة زمنية معينة يتم خلالها تحويل إدارة وتشغيل الشركة الجديدة على أساس تجاري وإعادة هيكلة وإدارة الشركة على نفس الأسس، بذلك يتم إجراء تعديلات خلال المرحلة الإنتقالية منها الجوانب والعادات التي فرضها الزمن بالتعامل مع إدارة المؤسسة مع موظفين ومستهلكين، إن إجراء التغيير يحتاج الى وقت. أما التساؤل المطروح على مستوى قطع الصناعة أو الخدمة فهل ستبقى هناك حاجة الى تحديث نهج إدارة وإستثمار الأموال الأميرية والمساهمات الحكومية بإستقلالية أو سيتم دمجها ضمن أعمال أي وزارة خدمات أخرى مستقبلاً.
الرئيس التنفيذي / مرصد مؤشر المستقبل الإقتصادي
anwar.aak@gmail.com