زيادة أسعار الفائدة ودور الحكومة في الحد من أثرها على النمو الاقتصادي

الدكتور عيسى صالح
essasaleh@hotmail.com
دأب البنك المركزي الأردني على تعديل أسعار الفائدة لأدوات سياسته النقدية كلما قام البنك الفيدرالي الأمريكي بتعديل أسعار الفائدة على أدواته، والسبب الرئيسي في ذلك هو سياسة سعر الصرف التي ينتهجها البنك والتي تقوم على تثبيت سعر الدينار الأردني وربطه بشكل كامل بالدولار الأمريكي منذ عام 1995.
وبالتالي فان أي جدال يدور كلما قام البنك المركزي بتعديل أسعار الفائدة هو جدال لا قيمة له اذا ما سلمنا بحقيقة تبعية الدينار الأردني للدولار الأمريكي، فهذا الارتباط العضوي بين الدينار والدولار لا يعني بأي شكل من الاشكال أن يكون تثبيت سعر صرف الدينار مجرد حبر على ورق،وانما هناك متابعات وإجراءات يقوم بها البنك تدعم سياسته المتبعة في تحديد سعر الصرف، ومن أهم هذه الإجراءات مراجعة أسعار الفائدة على أدواته لضمان بقاء هامش ثابت بين أسعار الفائدة على الدولار وأسعار الفائدة على الدينار للحفاظ على القوة الشرائية للدينار كوعاء ادخاري مرغوب لدى المودعين والمستثمرين. واذا لم يقم البنك المركزي باتخاذ مثل هذه الإجراءات فقد يؤدي ذلك الى وجود تفاوت كبير بين سعر الصرف المعلن من البنك المركزي وسعر الصرف خارج نطاق الجهاز المصرفي، وقد يفضي أيضا الى وجود سوق سوداء للعملات الأجنبية محليا. وبمعنى آخر ومبسط فانه اذا رضينا بربط سعر صرف الدينار بالدولار فعلينا أن نقبل بإجراءات البنك المركزي التي تدعم عملية الربط هذه.
سياسة سعر الصرف المتبعة منذ ما يزيد عن ربع قرن امتدحها صندوق النقد الدولي في كافة تقارير المراجعة وأشار الى انها خدمت الاقتصاد الأردني، فهذه السياسة كانت كفيله بمراكمة الاحتياطيات الاجنبية والحفاظ على قوة الدينار خلال كافة الازمات التي تعرض لها الأردن خلال العقدين الماضيين، ومنها الحرب على العراق، والازمة المالية العالمية، وتداعيات الربيع العربي، وأخيرا تداعيات أزمة كورونا. والتطورات الأخيرة في الاقتصاد العالمي تؤكد وبوضوح ان سعر صرف الدينار الأردني يزداد قوة ومنعة اذا ما أخذنا بعين الاعتبار سعر الصرف الحقيقي الفعال Real Effective Exchange Rate (REER)، والذي يتأثر بأسعار صرف الشركاء التجاريين والفروقاتفي معدلات التضخم بينها وبين الأردن، حيث ارتفع سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل اليورو بأكثر من 16% خلال السنتين الماضيتين، وارتفع مقابل الباوند الاسترليني بأكثر من 50% خلال الأربع سنوات الماضية. أما التضخم فقد سجل ارتفاعات ملحوظة في معظم دول العالم ومنها على سبيل المثال الهند 7%، وأستراليا 5%، وسنغافورة 5%، والباكستان 13%، وجورجيا 13%، ونيوزلندا 7% بالإضافة الى الولايات المتحدة 8.5% ودول أوروبا 7.5%.
ان الارتفاع المضطرد الذي يشهده سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل العملات الدولية الأخرى، وكذلك ارتفاع معدلات التضخم في العديد من دول العام بنسب تفوق مثيلاتها في الأردن هما عاملان حاسمان في زيادة قوة الدينار الأردني ومنعته.
أما التضخم في الأردن، وان كان ما يزال ضمن مستوياته المقبولة، فهو مستورد في معظمه نظرا لأن المحتوى الاستيرادي في سلة المستهلك الاردني مرتفع سواء السلع النهائية أو مدخلات الإنتاج التي تدخل في الصناعات المحلية. وهذا الواقع يؤكد على ان قيام الدول الصناعية، التي تعتبر أسواق رئيسية لمستوردات الأردن، برفع أسعار الفائدة لديها لكبح جماح ارتفاع الأسعار لديها ينعكس ايجابيا على مستويات الأسعار في الأردن، وهذه الحقيقة قد تقودنا الى الادعاء بأن أثر رفع أسعار الفائدة دوليا على معدل التضخم المحلي أكثر فعالية من رفع أسعار الفائدة محليا.
وكما هو معلوم فان الهدف الرئيسي والوحيد لدى البنوك المركزية الغربية لرفع أسعار الفائدة لديها هو محاربة التضخم، بينما في حالة الأردن فان كان للبنك المركزي هدفين معلنين من رفع أسعار الفائدة هما محاربة التضخم المحلي والحفاظ على جاذبية الدينار الأردني، فان الهدف الثاني هو الأبرز والاهم والاجذر بالاهتمام.
أذا سلمنا بهذه الغاية من تعديل أسعار الفائدة، فان النقاش حول دور السياسات الاقتصادية لتحريك عجلة النمو الاقتصادي وتخفيض البطالة ينبغي ان تنصب على الجانب الكمي والمتعلق بمقدار السيولة المتاحة في الاقتصاد لتحقيق هذا الهدف. تشير بيانات البنك المركزي الى ان معدل نمو عرض النقد خلال الشهرين الاولين من هذا العام بلغ 0.2%، وهو معدل يقل عن التضخم المسجل خلال تلك الفترة، بالإضافة الى ذلك فان معدل التضخم المسجل ما زال تحت السيطرة ويقل عن 3% وهو معدل يقل عن نصف المعدل المسجل في أمريكا والدول الأوروبية.
وبالتالي فان الحد من الأثر السلبي لرفع أسعار الفائدة على الاقتصاد يضع الكرة في ملعب الحكومة، ويحتم عليها تبني سياسة مالية توسعية مدروسة خلال هذا العام تستهدف تعزيز الانفاق الاستثماري وتسريع تنفيذ مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص بالإضافة الى تبني سياسات تستهدف تقليل كلف الإنتاج المحلية لتعزيز تنافسية القطاعات الاقتصادية ومنها كلف الطاقة والعمالة والرسوم التي تأخذ شكلا آخر من أشكال الضرائب. وللحيلولة دون زيادة عجز الموازنة والمديونية العامة، فانه من الأهمية بمكان الإسراع في تنفيذ مخرجات لجنة اصلاح القطاع العام التي تستهدف ترشيق الجهاز الحكومي والحد من الانفاق الجاري الذي أصبح يشكل ما يزيد عن 88% من مجمل الانفاق العام.