كتاب ونقاد يعاينون تجربة ليلى الاطرش الأدبية والإعلامية في ندوة استذكارية
ناقش كتاب ونقاد وإعلاميون تجربة الكاتبة والإعلامية الراحلة ليلى الاطرش، في الندوة الاستذكارية التي أقامتها وزارة الثقافة مساء اليوم الثلاثاء، في المركز الثقافي الملكي بعمان، واقيمت على جلستين، بحضور وزير الثقافة السابق علي العايد ووزيرة السياحة والآثار السابقة سوزان عفانة، وجمع من الكتاب والأدباء والمفكرين.
وفي الجلسة الأولى التي أدارها أمين عام وزارة الثقافة الروائي هزاع البراري، أشار الأخير إلى أهمية الاحتفاء بالكاتبة الراحلة التي ترفرف روحها حول الساحة الأدبية، بما قدمته من إرث ابداعي فكري تنويري لا يمحى.
وقدمت الفنانة نداء شرارة وصلة غنائية من أعمال السيدة فيروز، لأغنيتي "أعطني الناي" و"سوا ربينا" مهدئة إياهما لروح الراحلة التي كانت تحب هاتين الأغنيتين تحديداً.
وفي ورقتها التي حملت عنوان "دور ليلى الاطرش في مشاريع وزارة الثقافة"، قالت وزيرة الثقافة هيفاء النجار: "إننا نحتفل اليوم بسيرة سيدة لم تكن عادية على الإطلاق"، مضيفة: "ليلى كانت جزء من مشروع ثقافي يناضل من أجل الناس".
وأكدت النجار أن ليلى الاطرش كانت نموذجاً للتواصل بين المعرفي والسلوكي، بمشروعها الإنساني والإعلامي والروائي، مقدمة نموذجا إنسانيا استثنائيا، فهي لم تسعى يوما للشهرة الزائفة، وهي لم تكن رقما عابراً بل سيدة استثنائية وصاحبة مشروع حقيقي، فهي كانت تضم الجميع بدون استثناء.
وفي ورقته التي حملت عنوان "ليلى الاطرش.. تعدد السرد ووحدة الوعي"، قال الكاتب مفلح العدوان: "السيرة الثرية للمبدعة ليلى الأطرش، تجعل من هذه الكاتبة اللافتة حاضرة دائما، فلا مساحة من مساحات ابداع الحرف والكلمة الثقافة والإعلام والسرد والمسرح، كلها تركت فيها بصمة مميزة مبدعة عالجت فيها موضوعات مختلفة على الصعيد الإنساني والوطني، تلك هي ليلى الأطرش التي لا تغيب، ذلك أن إبداعها يبقى يشير إليها، وحرفها نابض بالحياة وبرسالة الحرف التي لا تتوقف عند حدّ أو زمان".
وتطرق العدوان في ورقته إلى جوانب إبداعية برزت فيها الاطرش، في الرواية والقصة والمسرح وفي القلم الدولي، مشيرا إلى أن "ليلى الأطرش واءمت حياتها ووعيها وكتابتها لتعزيز الوفاء للوطن ولقضاياه، فحملت رسالتها وقضيتها وعبّرت عنها بكل الأجناس الإبداعية التي كتبتها عن وعيٍّ راسخ لديها، متجذر في عمق الأردن وفلسطين، وممتد نحو المحيط العربي، وصولا إلى ذاك الفضاء الإنساني، الذي استطاعت بما قدمته من ابداع في الكلمة ورسوخ في الموقف وتميز في الحضور، أن تجد كل التقدير والقبول على امتداد مساحات كثيرة في العالم".
فيما تطرق الناقد فخري صالح في ورقته المعنونة "تعدد العوالم وزوايا النظر وتباين الأمكنة والأزمنة"، إلى تبني ليلى الاطرش في كل رواية تكتبها، عالماً متخيلا من الشخصيات والأحداث والأمكنة والأزمنة والجغرافيات المختلفة، التي تشكل كونَها الروائي المتعدد، وعالمَ شخصياتها التي تنتمي إلى خبرات إنسانية، وجنسيات، وقناعات فكرية وأيديولوجية، وطبقات وشرائح اجتماعية، وكذلك أنواع جنسية (جندرية)، متعددة ومتباينة. وما أقصد قوله، هنا، هو أنها لا تُعنى بحشر كتابتها الروائية في إطار ضيق من الموضوعات والتجارب ورؤى العالم، وجعل عملها الأول يتناسل ويتوالد في الأعمال التالية لها".
وأشار صالح إلى أن الاطرش بدأت مسيرتها الروائية في "وتشرق غربًا" (1987) ساعيةً إلى تفكيك الشروط السياسية والاجتماعية للتحرر الفلسطيني، وخصوصاً تحرر المرأة ومشاركتها في مقاومة الاحتلال في الضفة الغربية بعد احتلال 1967، باحثةً عن حلول للمحرمات الاجتماعية والدينية، والحواجز الصلدة المقيمة بين الطوائف والمذاهب".
وقدم وزير الثقافة الفلسطيني الروائي الدكتور عاطف أبو سيف، شهادة مسجلة عن الروائية الراحلة ليلى الاطرش، التي حازت على جائزة الدولة التقديرية في فلسطين عام 2017، تقديرا لدورها الفاعل في إثراء الفعل الثقافي الفلسطيني والأردني والعربي، كونها واحدة من مؤسسي الفعل الثقافي.
واعتبر أبو سيف الكاتبة الراحلة رمزا من رموز الإبداع والعطاء على مدى سنوات من الإبداع والفعل الثقافي وكان لها مساهمة فاعلة في إثراء المخزون الأدبي.
كما قدم الروائي فيصل دراج شهادة أدبية عن الكاتبة الراحلة، قرأها نيابة عنه الكاتب مفلح العدوان، وقال فيها: "ليلى الأطرش أديبة لامعة بصيغة الجمع، تأقلم قلمها مع أنواع أدبية متنوعة، وتأملت بكتابتها الروح الإنسانية في أحوالها المتغيرة".
وتابع دراج في شهادته، قائلا: "الحديث عن المتعدد في كتابة ليلى يستدعي، شجاعة البصيرة التي تراءت في رواياتها، فهي تتكامل في ممارساتها الكتابية، وعوالمها الروائية المتخيلة والواقعية في آن معا".
وفي الجلسة الثانية التي أدارها الروائي هاشم غرايبة، أكد أهمية وعمق القضية المركزية التي كانت تنطلق منها الكاتبة الراحلة ليلى الأطرش في رواياتها وهي القضية الفلسطينية.
وفي ورقتها التي قدمتها، حكت ابنة الكاتبة الراحلة، الإعلامية دانة الصياغ بحضور أشقائها، عن علامات إنسانية في سيرتها، مؤكدة أن والدتها كانت بوصلتها حين تأخذها الكلمات، وقالت: "كنت مبهورة بقدرتها على تسخير اللغة واللعب بمفرداتها، فلن أستطيع أن أكتب ليلى كما كانت ليلى تكتب نفسها". وكشفت الصياغ أن والدتها شرعت في الشهور التي سبقت رحيلها بكتابة مذكراتها، وأن العائلة ستقوم بنشرها في وقت قريب، مشيرة إلى سؤال أرّق والدتها كثيراً، وهو: هل اختطفت الاعلامية مساحة الكاتبة من حياتها؟ أجلتها وحرمتها منها سنين طويلة.
وقرأت الصياغ بعضاً من مذكرات والدتها قائلة: "عدت الى الرواية ولم تخذلني، يمتزج هدير المحيط مع هدوء المتوسط، فيحدد نقطة التقاء المياه بخط أبيض واضح. على الطرف الغربي من المتوسط يرى بوضوح، من على شاطىء طنجة معلناً صعوبة الانصهار بين محيط بلا حدود".
أما الدكتورة رزان ابراهيم، فأشارت في ورقتها إلى أنها تتحدث للمرة الأولى عن ليلى الأطرش في غيابها، وأنها اعتادت أن تناقش (صديقتها) في شتى مناحي الحياة، وقالت: "تمتاز نصوص ليلى الاطرش السردية بخصوصيتها على الصعيد الانساني، والتي تؤكد أنها كانت على تماس مباشر مع الحياة، وهو التماس الذي مكنها من فهم الطبيعة الانسانية والتعبير عنها".
وبيت ابراهيم أن ليلى الأطرش كانت قادرة على الفصل بينها وبين شخصيات رواياتها، موضحة: "وعيها لا يختلط مع وعي شخصياتها، لكن في "ترانيم الغواية" كنت أحس أن البطلة التي زارت القدس في رحلة بحث تاريخية تحمل شيئاً من الروائية".
وقدم الروائي واسيني الأعرج شهادة مسجلة، روى فيها ذكرياتها مع الكاتبة الراحلة، وقال: "تتميز ليلى الاطرش بوصفيات متعددة، فهي الكاتبة والاعلامية والناشطة في الحقل الثقافي، وواحدة من أبرز وأهم المدافعات عن المرأة، حيث كانت تشعر بأن النساء لم يأخذن حقهن في العالم العربي، فهي مناضلة حقيقية من أجلهن، ولذلك كان لها دور كبير في إطلاق مكتبة الأسرة عام 2007، مؤمنة بإشاعة الجمال واعطاء فرصة للمرأة لكي تتطور".
وأضاف الأعرج: "كانت ليلى الاطرش مشدودة للقضية الفلسطينية وللقدس، فعندما زرنا المدينة المقدسة معاً ذات مرة، كانت مثل الطفلة التي تحاول أن تملأ عينها بما تراه، ولذلك كانت في كل أعمالها الروائية ترتكز على شيء مركزي وهي القضية الفلسطينية، فلم تسقط في الخطاب السهل الذي سقط فيه معظم الكتاب، فالدافع الوطني قد يضع الإبداع في الزاوية، لكنها كانت واعية لما تقوم به".
وختم الروائي يحيى القيسي بشهادته المسجلة الجلسة الثانية، بالتأشير على الأثر الكبير الذي خلفته ليلى الاطرش في كل المناطق الابداعية التي عملت بها، في حقل الرواية وحقل الاعلام وحقل مؤسسة القلم الدولي للتعريف بالقضايا العربية.
وقال: "أيضاً على الصعيد العائلي، فليلى وزوجها المترجم الحقيقي الراحل فايز الصياغ، كانا موئلاً للكرم والثقافة والفكر، فبيتهم كان محجاً للكتاب والمثقفين، وكل ما أنجزاه من إرث ادبي، سيظل مؤثراً في الحياة الثقافية والأدبية العربية".
--(بترا)