سويسرا: أن تكون فقيراً يَعني أن تعيش معاناةً حقيقية..!
الأكاديمي مروان سوداح
أجمل ما في سويسرا أنها شجاعة، وتعترف على الملأ وأمام العالم كله بما تعانيه من عقبات ومشكلات ومصاعب جمَّة، ضمنها طوابير الانتظار اللامتناهية التي شوهِدت "مؤخراً" أثناء توزيع المساعدات الغذائية على آلاف الأشخاص في "جنيف"، ولهذه المَشَاهِد، التي تحدثت عنها الصحافة السويسرية، دلالات عميقة، ويعترفون في تلك الدولة بقولهم: فإن كانت الأزمة الصحية قد شارفت على الانتهاء، يبدو أنّ الأزمة الاقتصادية قد بدأت للتو!، وهذا ما دفع الصحفي والمدوِّن "غريغوار باربي" للتحذير: "سوف تواجه سويسرا فَقراً لم تكن تتخيل أن يحدث على أراضيها..".
في سويسرا الجاذبة للسياح والاستثمارات، والتي شهدت في السنوات الأخيرة ثراءً اقتصادياً غير محدود ونجاحاً غير مسبوق، يخشون أن تواجه البلاد في "القريب العاجل" أعداداً كبيرة من البشر الذين يُعانون من الفقر، ولذلك يطرحون السؤال التالي بشجاعة: هل سويسرا مستعدة للتصدي لهذه المحنة؟ ليس هناك ما يؤكد ذلك. في هذا البلد الصغير الذي يعتدُّ بنفسه للغاية، يُنظَرون للفشل بعين الازدراء سواء كان على المستوى الثقافي أو المؤسساتي.
في هذه الدولة البعيدة التي تُصنَّف فيها المسؤولية الفردية كعقيدة مُطلقة، وحيث يُعتبر العمل امتيازاً اجتماعياً بلا مُنَازِع، تُوضع تقلبات الحياة موضع الشك. الاستدانة؟ هي بالضرورة كما يعترفون علامةُ على سوء الإدارة المالية. البطالة لفترة طويلة؟ هي دليل واضح على الكسل، وانعدام الإرادة بشكل ملحوظ. المرض؟ عذر للاتكال على الدولة.
في صحيفة "لا تريبون دو جنيف"، يُقدّر رئيس جمعية المقاهي في جنيف نسبة المطاعم والمقاهي التي لن تتمكن من العودة لفتح أبوابها بعد الأزمة بحوالي ثلاثين بالمئة، وهي نسبة يؤكدون بأنها "مُخيفة"، عِلماً إنَّ المطاعم ليست القطاع المعني الوحيد، فيستحيل أن يكون أمام العديد من الشركات خيارات أخرى سوى الإغلاق. كما سيتم تأجيل بعض المشاريع إلى أجل غير مُسمَّى، بل قد يتم التخلي عنها لعدم وجود رؤية واضحة في السنوات القادمة.
في تلك الدولة التي أتمنى يوماً زيارتها، يُردِّدون هذه الأيام بأنه الصّعب تقدير التبعات المالية المترتبة على الأزمة الصحية بدقة، وإن كانت التوقعات متباينة حول المدة والحجم، إلا أنَّ جميعها تتفق على نقطة واحدة: سيكون للركود الاقتصادي تداعيات خطيرة على المجتمع، وسيحتاج الاقتصاد لبعض الوقت ليعود إلى مستوى ما قبل الأزمة. وفي حين أنَّ الأزمة الصحية قد تستمر لوقت ما، فإنَّ المأزق الاقتصادي الذي خلَّفته سيدوم، وستمتد "بلا شك" لعدة سنوات. ولذلك، نقرأ أنَّ القرارات الصعبة التي اتخذتها الحكومة السويسرية الفدرالية للحد من انتقال كورونا قد أنقذت الكثير من الأرواح.. "ولكنها بالمقابل عَجَّلت بإدخال حياة الكثيرين في حالة الفقر، أو على الأقل في حالة عدم الاستقرار المادي".
بموازاة ذلك، يَرفع المُدَوِّن شعاراً يرتجف له كثيرون، هو: " أن تكون فقيراً يَعني أن تعيش معاناةً حقيقية في سويسرا". بعضهم في سويسرا يرى هذا الوصف هزلياً بعض الشيء، لكنه في النهاية غير بعيد عن الواقع! في سويسرا، يؤدي الفقر إلى انعكاس عبء الإثبات: كل شخص يستفيد من المساعدات الاجتماعية يُعتَبَر مُسبقاً شخصاً انتهازياً".
لم يفتأ وزير الصحة آلان بيرسيه يُذكِّر على المستوى الصحي، بأنَّ الأمور ليست بهذه البساطة، وأنه يجب التحلّي بالتواضع، حتى لو كلّف الأمر التراجع عن بعض المواقف التي اتُخذت مؤخراً فيما لو وصلتنا معلومات جديدة تجعلنا نُغيِّر نظرتنا للمخاطر. هنالك يتساءلون: هل يمكن للطبقة السياسية أن ترتقي إلى المستوى المطلوب من التواضع خاصةً فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي للأزمة؟
,،,،,