توقعات الأسهم العالمية في النصف الثاني من 2022

 


شهدت أسواق الأسهم العالمية تقلبات حادة على مدار الأشهر الستة الماضية. أغلق مؤشر S&P 500 تعاملات النصف الأول متراجعًا بـ 21% - وهي أكبر خسارة نصف سنوية يتكبدها المؤشر الأوسع نطاقًا منذ أكثر من خمسة عقود.

وعلى عكس العام الماضي، والذي سجلت فيه مؤشرات الأسهم الرئيسية قمم قياسية واحدة تلو الأخرى، أغلقت البورصة الأمريكية على تراجع في 60% من جلسات التداول خلال عام 2022.

في واقع الأمر، فإن النصف الثاني لا يبشر بالخير بالنسبة لأسواق الأصول المرتبطة بالمخاطر حتى الآن. فبرغم الصعوبات التي واجهها المستثمرون في النصف الأول، كان من السهل آنذاك التنبؤ بمعدلات التضخم ووتيرة تشديد السياسة النقدية من قبل البنوك المركزية. أيضًا فإن الاضطرابات الجيوسياسية كانت تنحصر في إطلاق تحذيرات غربية بشأن غزو روسي محتمل للأراضي الأوكرانية في الوقت الذي كانت تنفي فيه موسكو مثل هذه المزاعم. كانت المشكلةالرئيسية التي يواجهها الاقتصاد العالمي خلال تلك الفترة هوتعطل سلاسل الإمدادات والتوريدات بعد التعافي السريعالذي أعقب رفع قيود الإغلاق التي فُرضت في فصل الشتاءبسبب الموجة الجديدة من تفشي فيروس كورونا.

نحاول في السطور القادمة تقديم دليل للمبتدئين لتداول الأسهم خلال الشهور الستة القادمة.

السيناريوهات المحتملة لسوق الأسهم في النصف الثاني

هناك سلسلة من العوامل المرتبطة التي ستحدد بشكل كبير المسار الذي ستسلكه أسواق الأسهم خلال الأشهر الستة القادمة. ولكن بشكل عام، لا يوجد تفاؤل كبير في هذا الصدد، كما تظل السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي ونظرائه منالبنوك المركزية الكبرى المحرك الرئيسي لحالة عدم اليقين.

• نقطة البدء هي الحرب الروسية الأوكرانية وما هي فرص أن تضع أوزارها قبل نهاية العام. لا توجد توقعات متفائلة في هذا السياق، حيث تواصل روسيا تحقيق أهدافها بوتيرة هادئة في الوقت الذي يستعد فيه الغرب لحرب استنزاف طويلة. 
• على الجانب الاقتصادي، فإن التحدي الرئيسي في الشهور القادمة هي مشكلة الطاقة التي قد تواجهها أوروبا بعد حظر صادرات النفط الروسية والحديث عن الاستغناء الكامل بحلول نهاية العام. فشل القارة العجوز في تأمين احتياجاتها قد يخلق أزمة غير مسبوقة تؤدي إلى اضطرابات سياسية واجتماعية، وهو ما بدأت بالفعل شواهده بعد استقالة رؤساء الحكومات في بريطانيا وإيطاليا وبلغاريا وخسارة الرئيس الفرنسي للأغلبية البرلمانية.
• العامل الثاني هو معدلات التضخم المتفاقمة، والتي بلغت أعلى مستوى في أربعة عقود. سجلت القراءة الأخيرة لمؤشر أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة 9.1%، فيما قفزت إلى أكثر من 8% في أوروبا. هذه الضغوط التضخمية غير المسبوقة تحمل في طياتها مخاطر تشديد السياسة النقدية. 
• تدور الرهانات حاليًا على رفع الاحتياطي الفيدرالي لسعر الفائدة بـ 100 نقطة أساس في اجتماع يوليو، وذلك بعد تحريكها بـ 75 نقطة أساس في الشهر الماضي. وتشير التوقعات حاليًا إلى أن سعر الفائدة الفيدرالية قد يبلغ 3% في نهاية العام.
• واتصالاً بكل ما سبق، فإن محصلة هذه العوامل قد تترجم إلى وقوع الاقتصاد الأمريكي في هاوية الركود بحلول النصف الثاني من عام 2023. مخاوف الركود هي تحديدًا السبب الرئيسي في الخسائر التي منيت بها سوق الأسهم خلال الشهر الماضي، كما أنها ستكون مرة أخرى السبب الرئيسي لاستمرار السوق الهبوطية خلال الشهور القادمة.
• برغم ذلك، تميل توقعاتنا إلى أن الأمور ربما تتجه إلى نوع من التباطؤ الاقتصادي أو الركود الهادئ، خصوصًا في ظل الحديث عن بلوغ معدلات التضخم ذروتها بالفعل.
• أحد المحركات الهامة في هذا الصدد سيكون موسمصدور تقارير الأرباح والتي ستعطي سياقًا أكثر منطقيةبشأن تأثير المزيج الذي أشرنا إليه آنفًا على أرض الواقعبعبارة أخرى، فإن صدور نتائج مالية قوية ستجعلالمستثمرين أكثر رغبة في العودة إلى السوق، على الأقللاقتناص الأسهم التي تتداول بأقل من قيمتها العادلة.

أين تستثمر في الشهور القادمة

بشكل عام، تعتبر السوق الهبوطية فرصة جيدة للمستثمرين على المدى الطويل حيث تتيح لهم اقتناص الأسهم التي "دهستها" موجات البيع الجماعي في السوق رغم امتلاكها لإمكانات واعدة.

هنا يبرز الجدل بشأن المفاضلة بين أسهم القيمة وأسهم النمو، حيث أن الأولى تفوقت في معظم فترات العام على النوع الأخير رغم أنه أصبح الآن أكثر جاذبية.

وعلاوة على ذلك، فإن التوقعات باستمرار معدلات التضخم مرتفعة لفترة طويلة يجعل من الاستثمار في فئات الأصول الحساسة بطبيعتها لارتفاع الأسعار أكثر جاذبية. يشمل ذلك قطاعات السلع والأسهم المرتبطة بالدورة الاقتصادية والتي تحقق من الناحية التاريخية أداءً إيجابيًا في ظل ارتفاع الأسعار.

توفر أيضًا أسواق الدخل الثابت فرصًا رائعة وآمنة للاستثمار، خصوصًا وأن جميع التوقعات تصب في اتجاه رفع أسعار الفائدة بمعدلات كبيرة وسريعة. وبشكل أكثر تحديدًا، فإنسندات الخزانة الأمريكية تبدو فرصة جيدة بعد أن بلغ العائد3.5% وسط توقعات بأن يقترب معدل الفائدة الفيدرالية من4% بحلول نهاية 2023.

نظرة سريعة على أسواق الأسهم العالمية

أوروبا

تبدو الأسهم الأوروبية هي الأقل حظًا في اللحاق بفرص التعافي الضئيلة. اعتماد أوروبا على واردات الطاقة الروسية في الوقت الذي تحاول فيه استنزاف روسيا في أوكرانيا قد تدفع الأمور إلى حافة الهاوية. هناك مخاطرة كبيرة بأن ترد روسيا على حظر الاتحاد الأوروبي لصادرات النفط من خلال قطع إمدادات الغاز.

المملكة المتحدة

من المتوقع أن يواجه الاقتصاد البريطاني مصاعب جمة في ظل مواجهة الأسر ارتفاعات غير مسبوقة في أسعار الطاقة والغذاء، وهو ما سيدفع الأسهم إلى التراجع خصوصًا في ظل تشديد بنك إنجلترا لسياسته النقدية.

لا يزال مؤشر FTSE 100 يمثل قطاعات السوق الأفضل أداءً حتى الآن، خصوصًا وأن أغلب الشركات المدرجة به تحقق القدر الأكبر من إيراداتها من خارج المملكة المتحدة. تستفيد أيضًا الأسهم المالية من ارتفاع أسعار الفائدة، كما أن شركات الموارد الأولية تلقى دعمًا من الارتفاعات في أسواق السلع.

الصين

أدت الإغلاقات الصارمة التي فرضتها بكين إلى تباطؤ النشاط الاقتصادي بصورة ملحوظة خلال الربع الثاني. لا تزال احتمالات تجدد موجات تفشي الوباء داخل الصين واردة، وفي ظل اتباع سياسة صفرية بشأن التسامح مع الإصابات الجديدة فإن إعادة فرض إغلاقات في المدن الصناعية الرئيسية مثل شنغهاي بكل تبعاتها السلبية لا تزال قائمة.

خاتمة

برغم الصعوبات التي واجهتها أسواق الأسهم والخسائر الحادة التي منيت بها خلال الأشهر الستة الماضية، هناك اعتقاد بأن الأسواق قد خصمت بالفعل القدر الأكبر من العوامل السلبية. يبرز ذلك بوضوح في انخفاض تقييمات السوق وتحسن مكررات الربحية بعد أن سجلت مستويات غير مسبوقة في نهاية العام الماضي. على سبيل المثال، تراجع مكرر الربحية (نسبة الأرباح إلى سعر السهم) لسهم تسلا من 200 في بداية العام إلى 60 بعد أن هوت القيمة السوقية للشركة بأكثر من 40%.

الخلاصة هي أن مخاوف المستثمرين بشأن ارتفاع التضخم وضعف النمو ووتيرة تشديد السياسة النقدية هي التي ستحدد الوجهة القادمة للسوق في النصف الثاني. وبدون بروز مؤشرات جادة على وقوع الركود الاقتصادي بالفعل فسنظل نشهد تقلبات على النحو الذي رأيناه في الربع الثاني.