كوريا الديمقراطية وروسيا: تناغم وتوافق المواقف والأفكار (1-2)
بقلم: يلينا نيدوغينا
جاء اصطفاف جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية إلى جانب روسيا داعمةً العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا من خلال مواقفها السياسية الفاصلة، واعترافها الكامل بجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين؛ قبل التصريحات المدوية التي أطلقها وزير الخارجية الروسي المخضرم سيرغي لافروف الذي نوَّهَ إلى أن قيادة بلاده "لن تسمح بأن يكون هناك تهديد ضد روسيا أو ضد الجمهوريات المستقلة، وإمداد الغرب لأوكرانيا بمزيدٍ من الأسلحة الهجومية بعيدة المدى، وهو ما سيُغيِّر من جغرافيا العملية السياسية".
في جانب موازٍ، احتفلت كوريا زوتشيه، الثلاثاء، 17/يوليو/2022م، بالذكرى الثانية والعشرين لـِ "الإعلان المشترك مع روسيا بشأن التعاون الثنائي"، واصفة العلاقات بين البلدين بأنها وصلت إلى "مستوى إستراتيجي جديد"، إذ جاء في بيان وزارة الخارجية الكورية، أن الترابطات بين كوريا الديمقراطية وروسيا "تشغل مستوى إستراتيجي جديد، وتدخل في ذروة تطورها"، عِلماً، إنه في تاريخ الـ19 من يوليو 2000، وقّع القائد الراقد كيم جونغ إيل، الإعلان المذكور أعلاه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال قمّتهما في بيونغيانغ، وأكد الإعلان على تطوير التعاون الثنائي الوثيق، إذ رَسَّخَ وحَقَّقَ البيان الكوري قضية: "التعاون الإستراتيجي والتكتيكي بين كوريا وروسيا ونموه بشكل أقوى مع الرفض القاطع لأعمال الاستبداد والتعسف والهيمنة الأمريكية".
وفي نقلة موازية تتجيش بالأبعاد السياسية والأيديولوجية العميقة، اعترفت كوريا الديمقراطية باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين، وهو ما يجعلها الدولة الثالثة على مستوى الكرة الأرضية، التي تعلن عن هذا الاعتراف بعد روسيا وسورية. وبهذا الصدد، دافع متحدث باسم وزارة الخارجية لكوريا الديمقراطية عن هذه الخطوة، وانتقد أوكرانيا قائلاً إنها: "ارتكبت أعمالاً تتعارض تماماً مع النزاهة والعدالة في العلاقات بين دولة ودولة، وبينما تنحاز إلى سياسة الولايات المتحدة العدائية غير المعقولة وغير القانونية تجاه كوريا الديمقراطية، ليس لها الحق في التنازع معنا فيما يتعلق بممارستنا الشرعية للسيادة". وجزَمَ المتحدث الكوري أن "كوريا الديمقراطية ستعمل كما كانت دائماً على تطوير أواصر الصداقة والتعاون مع جميع الدول الأخرى في العالم التي تحترم سيادتها وصديقة لها، على أساس مبادئ المساواة في السيادة، وعدم التدخل، والاحترام المتبادل".
يتفق المحللون السياسيون في العالم على أن اعتراف كوريا الديمقراطية بدونيتسك ولوغانسك، إنما يعكس بجلاء قوة وصلابة العلاقة الكورية الروسية، والتفاهم المُكْتَمِل والشامل والتناغم في الطرح السياسي للبلدين، وتوافقهما على مستوى الرؤساء، والتماثل في المواقف على الصُعد الآسيوية والدولية، وأثبتت كوريا الكيمئيلسونغية بدورها منذ تأسيسها؛ ويؤكد على ذلك حلفاؤها أيضاً؛ على أنها تتمتع بوزن سياسي ودبلوماسي كبير ودور فاعل على مستوى المَعمورة، بفضل سياستها التقدمية الواضحة المَعَالِم، وثِقلها العسكري المتعاظم باضطراد دون توقف، الذي يهابه القاصي والداني، مِمَّا جعلها محط احترام دولي، كونها مهابة الجانب، إذ إنها تمكنت برغم صِغر مساحتها من أن تلعب أدواراً عالمية لم تلعبها معظم الدول، وها هي تشغل مكانة متفوقة جداً في جدول الدول النووية والمتفوقة عسكرياً والمستقلة فعلاً.
لاحظنا، أن الرد على الخطوة الكورية للاعتراف بجمهوريتي الدونباس جاء سريعاً من أصدقاء وحلفاء كوريا وروسيا، إذ اعتُبِر هذا الاعتراف بأنه أحد العوامل الأساس التي تعزِّز المكانة الدولية للجمهوريتين، وهو انتصار جديد للدبلوماسية الكورية ونهج دول الدونباس. ولهذا، ستشرع لوغانسك ودونيتسك إلى تطوير علاقاتهما الاقتصادية وفي غيرها من المناحي المثمرة مع كوريا، ووضع الأسس للشراكَة الشاملة.
من الجدير الإشارة هنا، إلى أن مواقف كوريا من القضايا العربية متقدمة وحازمة ومنحازة تماماً للحقوق العربية منذ تأسيس الدولة الكورية الديمقراطية الشعبية على يد الزعيم كيم إيل سونغ. ولهذا، بادرت كوريا ومنذ إقامتها إلى الدفاع العسكري عن العرب، وإرسال قواتها لسورية ومصر لرد العدوان الصهيوني عنهما وردعه بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وقد شهدنا في حرب تشرين التحررية 1973 (حرب العاشر من رمضان، أو حرب تشرين التحريرية)، وفي غيرها، استشهاد عدد من المقاتلين من الجيش الكوري على الجبهتين العربيتين الشمالية والجنوبية، وللآن يجري تكريم رسمي وشعبي متواصل لهؤلاء الشهداء الراقدين في مقبرتين في ضواحي دمشق والقاهرة. وهنا بالذات، نُدرك السبب الكامن خلف اتخاذ بيونغيانغ موقفاً لا ردة عنه في دعم الموقف الروسي تجاه الحرب العالمية الغربية الثالثة التي تتعرض إليها روسيا.
ـ كاتبة روسية أردنية، حاملة أوسمة كورية رسمية.