مشاهير ليسوا بمؤثرين، ومؤثرين ليسوا بمشاهير

غياب القيادات المؤثرة فتح الباب لـ سخافة سلوكيات المشاهير
غياب الرقابة على المشاهير فتح الباب لهم للعبث بصورة الأردن والمجتمع
الذائقة العامة لـ الرأي العام في أدنى مستوياتها الثقافية والفكرية
الرأي العام يقدم الشاورما على البطالة، ومشهور يموت ويعاد بعثه بساعات

الأنباط – خليل النظامي

من الواضح أن غياب أدوات الجهات الرقابية الرسمية فتح المجال أمام الكثير من الهواة لممارسة فلسفة إفتعال الأزمات لغايات تخدم مصالحهم الشخصية، وهذا السلوك ليس حصريا على فئة معينة وإنما بات بحسب المتابع وكأنه أمر مباح ومشروع بسند قانوني، فالكثير من النخبويين والسياسيين وأصحاب النفوذ وبعض منتفعي منظومة رأس المال والسلطة باتوا يمارسون هذه المنهجية لـ إعادة إنتاجهم على ساحة الرأي العام من جديد ولـ لفت الإنتباة لهم، وربما إفتعال أزمات لـ التغطية على أزمات مخفية لم ترى شمسه بعد.

وبحسب مفهوم الرأي العام التطبيقي، نجد وبحسب الرصد أن معظم القضايا التي يتعاطى معها الرأي العام ويشكل من خلالها ثقل متعلقة بـ قضايا إنسانية وإجتماعية وقضايا الجرائم والعنف، في وقت غاب الرأي العام الجمعي عن القضايا المفصلية المرتبطة إرتباط مباشر بطبيعة حياة المواطن اليومية مثل مشكلتي الفقر والبطالة، ومشكلة التعليم والبنى التحتية وإرتفاع أسعار البنزين واختلالات القطاع الصحيوقطاع النقل، وهذا مؤشر نستطيع من خلاله معرفة طبيعة القضايا التي يهتم بها الرأي العام الأمر الذي نستدل به على أن هناك خلل عام في أذهان المواطنين من ناحية الذائقة والإهتمام.

منصات التواصل الإجتماعي الأداة الأكبر في تشكيل الرأي العام...
وبحسب دراسة حديثة لـ مركز راصد تحت عنوان " قياس مستوى معرفة الأردنيين/ات بخطاب الكراهية والمعلومات المضلّلة والزائفة على منصات التواصل الاجتماعي" أوضحت أحدى نتائجها أن المنصة الأكثر رواجًا لدى الأردنيين هي "فيسبوك"، وأقلها رواجًا "تويتر"، وبينت أن أكثر من نصف الأردنيين والأردنيات يمضون أكثر من ثلاث ساعات على منصات التواصل الاجتماعي يوميًا وذلك بنسبة وصلت إلى 52%، بينما قال 39% أنهم يقضون من ساعة إلى ثلاث ساعات، و9% فقط قالوا بأنهم يمضون أقل من ساعة واحدة يوميًا.

وهذا إن دل على شيء فـ إنما يدل على أن منصات التواصل الإجتماعي لم تعد ذلك الجزء الصغير في بناء الرأي العام المحلي، وإنما باتت الأداة الأكثر فعالية وإتساعا في تشكيل الرأي العام، الأمر الذي يستوجب على الجهات الرسمية الرقابية والتنظيمية وضع ضوابط تشريعية وقانونية واخلاقية لـ ممارسة المواطن حقه في التعبير عن ما يشغل فكره عبر هذه المنصات، وإعادة التفكير في إنتاج قيادات حقيقية ومستقلة غير مسيسية وغير مؤدلجة من كافة المكونات السياسية والاجتماعية اليمينية واليسارية والمعتدلة سواء تلك الحزبية أو من مؤسسات المجتمع المدني والسلطة أيضا.

وهنا لا اقصد أن توضع القيود والتشريعات والضوابط على حرية المواطن لتقنينه وزيادة الحد من حريته، وإنما ضوابط لتنظيم طبيعة مخرجاته وتعاطيه مع قضايا الشأن المحلي والعربي والدولي بغض النظر عن شكل ونوع هذه القضايا، بحيث يكون التعاطي ينتمي لمنظومة اخلاقية بعيدا عن خطاب العنف الكراهية، وتكون مخرجات مستندة إلى مصادر موثوقة بعيدا عن المصادر التي تتفنن بـ صناعة الشائعات بهدف التضليل الاعلامي وهذا ما أثبته التقرير السنوي لـ مرصد مصداقية الإعلام أكيد الذي اشار فيه إلى ان عدد الشائعات في العام الماضي بلغ حوالي 550 شائعة تم تداولها ونتج عنها تضليل المجتمع، من بينها 53 شائعة خارجية وأكثر من 400 شائعة مصدرها منصات ومواقع التواصل الاجتماعي.

غياب قيادات الرأي العام المؤثرين فتح المجال أمام الكثير لتسيده...
وفي ذات السياق يجب الإشارة إلى أن عدم وجود قيادات لـ الرأي العام أمر فيه خطورة بالغة على منظومة الأمن الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والأكاديمي في الأردن، خاصة في وقت تمر فيه الأردن بـ فراغ سياسي وفجوات أكاديمية وعشوائية في مخرجات وسائل الاعلام وعبثية في تعاطي "مشاهير التواصل الاجتماعي" مع بعضهم البعض ومع الجماهير المتابعة لهم، وتزايد مفتعلي الأزمات وإستغلال الكثير من الشخصيات النخبوية والسياسية المناطق الخصبة لإعادة إنتاجهم سياسيا وإعلاميا.

ويبدو أن السواد الأعظم من جماهير منصات التواصل الاجتماعي ليس لديهم القدرة والمهارة على التفرقة ما بين الشخص المؤثر والشخص المشهور، الأمر الذي كان له نتائج غير صحية وغير سليمة نراها ونلمسها بشكل يومي على طبيعة القضايا التي ينشغل بها الرأي العام المحلي، في ظل غياب كامل لـ قيادات حقيقية ومؤثرة تصنع وتقود توجهات الرأي العام إزاء القضايا الهامة.

وقد رأينا ما حدث مؤخرا في عدد من القضايا كان أبطالها ممن يطلق عليهم إسم "مشاهير التواصل الإجتماعي" والتي شكلت رأيا عام عشوائي ومبعثر إجتماعيا، وأحدثت إرباكا لـ العديد من مؤسسات القطاع الخاص والقطاع العام أيضا، ناهيكم عن قضايا مفتعله لم تثبت صحتها عملت على أزعاج السلطات المحلية وسلطات عدد من الدول العربية المجاورة.

تدخل ضريبة الدخل وهيئة الاعلام لـ ضبط وتنظيم التواصل الاجتماعي...
وتزامنا مع ذلك خرجت علينا دائرة الضريبة والمبيعات بـ إعلان مفادة إخضاع مشاهير التواصل الاجتماعي لـ ضريبة الدخل نظرا لـ مدخولاتهم العالية والتي لا تخضع للرقابة الضريبية، الأمر الذي عمل على منح الشرعية لهم لـ إدخالهم ضمن التصنيفات المهنية القانونية، وهذا ما أكده مدير هيئة الاعلام طارق ابو الراغب حين وصفهم بـ "صناع المحتوى" وقال في تصريحات اعلامية أن "صناع المحتوى يقدموا الكثير في الملف الإعلاني بصورة ممنهجة ومرتبة مع التأكيد على وجود حالات شاذة".

وأشار إلى أن دائرة الضريبة والمبيعات اعترفت بأنها مهنة مع التساؤل عن ماهية المظلة التي تجمعهم، لافتا إلى أن صانع المحتوى يعرف بأنه كل شخص يصنع محتوى فيديو سواء كان كوميدي أو ترفيهي وفق أدوات بسيطة، منوها إلى أن "المحتوى المقدم بات محط إعجاب الناس والأكثر انتشارا وتأثيرا من بعض المؤسسات الإعلامية، متسائلا هل نبقى بموقف المتفرج أو المهاجم دون تنظيم هذه الفئة؟".
وأكد إلى ان ملف صناعة المحتوى موجود لدى هيئة الإعلام وفق شركات الإنتاج الفنية سواء مؤسسات أو الأشخاص صناع المحتوى ضمن القانون الحالي، وقال الأصل البدء بالتنظيم ومن ثم فرض الضريبة على هذه الفئة، "ولكن أن تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي أبدا مع التأكيد على سلامة قرار دائرة الضريبة، مؤكدا أن بعض صناع المحتوى تصل إيراداتهم الشهرية إلى ما يقارب (50-60) ألف دينار أردني؛ لذا فهي ضريبة دخل والقرار سليم.
وتابع، أن الهيئة قدمت مذكرة إلى رئاسة الوزراء ووزير الدولة لشؤون الإعلام فيصل الشبول تحوي أن تكون الهيئة مظلة لصناع المحتوى، مؤكدا أن المذكرة لا تحتاج إلى تعديلات قانونية بل إجراءات تنظيمية، مشددا على أننا ننتقد منصات التواصل الاجتماعي لكن نتعامل معها، حيث أن نصف الأردنيين يتابعون منصات التواصل ولا يتابع المحطات الرسمية والخاصة، لذا نحن بحاجة إلى استغلاله.
ما يجب إجراؤه والتنبه له....
وبناء على ما سبق أعتقد أن الجهات الرقابية والمجتمع كـ كل مطالب بعدد من البنود لـ يتم ضبط وتنظيم ما يحدث عبر منصات التواصل الاجتماعي بهدف تحسين صورة المجتمع الأردني والرقي بـ منظومتنا الأخلاقية ونمطية ممارسة الفرد لحريته عبر هذه المنصات فيجب علينا معرفة ما يمكن ان تحدثه الكلمة التي نقوم بإدراجها عبر هذه المنصات وخطورة أبعاد هذه الكلمة، خاصة ان الرأي العام ليس له معادلة ثابتة الأطراف ويمكن تشكيله بمجرد كلمة ننشرها.

كما أنه علينا معرفة مدى خطورة الدور الذي تلعبه منصات التواصل الإجتماعي، من خلال استخدام المشتركين لـ معيار إستعطاف الجماهير، واستخدام الجهات الخارجية والداخلية لـ معيار التحشيد والتعبئة لهم في كافة القضايا، خاصة ان طبيعة المجتمع الأردني تتقدم فيه العاطفة على العقل في تلقيه لـ الرسالة المرسلة من قبل المستقبل، وهذا أمر في غاية الخطورة، وعلى الجميع تقديم العقل على العاطفة كي نتفادى الوقوع في الكثير من القضايا التي ربما تسبب إرباكا للدولة في المستقبل.
وبالعموم، سواء كان هناك قوى مجهولة تحرك الرأي العام وتبرمجه بشكل كامل أو كانت القضايا التي نراها يوميا تحدث بشكل فطري وطبيعي فعلينا الاعتراف الرأي العام المحلي لا يمكن معرفة توجهاته إلا في لحظة إنطلاق شعلته، وهذا أمر أيضا خطير جدا ويجب على الدولة التنبه له، ناهيكم عن أنه يجب أن نعترف بمدى وحجم خطورة مشاهير التواصل الاجتماعي في تشكيل وبناء الرأي العام في القضايا الإجتماعية، وهذا يندرج أيضا على القضايا السياسية والاقتصادية في المستقبل، الأمر الذي يتطلب رقابة أكبر على مخرجاتهم وتنظيمهم تحت مظلة قانونية.
وبحسب تقرير عالمي صدر مؤخرا عن شركة "Hootsuite” حول الواقع الرقمي في الأردن كشف أن عدد مستخدمي جميع منصات التواصل الاجتماعي في المملكة بلغ بداية العام الحالي قرابة 7 ملايين مستخدم نشط، وقال التقرير، الذي أصدرته عن حالة الإنترنت حول العالم، إن "قاعدة مستخدمي مختلف شبكات التواصل الاجتماعي في الأردن مع بلوغها هذا المستوى تكون قد زادت بمقدار 500 ألف مستخدم وبنسبة 8 % مقارنة بقاعدة المستخدمين المسجلة بداية العام الماضي والتي بلغت وقتها 6.5 مليون مستخدم.
ويشار إلى أن هؤلاء المستخدمين قد يملكون أكثر من حساب على منصة واحدة أو منصتين أو اكثر أوعليها جميعا، علما بأن دراسة سابقة أشارت إلى أن عدد الحسابات على منصات التواصل بلغت في الأردن 11 مليون حساب، مشيرا إلى ان مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي في الأردن اصبحوا يشكلون نسبة تصل 67 % من اجمالي عدد سكان المملكة الذي يتجاوز عشرة ملايين نسمة، موضحا أن اكثر شبكات التواصل الاجتماعي استخداما في الأردن هي منصة فيسبوك وانستغرام، حيث اشار الى ان عدد مستخدمي فيسبوك النشطين في الأردن سجل مع بداية العام الحالي اكثر من 5 ملايين مستخدم نشط على الشبكة التي تعد الاكثر شعبية حول العالم، وإن عدد مستخدمي شبكة انستغرام في الأردن سجل مع بداية العام الحالي اكثر من ثلاثة ملايين مستخدم.