د.أنور الخُفّش يكتب الحُكم إستدراك والقِيادَة قَرار ، والعَدل أساس العِمران الإقتصادي
د.أنور الخُفّش
أبدأ مُستَدركاً حُسن الفَهم ، بأن موضوع نقاشنا اليوم ، بمثابة نِقاش فِكري أيديولوجي ، على طريق فَلسفة جَدَليّة هِيجيل ولا تُؤشِّر لأي دولة بعينها و ليست تحليلاً إلى أحداث هُنا أو هُناك ، بَل لِمحاولة التّأصيل نَحو تَحديد مفهوم وإطار الدولة المُستقبليّة ، ويُمكن لمَن يُريد أن يَشتبِك مع مَضمونِها ، على قاعِدة مُداولة إستراتيجية ، ماذا لَو ؟ لِجميع المُتداخِلين الحقّ بِالاستِدلال والقِياس ، كما يقول الفيلسوف الألماني شبنجلر أنّ التاريخ الإنساني ليس خطّاً مُستقيماً إلى التقدُّم ، بَل هو دورات مُتعاقبة مِن النموّ و الإنحِلال وأنّ كُل حَضارة هِي أشبَه بإنسان . فكانَ كِتاب ، لماذا تفشَل الأمم (أصول السُلطة والإزدهار والفَقر ) تأليف دارن اسيموجنو وجيمس روبنسون ، أكثر وضوحاً كَون السياسات الغَير راشدة تُفشِل كثير من الدول من تَحقيق التنمية والتطوّر ، وأن المؤسسات التي يُقيّمها الإنسان وليس موقعها الجُغرافي وعندما تَمتلك مؤسسات إقتصاديّة فاعِلة في إدارة الثروة يؤدي إلى التطوّر والرّفاه الإقتصادي والإجتماعي وبالتالي الإستِقرار السياسي . كما أنه لايُمكننا عدم الإشارة إلى بول كينِدي وكِتابُه الإستعداد للقرن الحادي والعشرين ومُناقشته اتجاهات التحديّات القديمة و التحديّات الجديدة ومُتطلبات التغيّر والحداثة بَعد ما استفاض سابقاً في السرديّة التاريخيّة لنُشوء وسقوط القوى العظمى.
فعندما نتحدّث عن فشل الدُول في تحقيق التنمية ، فلا يعني سقوط النظام ، فهناك فَرق شاسع بين كلا المصطلحين ، فشل الدولة يعني فشل أركان الدولة الرئيسية ، بعَكس سقوط النظام الذي يُمكن أن يسبّب بعض الإضطرابات بالدولة ، ولكنها تبقى في النهاية ، وبعد البحث طويلاً بكُتب التاريخ والعلوم السياسية ، إجتمع الكثير من المتخصّصين على أن هناك مجموعة من الأسباب التي يمكنها أن تُؤدي إلى فشل الدول وانهيارها.
انهيار القانون وشيوع الفوضى ، وتُعد هذه المرحلة ، بمثابة المرحلة الأولى من مراحل سقوط الدول ، وخلالها لا يستطيع الحُكم السيطرة، على أركان الدولة وفرض هيبتها وقد يؤدي هذا الأمر ، شيوع الجريمة ، والإنفلات الأمني والأخلاقي ، وحينها تُصبح الدولة غير قادرة ، على تَلبية احتياجات الناس الأساسية.
عدم ردع الظُلم وعدم القدرة على تحقيق العدالة ، فعندما لا تستطيع الدولة ، تحقيق العدل وردع الظُلم عن المظلومين ، حينها تَجتاح ثورة من الغضب ، نُفوس النّاس، ويَبدأ كل شخص في التفكير ، بآلية يُمكن من خِلالها استرداد حُقوقِه و ردع الظالم ، وفي هذه المرحلة ، لنَصل إلى نتيجة وهي إفشاء الظُلم ، وانتشار مشاعِر السَخَط ، وهذه العوامل التي تؤدي إلى تفكّك مُؤسسات العدل والأمن في الدولة.
عَجز أجهزة الدولة والسلطة التنفيذيّة وفُقدانها قُدرة المبادرة في الاستجابة للتحديات الإقتصادية والإجتماعية ، بالإضافة إلى عدم القدرة على التجديد والتطور المستمر ، في نَفس السِياق ، يَرى المؤرِخ البريطاني"توينبي" أنّ الدولة تَصل ، إلى مرحلة السُقوط والإنهيار ، عندما لا يُمكنها التصدّي ، أو الإستجابة للتحدّيات التي تُواجِهها ، وهُنا ما يحدث هو يسمى، قتل أو إنتحار ذاتي لمُمكِنات الدولة وقُدراتها الإبداعية حينئذٍ تدخل الدّولة في مرحلة الإنهيار والسقوط ، وأكد على هذه النظريّة المُؤرخ ”ديورانت ” ، والذي رأى أن الدُول الكبيرة لا تُهزم ، إلا عندما تَبدأ في تدمير نفسها من الداخل ، أضاف أن الدولة التي لا تمتلك القُدرة على التكيّف مع المُتغيّرات العامة ، لا يُمكنها الإحتفاظ ببقائِها لفترة طويلة ، ويبقى مصيرها مُهددة بالسقوط.
عدم التَوفيق في إختيار الأعوان مِن قِبَل الحاكم ، تُعد محاولة إنتحار صَريحة للدولة ، كما وَصَفها إبن خلدون ، فهؤلاء يَضَعون الغِشاوَة على أعيُن الحاكم ويَصعُب جَرّاء ذلكتحقيق العَدالة ، ويُعد هذا الأمر بِمثابة، الشّرارة الأولى التي تُساعد على هدم الأوطان ، كما قال جلال الدين الرومي ، أنّ الحِسّ الوَطني لَدى الأمم يَموت عِند غِياب القُدرة على التمييز بين الحق والباطل.
ثُلاثِية القَمع والإقصاء ورِعاية الفَساد ، مِن العوامل الهامّة التي تُؤدي، إلى سُقوط الدُول ، والتي تُؤدي إلى تَراكُم مشاعر السّخَط ، وعدم القُدرة على السيطرة، على الأركان الأساسيّة في الدولة ، الذي يُهدّد بسُقوط الدُول ، على الرغم مِن تحصينها بأعتى الأجهزة الأمنية والمُسيطرة.
إنّ تردّي الأوضاع الماليّة والإقتصادية وآثارها الإجتماعية السّلبية على المُستوى المَعيشي للأفراد ، وارتفاع خَط الفقر من الأسباب الرئيسية التي تُساعد في إنتهاء جَدوى بَقاء كيانات الدولة وفُقدان المصداقيّة والموثوقِيّة كمَرجعيّة للأمن الإجتماعي ، بالتالي تزيد مِن خطر فَشَل الدُول وانهيارها ، فإن استدراك المَخاطِر والتحديّات واتّخاذ التَدابير الإحترازيّة والإجراءات التَكميلية مِن خِلال حِفظ التوازُنات الإجتماعية والسياسية والضَوابِط المُؤسسية لِحِفظ مصالح البلاد والعِباد من أهم أولويات جميع مُؤسسات الدولة .
anwar.aak@gmail.com