(الأردن وأذربيجان جامعياً) بقلم الأكاديمي مروان سوداح


الأكاديمي مروان سوداح
 قد يكون هنالك تعاون و/ أو تنسيق بين الجامعات الأُردنية والأذربيجانية، لكنني ومن خلال البحث الطويل في الشبكة العنكبوتية لم أوفّق سوى في التقاط خبر واحد عن علاقات فعلية في هذا المجال بين عمَّان وباكو.
 الجامعات الأذربيجانية شهيرة، وهي تتربع على المكانة الأولى بين مثيلاتها على امتداد العالم، بخاصة لعلو شأنها الأكاديمي، وعراقتها التاريخية وتطورها، وعلومها المتميزة، وبرامجها ومساقاتها الدقيقة والهادفة إلى منح العلوم للمتلقي على أفضل وجه. واللافت، أن النظام التعليمي في أذربيجان يُعلن سنوياً عن منح دراسية عليا ممولة بالكامل لاستقطاب الطلبة المتفوقيين والمتميزين من غالبية أقطار المَعمورة. 
 هنالك عدد غير قليل من الخريجين الأردنيين الذين أنهوا دراساتهم في الجامعات الأذربيجانية، وهم يُشيدون برقيها ورفعتها وبطبيعة وسهولة وبساطة الحياة في هذه الدولة التي تتلاقى في عاداتها وتقاليدها وقسماتها مع مثيلاتها في الأُردن، وهي وغيرها خصال وأسباب كافية لتدفع بأعداد كبيرة من الطلبة الأردنيين للدراسة في باكو حال تعريفهم على جامعاتها ومعاهدها العليا، من خلال حملات توعوية عَبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، وفي سياق إقامة الصِّلات العلمية والثقافية وغيرها ضمن التبادل الجامعي الأُردني مع جامعات أذربيجان، التي يصلها الطالب من عمّان بعد ثلاث ساعات فقط بطيران مباشر، وبالتالي لا ينفصل هذا الطالب عن أهله وبلده فترة طويلة خلال دراسته هذه، وأهله يستطيعون زيارته في باكو بكل سهولة، وهذا يعني أن ترابط أفراد العائلة سيستمر دون عوائق، كما يستطيع الطالب أن ينطلق إلى عمّان في العطلات الأسبوعية القصيرة، ويعود إلى أذربيجان بسرعة ودون عوائق من أي شكل. 
 قبل فترة غير طويلة، وخلال إحياء ذكرى الشاعر والمُفكِّر الأذري نظامي الكنجوي؛ في حفل كبير وعالي المقام، تم تنظيمه بجهود الجامعة الأُردنية وفي رِحَابها، كونها أم الجامعات المحلية، وسفارة جمهورية أذربيجان في المملكة، وغيرها من الجهات المحلية الوازنة؛ تعرّفت على اثنين من الطلبة الأذريين فيها، فلم يسبق لي أن عرفت أيَّاً منهم في بلادنا برغم علاقاتي "الطاعنة في الزمان" مع أذربيجان. كانت مناسبة أكدت أن هنالك تعاوناً على الأرض وإن كان ضعيفاً – على الأغلب – في المجال الجامعي والعالي وربما المتوسط أيضاً بين بلدينا الشقيقين.
 أعداد كبيرة جداً من الطلبة العرب والأجانب ينخرطون في سلك الدراسة العليا والوسطى في أذربيجان، بخاصة في العام الدراسي الحالي 2021 - 2022، وهم ينتمون إلى أكثر من مئة دولة في العالم، والعديد منهم ينتسبون إلى أوطان آسيوية، لا سيَّما وأن الدراسة في أذربيجان تجري في مختلف المؤسسات التعليمية العليا بثلاث لغات هي الأذربيجانية والروسية والإنجليزية. وبالتالي، فإن السنة التحضيرية للطالب غير مطلوبة في أذربيجان سوى في جامعات وكليات الطب، إذ يختار الطالب بنفسه اللغة التي سيدرس بها في الجامعة التي ينتقيها  بنفسه، لكن إذا تمتع الطالب بالكفاءة الكافية واستطاع تجاوز امتحان اللغة، فيمكنه أن يلتحق بالسنة الأُولى مباشرة دون الانخراط في مساق السنة التحضيرية. 
 يصل عدد الجامعات في أذربيجان إلى نحو 51 جامعة وفقاً للمعلومات المتوافرة لدى كاتب هذه السطور، وربما يزيد العدد على ذلك، وهي مؤسسات تعليمية تمتاز بإشغالها ترتيباً عالمياً مرموقاً، وتنوع تخصصاتها، والاعتراف العالمي بها، ونظام التعليم فيها يتفرد بالديمقراطية والعلمانية، ويلعب ترحيب الأذريين بالعربي والأجنبي في ديارهم ومحبتهم للآخر الإنساني دوراً مهماً في تشحيع الطلبة للدرسة في باكو. لذلك، أضحت هذه الدولة الآسيوية والمسلمة بغالبية سكانها ضمنهم المسيحيون، وملامحها الشرقية، جاذبة للطلبة من مختلف القوميات والأمصار، كما أن تكلفة المعيشة في أذربيجان مناسبة للطلاب، وطبيعتها سهلة، زد على هذا تدني تكلفة الدراسة مقارنة بغيرها من الدول، أضف إلى ذلك، الحياة الآمنة وسهولة التفاهم والتصادق مع المواطنين الأذريين، والطقس المعتدل والمتعدد في طبائعه بين السهلي والجبلي والشاطئي القزويني الخلاب والصحارى الخضراء، وجمال البلد الأخَّاذ، ونظافته، ورقيه الحضاري والثقافي الذي يُضرب المَثل به، وشعب أذربيجان الودود الذي يحب التجسير مع الآخر العِرقي واللغوي، وليس آخيراً أبداً سهولة تعلّم اللغة الأذرية والحديث بها، والبُنى التحتية المتطورة للدولة، وحرية الأديان والمؤمنين والحريات الشخصية المزدهرة فعلاً وشموليتها للشعب، ونفاذ القانون، وسواسية المواطنين أمامه، ولا ننسى هنا اللغة الأذرية التي تتشابه أحرفها الأبجدية مع العربية نُطقاً، والكثير من مفرداتها مطابقة للعربية، وانفتاحية الدولة، وحداثتها وعصريتها، والأهم هنا هو التواصل الأخوي الطيب الذي يربط ما بين الزعيمين جلالة الملك عبدالله الثاني المعظم وفخامة رئيس جمهورية أذربيجان إلهام علييف حفظه الله، وتبادلهما الزيارات والتواصل والشؤون المختلفة. 
 كم أتمنى أن أعود القَهقَرى طالباً لأدرس من جديد في جامعة أذربيجانية، أو أن أعمل كادراً في وسائل الإعلام في باكو، فالحياة في هذه الدولة الشقيقة شيقة، وجمالياتها وبحرها وروحها الخلابة لا مثيل لها، تُطيل العمر، وتمنح السعادة وراحة البال والعقل والبدن لمَن يفتقدها. 
._.