الأردن الجديد نَحو بِناء الدولة المستقبليَّة

في الإقتصاد السياسي والمجتمع
د.أنور الخُفّش


إن أهمية هذا النقاش اليوم ، كونُه يأتي منسجماً مع ما يدور من عَصف فِكري في الصالونات السياسية في الأردن ، وبعد إقرار قانونَيّ الأحزاب والإنتخابات وِفق ما خَلُصت إليه منظومة التحديث السياسي ، ومُتطلبات إعادة تصميم وهندسة الإستراتيجية الأردنية الجديدة إستعداداً
للمئوية الثانية ، ولترسيخ مُمكِنات دولة الحقوق الديموقراطية والسياسية والإقتصادية من تحدّيات ومُتغيرات وصولاً الى الإندماج في المجال الحيوي وآفاق المستقبل بما يَخدم ويُعزّز الإستقرار السياسي والإجتماعي ، وإستجابة لأهداف التنمية والأمن المُجتمعي وتعزيز مُدرَكات أهمية النظرة الإستراتيجية وزيادة الوعي بالتوجُّهات والتحوُّلات لدى الرأي العام .
يبدأ مسار إعادة بناء مُتون الدولة المستقبلية على طريق الإصلاح السياسي والإقتصادي والإداري ، في حين كَثُر الحديث عن العقد الإجتماعي الجديد والنهضة السياسية والإجتماعية بأهداف إقتصادية وحماية الحُقوق والحريّات العامة ، تحت عُنوان الإصلاح السياسي والذي وضعه جلالة الملك على طاولة النِقاش والقرار لكافّة مؤسسات الدولة . كَعَهد نَهضَوي منشود يحقّق أهداف فهرس التنمية المُستدامة وِفق الأجندة التنموية للألفية الثالثة . الحراك الفِكري للعهد النهضوي الحديث لأردن الغد جاء بمُبادرة وقيادة هاشمية من جلالة الملك عبدالله الثاني من أجل خدمة الأمة وأبناء الوطن من مختلف الأعراق والديانات وجميع المناطق شَرقِه وغَربِه شَمالِه وجَنوبِه . مُتوحّدين بمفهوم وإطار سياسي وإجتماعي يَجمع ولا يُفرّق تعزيزاً لقيم المواطنة بتساوي الحقوق والواجبات ، لِنَقف مُوحَّدين جميعاً سداً منيعاً تحصيناً للجبهة الداخلية في مواجهة التحديات الجيوسياسية ومعوقات التنمية بِفِكر وموقف وعمل على أرض الواقع نحو طريق التقدُّم وتعميق مسار الإصلاح السياسي والإقتصادي وكذلك الإصلاح الإجتماعي في إطار حَوْكمة مؤسسات الدولة وإدارة شؤونها . إن أساس قِيام الدولة العادلة هي تعزيز المواطنة وسيادة القانون والمؤسسية كركيزة لشكل وطبيعة أحكام الإدارة العامة وبناء أسس المواطنة الفاعلة والتمسّك بقيمة رأي المواطن كحَقّ دستوري كونُه مُواطن فقط والتحوُّل بل التخلّي عن رأي النُخبة طريق سالِك للوصول الى رأي الناس من خلال تفعيل فكرة المُواطنة الصالحة بذلك يمكننا القول بأن المشروع النهضوي الوطني في الطريق الصحيح .
مع أهمية وضرورة تحديث مفهوم منظومة حوكمة أعمال الدولة مع ضرورة حشد قوة الجميع وتحفيز قُدراتهم لتحقيق الحُلم لنهضة عظيمة وبِدء مسيرة جديدة للإصلاح والإنفتاح المُتوازن بتساوي جميع الفُرص لمُشاركة الجميع نَحو تحديث وبناء أردن الغدّ دولة راسخة مُستقرة ومستقبلية. التحدي الحقيقي هو معالجة حالة التوقف عن العمل الجاد في البحث العلمي والتطور المَعرفي المنتج لمواجهة تطوّرات وتحدّيات المستقبل الذي نُريد ؟ المستقبل مِلك لمن يستطيع هَندستُه وتَصميمُه والتكيُّف مع معطياتِه وبناء النُظُم وإبداع أدوات التخطيط الإستراتيجي ومُحركاتِه بأفكار لجيلِه القادِم ( شباب المستقبل). قيادة المستقبل تحتاج لعَقل ومنطق يُبنى على فِكر المُفاضلة ومنطِق ميزان الذّهب بتحديد الخاسِرين والرابِحين عند الإحتكام لأمر ما ، أو لِقرار حكومي ما أو قانون أو سياسة مالية أو إقتصادية ودراسة نَتائِجها وآثارها الإجتماعية والتفكير الناجع مع مراعاة العمل بِنزاهة مُطلقة وبِشفافيّة وإلتزام شَرف الخدمة العامة بِصدق وأمانة مع ضمان آلية مُؤسسية للمُحاسبة والمُسائلة .
إن العمل بأقصى جُهود الشَّعب الأردني بِفَتح آفاق التنمية والديموقراطية الإجتماعية ذات الخصائِص الأردنية الوطنية الجامعة ، كما يُعتبر من أهم عوامل نجاح الحَوكَمة الرشيدة كأحد مُحرّكات صيانة الأمان للميثاق الإجتماعي وضمانِه للسِّلم المُجتمعي . من خلال الإنتقال نحو تأمين المصالِح الجامعة للمعادلة الراهنة لأي نِظام مِن الأمن والديموقراطية السياسية وتأمين الحُقوق الإقتصادية إلى آلية عمل مُستقبليّة من خلال بناء أسس الدولة المدنية الديموقراطية المُفيدة لجميع المواطنين ، مع ضمان الشَراكة الوطنية المُتساوية بِوصفِهم مواطنيين وأفراد فقط. إن إبراز الإهتمام الدولي لِما يجري بالأردن مِن تَطوير وتحديث وتغيّرات مُعاصِرة سَتكون إسهاماً لدورِها الإرتكازي والنَموذَج في الإستقرار السياسي في الإقليم والسِّلم العالمي وإعتبار الأردن النموذج . الأمر الذي يُعتبر ويُسجّل كإسهام مُهم لخِدمة الإنسانية التي سَتَجذِب الإهتمام المُتزايد من المجتمع الدولي وبالإيمان الراسِخ بِدور القيادة الهاشمية والأردن بِشعبِه في المعادلة السياسية الدولية .
إن تَعزيز دور الأحزاب وإعادة النظر بقانون الأحزاب والإنتخابات النيابية ليَضمَن عدالة التمثيل وتوسيع دائرتها ولِيَشعُر كل مواطن أنه مُمَثل في المجلس النيابي القادر على التشريع والرقابة . أيضاً لتَفرِز أحزاب وكُتل نيابية قليلة العدد قوية وفاعلة. والإجابة حَول كيف لنا أن نَثِق بأن هُناك تغيير وإصلاح جَدّي بدون أحزاب برامجيّة ذات قواعد شعبيّة تُؤدي إلى حكومات برلمانية لإيجاد أهم ركيزة لمنظومة الثقة بين الناس والدولة. إن خطوة دمج الأحزاب أو إلغاء بَعضَها الغير فاعلة ومُؤثرة وإعادة النظر بأهداف وآلية تمويل الأحزاب لتكون حِصراً لتمويل البرامج الحزبيّة الهامّة وإعطاء الأولوية لبرامج تمكين المرأة وتمكين الشباب وفي مناطق الأطراف بشكل خاص وكذلك الإنتهاء من حزب الشخص الى الحزب الديموقراطي المؤسسي ، إن التعاطي مع الإصلاح السياسي مِن قِبَل الأحزاب من خلال المشاركة الفكرية والبرامجية بعيداً عن صِناعة متاحِف سياسية .
إن المرحلة الحالية التاريخية وتجربة الأحزاب الكثيرة العدد والوزن النوعي لقيمتها المضافة سياسياً وإجتماعياً أثبتت عدم جدواها ، نَرى نَجاعة عمل الأحزاب كقيمة مُضافة سياسيّة وإجتماعيّة تبدأ في العمل الجاد على تنقية الأجواء السياسية وأن الوعي السياسي الحقيقي نتيجة لإتقان إدارة التوازُنات الحريصة على ثوابت الهوية الوطنية الجامعة ، الإصلاح الحقيقي في العمل فقط وإطلاق طاقات الشعب وخاصة المرأة والشباب جيل الإزدهار ثروة وذخيرة المستقبل. إنه زمن الذهاب الى إتجاهات أو تيارات لا يتجاوز عددها خمسة أحزاب أو تيارات مُتنوعة حزب تيار المحافظين (التقليدي) ، حزب تيّار الدولة المدنية (الديموقراطية الإجتماعية والحرية الإقتصادية) ، حزب تيار الإسلام ، حزب تيار اليسار، حزب التيار التقدُّمي .
نعم. لا ديموقراطية بدون أحزاب سياسية برامجية فاعلة في المجتمع وعابرة لجيل الشباب وممثلة لهم ومن خلالهم من خلال إنخراطهم بالعمل السياسي ضمن إطار الأحزاب وفق القانون وتحت مِظَلة الدستور يُعبّرون عن آرائهم وتَطلُعاتهم من خلالها وليس اللُجوء الى التظاهر أو حِراك الشارع والإعتصامات . التغيُّر والإصلاح مَدخلُه المشاركة السياسية الفاعلة لخدمة الوطن ورعاية المصالِح العامة والحفاظ على المُنجزات وتعظيمها والتعاطي مع الأحداث والتحدّيات والمَعوقات بمسؤولية جماعية تشارُكيّة كنموذَج ديموقراطي توافُقي أردني خالِص .
تعزيز دور مجلس الأعيان كمطبخ سياسي إجتماعي للدولة وعدم إعتباره مركز إسترضاء لوُجَهاء النُخب السياسية ، لبَذلِه جُهد ملموس يَلقى الرِضا من قبل الناس في مجال المسائلة والمحاسبة الحكومية وتفعيل جلسات عامة يبثّها الإعلام مُباشرة ومناقشة خُطط وبرامج عمل الحكومة ومناقشة الوزراء بشكل مُستقل بعمل وزاراتهم أو الإستقصاء والبحث بأهم القضايا التي تمسّ الرأي العام ومصالح الناس . ومناقشة الوزراء بالقضايا العامة على شكل وأسلوب إستقصائي قانوني وحِرفيّة مهنيّة التحقق والتأكيد الصريح النافي للجَهالة للقضايا العامة وخاصة السياسات المالية والإقتصادية وتحديث مسار عملية تطوير التنمية السياسية والإجتماعية .
رؤية الأردن الوطنية بعيدة المدى ، في مسيرة تاريخيّة جديدة بلا توقُّف والتصميم على طريق نهضة بملامحها الجديدة نهجاً وفكراً سياسياً جديداً ، يُحقّق تنمية شاملة عادلة متوازنة يشعُر جميع المواطنين أنهم جزءاً منها في العمل والتكوين والهدف ، تُحدد الإطار العام المُتكامل للسياسات الإقتصاديّة والإجتماعية ، القائمة على إتاحة الفُرص للجميع وقاعدة تعزيز سيادة القانون ، وتكافؤ الفرص ، وزيادة مستوى المشاركة في صياغة السياسات العامة ، وتعزيز الإجراءات الكفيلة بتوفير البيئة المطلوبة لتحقيق أفضل مستويات الشراكة الفاعلة ، وتكامُل الجهود بين الحكومة والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني ومراكِز الأبحاث والدراسات والمُفكّرين بشكل حقيقي مُنتج وفاعل.
من الواجب علينا أن لا ننسى الإسهامات التاريخية التي قدّمتها الأجيال السابقة منذ تأسيس المملكة بقيادتها الهاشمية التاريخية الضامِنة لحقوق جميع المواطنين والقاعدة الأساسية الصلبة لإعادة بِناء الأردن الجديد في الفترة القادمة . نحو نجاح وإستقرار الدولة وعُبورها بِثَبات وتصميم الى ما بعد المئوية الثانية ، بِمَثابة نَقش الدولة المستقبلة الهاشمية على أحجار راسخة ، ثابتة كمُكوِن أساسي في الشرق الأوسط ، تعزيزاً لدورهم التاريخي في مسيرة تحقيق السِّلم العالمي والتعاوُن في إرساء الإستقرار والأمن الإقليمي والدولي ، الأمر الذي يُعتبر رُكن أساس ويَعتمد على المملكة الأردنية الهاشمية كدولة مُستقبليّة وثَبَت ذلك بصورة النموذج ، على أرض الواقع والجغرافيا السياسية الدولية .
الرئيس التنفيذي / مرصد مؤشر المستقبل الإقتصادي
anwar.aak@gmail.com