آفاق العلاقات الثقافية الأردنية والأذربيجانية
يلينا نيدوغينا
في وسائل الإعلام المحلية نشطت مؤخراً الأخبار عن ضرورة تعظيم العلاقات الثقافية المتبادلة بين الأردن وجمهورية أذربيجان الشقيقة، من خلال التنسيق في هذا المنحى ما بين وزارة الثقافة وبين السفير الأذربيجاني لدى البلاط الملكي الهاشمي السيد إيلدار سليموف.
وكانت شبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية قد نشرت قبل أيام الخبر الذي جاء في وكالة الأنباء الرسمية الأذربيجانية (أذرتاج)، وتناول لقاءً جَمَعَ السفير الأذربيجاني في الأردن إيلدار سليموف، مع وزيرة الثقافة السيدة هيفاء نجار، وتم خلاله بحث آفاق العلاقات الثقافية بين البلدين الصديقين. وأفادت وكالة أ(ذرتاج) "أن الوزيرة الأردنية قالت إن كلا الشعبين تربطهما العلاقات التاريخية والثقافية المشتركة، معربة عن ارتياحها للمستوى الرفيع للتعاون في مجال الثقافة. وأضافت، أن الهيئات الحكومية المعنية لكلا البلدين قد تتعاون بشكل وثيق في دعم الابتكارات الثقافية". السفير سليموف تحدث من جانبه عن أن أرباب الفن والجوقات الموسيقية لأذربيجان يساهمون عن كثب في العديد من المهرجانات، مشيراً إلى استمرار العمل في تنظيم أسابيع ثقافية مشتركة، وبدورها دعت الوزيرة السفيرَ الأذربيجاني إلى المشاركة في الفعاليات المزمع تنظيمها في إطار إعلان مدينة إربد الأردنية القديمة "عاصمة الثقافة العربية" لعام 2022.
أعتقد شخصياً، أن تطوير الصِّلات والاسهامات الثقافية المتلاحقة بين البلدان هي أولوية في عصرنا والقارة الآسيوية التي ننتمي إليها منذ فجر التاريخ، ففي هذه المنزلة يكون ترطيب احترار العلاقات الدولية والإقليمية ووقف المواجهات الإعلامية، وشل أسباب اندلاع الحروب وتواصلها الذي يقود إلى تفسخ العلاقات الدولية والتباعد بين الناس والعداء بينهم إلى قرون مقبلة. لذلك، فإن الأخذ بالعمل الثقافي الجاد، والالتزام بعملانية فعَّالة لأنسنة الإعلام على قدم وساق، من شأنه أن يُفضي إلى منحى السلمية بكل تفاصيلها وسماتها، تعزيزاً لإنسانية الإنسان، وتدويل التفاهم العقلي الشامل بين الدول بقوة الجماهير المثقفة، وآليات وروافع الثقافة الحق التي تدخل ضمن مصالح ومبادئ جميع الإنسانيين. ولعمري، فإن بلدينا الأُردن وأذربيجان هما في أوائل قائمة مَن يَعمل في مسار هذه القناة التي تدر لبناً وعسلاً معنوياً وملموساً ولا انقطاع فيه.
في التآزر الثقافي الكثير من العناوين لمشاريع وأشغال لا تنتهي، لكن الفِعل الأساس في هذا النطاق هو لزوم تدشين هيئات ثقافية مشتركة تعمل على التأثير على المتلقي، لجهة تعزيز الترابط بين الشعبين والدولتين، وتفضي إلى تفاهمات تعاونية. وعلى سبيل المثال، أنا لا أستطيع أن أتصور وجود مشاطرة ثقافية بدون مراكز ثقافية في عمَّان وباكو، تعمل على استقطاب المثقفين والإعلاميين للاشتغال في مبادرات التقارب والتفاهم والفهم المشترك بين شعبينا، كذلك الأمر حتمية تدريس العربية في جامعات أذربيجان والأذرية في جامعات الأردن أُسوة بتدريس اللغات الأخرى في جامعاتنا المحلية.
وفي هذا الباب، من المهم بمكان لمواطنينا العرب من مسيحيين ومسلمين، معرفة حقائق أذربيجان كدولة شرقية، وآسيوية، ومعتدلة، وغالبية مواطنيها مسلمون، وأن بينهم طوائف مسيحية تمتد جذورها الإيمانية إلى فلسطين منذ عهد السيد المسيح له المجد، إذ أن القومية الألبانية وكنيستها الرسولية هي الأولى التي شَيدت على أرض أذربيجان صوامعها ومصلياتها الجميلة الباقية إلى يومنا هذا، والتي تقوم الحكومة الأذرية بتوجيهات متواصلة من لدن الرئيس إلهام علييف بالعناية الدقيقة بها، والمحافظة عليها أثرياً، وفنياً، ودينياً، وشكلاً وجوهراً، وكل ذلك وغيره الكثير يأخذ بنا إلى الانجذاب لحركية تجذير قواعد علاقاتنا وجوامعها القائمة بيننا، وتصليب تقاطعات أخرى لا نهاية لها، منها على سبيل المثال لا الحصر، عضوية أذربيجان المؤثرة بصورة واسعة في "حركة عدم الانحياز" و"منظمة التعاون الإسلامي"، واللغة الأذرية التي تحمل في طياتها الكثير الكثير من المفردات العربية و"أصوات" أحرفها المشابهة للعربية، والعادات والتقاليد الأذرية، والشخصية الأذرية المطابقة للعربية، والقُرب الجغرافي لأذربيجان من بلادنا، وغيرها.
ولا يجب أن ننسى هنا الدور المفصلي الذي تلعبه المنح الدراسية العليا لطلبة البلدين وتكثير عددها، مع ما يرافق ذلك إلى زواجات مختلطة، وهذا يُحقق بدوره تعميق التفاهم الشعبي بين الأًمتين العربية والأذرية.
في بعض محاور العمل المشترك في مجال الثقافة تدخل الأهداف والعناصر التالية: النشاطات المشتركة الدورية، وتشمل مجالات الفنون التشكيلية والخطَّين العربي والأذري، والسياحة، والآثار، والمتاحف، والتراث الشعبي، وإقامة الندوات والمعارض السياحية، وإصدار نشرة دورية إخبارية عن التعاون الثقافي الثنائي، وإقامة معارض دورية مشتركة في مختلف المناحي ذات الصِّلة، ووصل زيارات المختصين والعاملين في مجال الثقافة والإعلام، وتطوير صيغة للعمل المشترك في مجال الثقافة الإلكترونية والنشر الإلكتروني، وتنظيم موسم ثقافي وفني سنوي، والندوات والفعاليات في كلا البلدين، وإصدار الكتب عن البلدين في عاصمتيهما باللغتين القوميتين، وغيرها.
قصارى القول، وجوب التحرك اليوم قبل يوم الغد في مختلف الاتجاهات لإنجاح التوجهات الثقافية للبلدين، اللذين ينتظران استعادة خط الطيران المباشر الواصل بين عاصمتيهما، لتسهيل جهود تنمية التعاون الثقافي الرسمي والشعبي.
*كاتبة وإعلامية أردنية / روسية.