السياسة الخارجية الموجهة عبر وسائل الاعلام « الدبلوماسية الإعلامية»
د. دانييلا القرعان
يرتبط الإعلام الغربي برأس المال أكثر من الدولة، بسبب طبيعة المرفق الذي يستوجب توفير إعتمادات مقارنة بالمنتج غير المادي الذي يقدمه، لكن، لا يمكن القول بإستقلالية الإعلام الغربي عن إعلامه الرسمي. فالسلطة الحاكمة هناك هي صاحبة القرار السياسي القاضي بمخاطبة العقل العربي بلغته الأم لكسر حاجز اللغة، فبرزت قنوات إخبارية متخصصة تبث برامجها العربية من بريطانيا وروسيا وأمريكا وغيرها، وجندت لهذا جيش من المراسلين والمندوبين المقيمين، ويعتقد البعض أنها محطات عربية دون أن يعرف أنها محطات تعمل لحساب أجندات خاصة مرتبطة بمصالح الدولة التي تبث منها.
شجعت دول الغرب على الإستثمار في بناء قوة إعلامية سعياً وراء الترويج لسياستها الخارجية، وسمحت لذلك للعديد من وسائلها الإعلامية للتأثير على شعوب الدول الأخرى، وأسهمت هذه الوسائل في إثبات حضورها على المستوى الدولي، لذا، لاحظنا كيف يركز الغرب على شعوب الدول النامية ويستخدم شبكات الإعلام لتحقيق أهدافه، رغم كل ما تدعيه هذه الشبكات من التزام بالحيادية والموضوعية، حيث تحليل مضامين تقاريرها الإخبارية يثبت أنها مرتبطة بالسياسات الخارجية لدولها.
يعد علم «الدبلوماسية الإعلامية» إمتداد لعلم السياسة ذاته، ويقوم على مناهج ونظريات مستحدثة تتناسب مع الواقع، وظهرت مفاهيم حديثة كمفهوم «السياسة الخارجية الموجهة إعلامياً» الذي تقوده وسائل الإعلام الغربية، وتزايد الإهتمام بذلك عقب انهيار الاتحاد السوفياتي والإستفراد الإمريكي بالهيمنة على العالم، ويتضح (كمثال) من تغطية الإعلام الغربي للإحتلال الأمريكي للعراق من تحكمه بالتأثير، إذ كان يمنع بث المشاهد التي تظهر المعاناة والمجازر التي سببها الاحتلال، وأدى ذلك لطرح أسئلة مثل: ما علاقة الدولة بالغرب بوسائل إعلامها؟، هل ستصبح وسائل إعلام الغرب أداة في يد الحكومات لتحقيق سياساتها الخارجية؟.
أدى إحتكار الشركات العابرة للقارات للإعلام الى إخضاع الشعوب والسيطرة على العالم عبر تصويرها المبالغ به لتأثيرها، وشكل هذا تحولاً زاد من تحيزها نحو السياسة الخارجية لدولها، وصنع تشوهاً لصورة الدبلوماسية الإعلامية وربطها بتتبع شيطنة الأعداء وتبرير الجرائم الى أن تبنت بشكل صريح خطاب السلطة في تحقيق مصالحها القومية.
شكلت احداث الحادي عشر من سبتمبر تغييراً في السياسة الإعلامية وبروزاً لوظائف جديدة لوسائل الإعلام كبناء قوة ناعمة وتلميع الصورة الذهنية وتبرير القررارت والتأثير على الشعوب طبقاً للإستراتيجية التي يضعها الساسة، لم يقتصر التغيير على أمريكا بل شمل دولاً مثل روسيا التي أنشأت شبكة «روسيا اليوم» بحجة كسر إحتكار الغرب لتدفق المعلومات، غير أن الهدف تحقيق أهداف السياسة الخارجية لروسيا رغم الإدعاء بعدم إستخدام الشبكة كأداة دعاية في التأثير على شعوب أوروبا الشرقية لصالح أزمتها مع أوكرانيا، أو في توجيه أحداث القارة الأفريقية أبان مسألة إنفصال شعب جنوب السودان، لذا، واضح أننا نعيش تزايداً ملفتاً لإستخدام الغرب لوسائل إعلامه في التأثير لتحقيق سياساته الخارجية، مما يثبت قوة العلاقة ما بين دول الغرب ووسائل إعلامه.