لورانس المجالي يكتب :تكسي من المطار

بقلم لورانس المجالي

حدثني صديق يعمل في السعودية عن وصوله للمطار مع عائلته قبل امس بعد غياب لفترة طويلة وقال استقليت سيارة تكسي من المطار وبعد وقت قليل من ركوبي بدأ الحوار من السائق وتوليفة الأسئلة المعتادة ...

الحمد لله على السلامة ....
من وين القدوم ...
أجبت من السعودية وفي الحقيقة انا اعمل هناك منذ عشرة أعوام
هنا ظهرت ملامح الدهشة الممزوجة بالانزعاج على السائق ليسأل السؤال الغير مستغرب ولماذا عدت وبشكل مباشر الحقها (الله يسامحك .... واكمل السائق الحديث مسترسلا ليش رجعت وعلى شو جاي البلد خربانة والناس تعبانة ورح تصرف مبلغ وقدرة وكمان مش رح تنبسط ... أزمة سير ... اسعار ... نكد ...سياحة واقعة ... والخ من الرسائل المحبطة والسوداوية عن البلد وكأن أحدهم لقن هذا الرجل حديثة واكاد أجزم ان معلوماته من السوشال ميديا لأنها جميعها فرضيات ولا تحمل دلائل الا بعض القصص الإشاعات وافكار خنفشارية زائفة .
 
وبعد أن تركته حتى النهاية سألته حضرتك سائق تكسي من زمان فأجاب لا بل انا متقاعد وزوجتي متقاعدة وعندي ثلاث اولاد جامعيين .. فقلت له هل منزلك ملك ام إيجار قال لا بل ملك .. فقلت له هل دخل التكسي إضافي على التقاعد قال نعم ولكن ليس كثير فقلت له قل الحمد لله وهنا أصبح محرج وراح يقول الحمد لله ولكن على مضض دون رضى منه .

وخاطبني صديقي وهو حزين .. هل غبت عن البلد فترة طويلة حتى أصبحت السوداوية والكراهية لسان حال الجميع وهل من المعقول ان يكون هذا الرجل هو ما يواجهه السائح عند وصوله للأردن وهل من المعقول ان تبقى الدولة في صمت من هذه السوداوية .

وانا ايضا استغرب الا يعرف هذا الرجل بشخصة ومن على شاكلته من الباحثين عن الاهتمام على حساب الوطن ان الاردن دولة محترمة وقد كافحت في هذا الإقليم المأزوم لكي يستطيع هذا الرجل ان يعمل هو وزوجته حتى التقاعد في بيئة لم تشهد انهيارا في الأغذية ولا الاقتصاد ولا الأمن ولا الكرامة وان يعلم ابنائه ويستطيع أن يبني بيت وان دول كثيرة وقريبة تنام على حال وتصحو على حال فلا امن ولآ استقرار وكلمات الحرب واللجوء والقتل والسحل مصطلحات عادية و سعر صرف العملة حكاية يضيع فيه تعب العمر والجهد والدينار الأردني حافظ على موقعه رغم كل المصائب والازمات لكي لا يتأثر احد .

هل يعلم هذا الرجل ان الاردن يملك اليوم بنية تحتية تساوي الدول النفطية من شبكة طرق قد لا تجدها في بعض الدول الغنية ، وفي ظل فقر المياة مازال يستطيع أن يشرب ويستحم ويغسل التكسي في حين هناك دول لديها انهار وليس لديها مياة ولا حتى شبكة مياة منذ سنين .
هل يعلم الرجل ان الكهرباء التي تصل إلى منزله صيفا شتاءا دون انقطاع أصبحت حلم في دول نفطية.

هل يعلم الرجل ان الأرض الأردنية تصدر الخضار والفواكة واللحوم إلى ٦٥ دولة في العالم وفي أزمة كورونا والاغلاقات لم تنقطع سلاسل الإنتاج وكانت المائدة الأردنية في امان كما هي بعد الأزمة الاوكرانية عندما لم تجد دول كثيرة القمح وكان الاردن لدية ما يزيد عن عام من المخزون.

هل يعلم الرجل ان الاردن الفقير مائيا والذي يحمل على كاهله ملايين اللاجئين إضافة إلى هموم الطاقة وغيرها من الأزمات الخطيرة الممتدة وقف شامخا يدافع عن الاقصى وتصدى لصفقة القرن التي انحنى أمامها دول غنية ولم يراهن على الثوابت والمواقف .

هل يعلم الرجل ان الجيش والاجهزة الأمنية لم تمارس يوما التعذيب والقتل والاغتيال والاكتفاء القصري والاذلال والجميع تحت مظلة القانون .

لا يعلم الرجل ان الاردن اليوم يحتاج لنا لنكون معه وليس عليه وان آبائنا واجدادنا لم يكونو اغنياء ونحن في عهد الدولة الأردنية أصبح على أبواب بيوتنا اكثر من سيارة ونملك في منازلنا عشرات الهواتف والاجهزة الذكية وهي التي أصبح يمرر لنا البعض من خلالها صورة سلبية للأردن وللأسف احيانا من مجموعة كان يجب أن تكون اليوم عونا للوطن لا معول هدم للوطن وهي تتناغم مع بعض المحللين واشباه المثقفين الذين يجمعون الاهتمام على حساب الوطن .

كنا نسمع في السابق عن رجال الدولة وقصص الوفاء والرجولة حين سأل أحدهم شخصية عسكرية متقاعدة وهو على سرير الموت ماذا ستجيب عند سؤالك في القبر أجاب سأقول لن اجيب الا بعد ان اخذ موافقة القيادة وهو يؤكد على ان ما في الصدور يذهب للقبور وقصة أخرى لأحد رؤساء الوزراء عندما حاول مسؤول عربي الاساءه للأردن وقيادتة بالهمز حمل حذائه وتوجه لذلك المسؤول ليضربه دون الالتفات للأبعاد الدبلوماسية والسياسية لأن الوطن هو البيت والملك هو الاب ولا يقبل رجل الدولة ان ينال احد منهم حتى ولو بالهمز .

نعم نحتاج لهيئة تعبئة وتوجية وطنية تدعم ثقافة الاحترام للوطن وتتصدى للرسائل السوداوية والاستعراض والفتنة والكراهية ومكافحة الإشاعة وكشف من خلفها وتعريتهم والتي يمررها البعض بقصد او من دون قصد ولكن ابدا ليس في رسائلهم ما نستطيع أن نقول بعده والله من وراء القصد .