يسرقون بحماية القانون .. و"مكافحة الفساد" لهم بالمرصاد

يسرقون بحماية القانون .. و"مكافحة الفساد" لهم بالمرصاد
الأنباط – سامر نايف عبد الدايم
لا يستخدمون الطرق التقليدية في السرقة، مثل سرقة البنوك أو المنازل بشكل مباشر، وذلك لأن قوتهم في استخدام القانون والتعامل مع ضحاياهم من خلال (مناصبهم) والتي تعتبر أدواتهم ومن بينهم أصحاب معالي، ووزراء، ونواب واعيان وموظفون يشغلون مواقع مهمة في الدولة إذ يتعامل الجناة مع الوقائع بذكائهم وعقلياتهم التي تفوق ما نراه في أفلام الاكشن .

المناصب العليا
يوضح «إدوين ساذيرلاند» من خلال دراسته بعنوان "جرائم الصفوة" أو ذوي الياقات البيضاء، التي نشرها سنة 1940، أن الانحراف والإجرام لا يشيع بين أفراد الطبقات الدنيا فحسب، ولكنه ينتشر بنفس القدر بين أفراد الطبقات العليا واستطاع هذا الباحث أن يثبت بالأدلة أن هناك العديد من حالات الانحراف أو خرق القانون الجنائي، تتم داخل أوساط رجال الأعمال والخبراء وذوي الثقافة الرفيعة والذين يتمتعون بسمعة حسنة، ويتقلدون مناصب عليا داخل المجتمع.
وأهم الجرائم التي تشيع في هذه الأوساط والتي ناقشها لاند، هي الاختلاس والريا والاحتيال وسوء التصرف في الموارد المالية والغش في المقاييس وانتهاك بعض القوانين الفدرالية المنظمة للحياة الاجتماعية. ويذهب لاند إلى أن جرائم الصفوة لا تقل أهمية عن جرائم العامة مثل القتل والسرقة والسطو والجرائم الجنسية، بل أن جرائمهم غالباً ما تكون أشد وطأة لأنها تسهم في فقد الناس الثقة بمجتمعهم.


استغلال السلطة 
عرّفت نظرية «إدوين ساذيرلاند» مجرمي الصفوة بأنهم ذوو دوافع إجرامية مختلفة عن بقية المجرمين، فغالباً ما يكون المجرمون في مواقع مهمة هدفهم المال، ينتهجون لأجله دروباً مختلفة في جرائم الفساد كالاختلاس وغسل الأموال والرشوة لتحقيق مكانة مرموقة في المجتمع أو نفوذ كبير، ويستغلون الجاه والاسم العائلي والمركز الاجتماعي للوصول إلى أهداف غير مشروعة، وتهدف الجرائم إلى التكسب المادي السريع الضخم غير المشروع باستغلال السلطة والنفوذ دون أي مظاهر للعنف وعبر رسم مظاهر الثراء والبذخ، وتتضمن جرائمهم تحريفاً في طريقة كسب الأموال ومصادر الدخل لطمس حقيقة منشأ الأموال التي يكسبونها.

قضايا الفساد
باستمرار يؤكد جلالة الملك عبدالله الثاني في خطاباته التي يلقيها أمام فاعليات سياسية ووطنية على ضرورة مكافحة الفساد واجتثاث جذوره منذ تسلمه سلطاته الدستورية من العام 1999.
وأولويات جلالته تطوير المملكة ومحاربة الفساد بطريقة جدية، فضلاً على حرصه عند تكليف الحكومات على وضع موضوع محاربة الفساد على قمة أولويات الحكومة. وأعادة التأكيد على الامل والطمأنينة لدى المواطنين بأن محاربة الفساد مستمرة خاصة مع جو من الأمن والاستقرار، فضلاً عن تأكيده على دور هيئة مكافحة الفساد في التعامل مع قضايا الفساد ومحاربتها ومنح العدالة الوقت اللازم لتأخذ مجراها.


مدركات الفساد
 
حصل الأردن على درجة 49 والمرتبة الخامسة عربياً في مؤشر مدركات الفساد لعام 2021 وذلك من خلال دراسة أجراها مركز الشفافية الأردني ، كما حصلت المملكة على المرتبة 58 عالمياً من 180 دولة. 
وفي دراسة أجراها المركز حول الأردن في مؤشر مدركات الفساد للأعوام ٢٠٠٠-٢٠٢١، حصل الأردن على أعلى درجة عام 2005 وكانت 57 ، وكان ترتيبها 37 عالميا من أصل 158 دولة وقعت ضمن التصنيف، بينما كانت ادنى درجة حصل عليها الأردن 45 خلال الأعوام2001 و2011 و2013، وكان ترتيبها الدولي 66 من 177 دولة في التصنيف عام 2013، وهو أدنى ترتيب للأردن عالمياً ، أما درجة الأردن خلال السنوات الخمسة الأخيرة، فقد ثبت مؤشره تقريبا على درجة 48 – 49 وبمرتبة 4 – 5 عربياً و 58 – 60 عالمياً.

الأردن الأول عربيا 

المحاكم الأردنية أصدرت خلال العام 2021، أحكاما رادعة بحق مرتكبي جرائم الفساد في الأردن، وصلت إلى أحكام بالسجن لأكثر من 22 عاما بالأشغال الشاقة المؤقتة وغرامات تجاوزت المليار دينار على بعضهم عادت لخزينة الدولة، وشملت الأحكام الفساد الصغير والكبير، ارتكبها مسؤولون وموظفون وشركات وأفراد. جعلت الأردن في المرتبة الأولى عربيا والـ57 عالميا في مجال مكافحة الفساد، أبرزها؛ الالتزام بالاتفاقيات الدولية والعربية في مجال مكافحة الفساد واستقبال الشكاوى حول الفساد دون ذكر اسم المشتكي لدى الجهات المختصة، وصدور أحكام قضائية رادعة وكبيرة.

انتشار الفساد
منظومتنا الرقابية قوية ومحترمة تعمل بكفاءة بشهادة المؤسسات الدولية المحايدة ذات المصداقية، والانطباعية السائدة عن انتشار الفساد ظالمة وغير موضوعية، وعليه فواجب على مؤسساتنا الرقابية نشر الوعي، وترسخ قيم النزاهة كمنظومة مجتمعية صلبة، وتنصف الأردن وتكافح الانطباع الخاطئ والظالم أنه مرتع للفساد. 
مؤسساتنا الرقابية ومنظومة مكافحة الفساد، هي أدواتنا كدولة لمحاصرة باثي الإشاعات السوداء والإحباط، الذين يتهمون الأردن بما هو براء منه، فقد كان الأردن وسيبقى- بحول الله- مثالا في قدرته على التعامل مع التجاوزات عندما تحدث.