كتب محمود الدباس.. "حط حالك في كندرته".. ما اصعبه من مصطلح..
بدأت بهذا المصطلح او المثل لعلي استفز دواخلكم لمعرفة ما اود ايصاله بما يخص مشكلة اجتماعية نقع فيها كثيرا..
فمن يتحدثون الانجليزية اذا ارادوا ان يدخلوا في عملية اصلاح بين اثنين متخاصمين.. او مختلفين في وجهات النظر.. يقولون لكل واحد على حدة..
"Put yourself in his shoes"..
وبلغتنا العامية المحكية "حط حالك محله"..
ولو ترجمها شخص شرقي بحرفيتها واستخدمها في حل اشكالية بين اثنين.. لنال الكثير من السخط والعتاب.. وفي غالب الاحيان يصطلحان ويجتمعان عليه.. علما انه يريد المصلحة في ذلك.. ولكن الفهم الصحيح والعميق للمصطلحات هو جوهر النقاش وفهم المقصود..
من هنا وجب علينا ان نحلل هذا المصطلح بشكله الذي يليق به وبما يستعمل لأجله..
فعندما تقول لشخص ضع نفسك مكانه.. اي ان تنقل تفكير وعواطف ومكانة وبيئة ذلك الشخص الى داخلك.. وتتخلى عن ذاتك في تلك اللحظة..
فعندما تفكر في الأمر الذي اختلفتما عليه.. باستخدام ادوات تفكيره
ستعلم يقينا لماذا كان رأيه على ما كان عليه..
وبالمقابل ان عمل الطرف الاخر نفس الشيء.. فسيعلم سبب اقتناعك او قرارك او وجهة نظرك..
وبالتالي ستظهر القواسم المشتركة بينكما.. وستقصر المسافة التي تركها نقاش ذلك الامر.. وقد يتبنى احدكما رأي الاخر بكامله او جزء منه..
فعلى سبيل المثال لا الحصر.. قد يختلف اثنان في مفهوم الشخص المحافظ او العائلة المحافظة.. كل حسب بيئته وافكاره..
فبداية من قول الشاعر الجاهلي.. عنترة بن شداد..
واغض طرفي ما بدت لي جارتي
حتى يواري جارتي مأواها..
الى حد ان يحمل الشخص جارته او زميلته في سيارته واخذها من والى بيتها.. ولم اقل ان يفزع لها ان علم ان عندها مصيبة مثلا..
فبنظرة سريعة للاثنين.. سنجد ان هناك من يتبنى وجهة نظر عنترة في العصر الجاهلي.. فلا يمكن ان يحتك مع جارته او زميلته الا في حدود ضيقة جدا وبشكلها الرسمي..
وهناك من سيتبنى وجهة نظر الجار النخوجي.. ويفتح البيبان على مصراعيها.. وما بينهما مفتوح للتبني..
ولذلك اذا تم طرح هذه الحالة فقط للنقاش.. يجب على كل صاحب رأي ان يضع نفسه في مكان الاخر.. وينظر بمنظوره ويستشعر مشاعره.. وبعد ذلك عليهما الجلوس للنقاش بكل عقل متفتح وقابل للاخذ والعطاء.. ومن يحمل الحجة الاقوى يكون الاولى الاخذ بها..
ولذلك نجد ان من شروط واساسيات التعامل الراقي بمضمون ومغزى هذا المثل او القاعدة الاجتماعية.. ان نبتعد عن الانا والشخصنة والتعصب الاعمى للرأي.. وان لا يكون "الدقر" هو المبدأ والركيزة في الحوار..
وان لا ننظر الى ان الموضوع هو حرب نتيجتها اما فائز او خاسر.. فالحكمة ضالة المؤمن.. أنّا وجدها.. فهو احق بها.. وما يقربنا الى الكمال والرقي والسلامة احق بان نتبعه.. وما يبعدنا عنه او يجلب لنا مالا يحمد عقباه مستقبلا او حاظرا ان نبتعد عنه..
فكم من قطيعة حلت بين الخلان والارحام.. سببها ان لا يكلف الواحد منا نفسه بان يضعها مكان الاخر.. وينظر بعينيه.. ويفكر بعقله ويشعر بقلبه.. آخذا بعين الاعتبار طبائعه.. وبيئته.. وقناعاته.. وتربيته.. واخلاقه.. وحشمته.. وعفته.. ودرجة حساسيته من بعض الامور.. وخبرته في معترك الحياة.. والكثير الكثير من المعطيات التي تتحكم في قرارات وسلوكيات الانسان..
ابو الليث..